ilboursa.com

وقع عدد من المختصين في الشأن الطاقي أن الحرب الروسية الأوكرانية ستخلق ازمة طاقية شديدة على غرار ازمة النفط لسنة 1973 اذ تراوح سعر برميل النفط بسبب الحرب الدائرة رحاها في منطقة البحر الأسود حاليا بين 110 و120 دولار وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المورد الأساسي للتدفئة في دول الاتحاد الأوروبي الباردة.

وسرعان ما دفعت هذه الوضعية الطاقية الجديدة دول مثل فرنسا وألمانيا المعارضتان بشدة للحرب والتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا الى التفكير في بدائل جديدة او بالأحرى التفكير في التعامل مع أسواق جديدة تزودها بالغاز الطبيعي. وقبل التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، كان الاتحاد الأوروبي يستورد 40% من حاجاته من الغاز من روسيا. وكانت ألمانيا الأكثر اعتمادًا على الغاز الروسي الذي يمثل 55 في المئة من استهلاكها

بدائل جديدة

لقد ضاقت دول الاتحاد الأوروبي وخاصة الدول المعارضة للتدخل الروسي في أوكرانيا واتخاذ حزمة من العقوبات الاقتصادية والمالية ضد روسيا، ضرعا من التقلبات الحاصلة في أسواق الطاقة ولا سيما تطور أسعار الغاز الطبيعي وتأثيره على القدرة الشرائية لمواطنيها وزيادة اسعار المواد المستهلكة للغاز والنفط الروسيين.

وعجَلت هذه الوضعية وتحسبا لأي تطورات أخرى شرعت العديد من دول الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها المانيا وفرنسا في البحث في أسواق جديدة تزودها بالنفط والغاز ومشتقات الفسفاط في قادم السنوات في إطار تنويع الأسواق من جهة عدم جعل نفسها "رهينة" للغاز الروسي.

استفادة دول المغرب العربي

ومن ضمن الوجهات الجديدة التي قد تلتجئ اليها الدوال الأوروبية للتزود بالمواد الطاقية والمنجمية دول المغرب العربي واساسا الجزائر وليبيا ومصر وبدرجة اقل تونس والمغرب التي قد تكون مزودة رئيسية لدول شمال البحر الأبيض المتوسط نظرا لثقلها الطاقي في ظل المشهد العالمي الجديد وقد تكون بدائل او أسواق دائمة لأوروبا لتزيدها بالمواد البترولية والمنجمية.

وفي خضم المخاوف من تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا على موارد الطاقة بأوروبا، أعربت شركة النفط والغاز الجزائرية "صوناطراك" عن استعدادها لتزويد القارة بكميات إضافية من الغاز عبر أنبوب الغاز الرابط بين الجزائر وإيطاليا والمار عبر تونس في حال تقلصت الصادرات الروسية.

وأبدت الجزائر استعدادها لتزويد أوروبا بكميات إضافية من الغاز عبر أنبوب الغاز الرابط بين الجزائر وإيطاليا، في حال تقلصت الصادرات الروسية بسبب الحرب في أوكرانيا.

وقال مسؤولون جزائريون " ان شركة سوناطراك ممون غاز موثوق بالنسبة للسوق الأوروبية وهي مستعدة لدعم شركائها على المدى البعيد في حال تأزم الوضع". وأضاف أن توافر كميات إضافية من الغاز الطبيعي أو الغاز المُسال مرتبط "بتلبية الطلب في السوق الوطنية و"الالتزامات التعاقدية" مع الشركاء الأجانب.

وشددوا على أن سوناطراك "تتوفر على قدرات تصدير غير مستغلة عبر أنبوب ترانسميد" الرابط بين الجزائر وإيطاليا مرورا بتونس، والتي يمكن أن تُستغل في "زيادة الكميات نحو أوروبا".

على تونس استثمار الأوضاع الجديدة

بإمكان تونس رغم صغر حجمها الجغرافي ان تكون "لاعبا" محوريا في معادلة تزويد أوروبا وبقية دول العالم بالمنتوجات وان تكون بديلا طاقيا وسياحيا لعدد من دول منطقة البحر الأسود. وتزخر تونس بحقول هامة من الفسفاط ذات الجودة العالية يمكن ان تكون مزودا رئيسيا لعديد الدول التي تجد صعوبات ظرفية وهيكلية في الحصول على الأسمدة الفسفاطية التي كانت تتزود من روسيا وأوكرانيا

وبإمكانها أيضا ان تستفيد اقتصاديا من استقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة التي كانت ستتوجه نحو أوكرانيا وخاصة روسيا لا سيما وان العديد من العلامات التجارية الكبيرة والشركات الأوروبية قد قررت مغادرة روسيا ويمكن ان تكون تونس قاعدة خلفية لعملياتها نظرا لقربها من أوروبا.

وبالنسبة الى الغاز الطبيعي فان تونس قد تنتفع من الانبوب الجزائري المار الى إيطاليا عبر تونس للحصول على امتيازات جديدة في حال مضاعفة الجزائر صادراتها من الغاز الطبيعي الى أوروبا.

استقطاب الاستثمارات الخارجية

ويؤكد عبد الباسط الغانمي مدير عام وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي اوردا على سؤال بخصوص عما اذا كانت الحرب الروسية الأوكرانية قد تؤثر على تدفق الاستثمارات الخارجية في العالم وخاصة في تونس في ظل توجه الدول الأوروبية إلى تخصيص موارد مالية هائلة لإعادة التسلح، أعرب المتحدث عن أمله في انتهاء الحرب في أقرب وقت وإحلال السلام في المنطقة.

وبين أن من ضمن سلبيات الحرب هو إمكانية تغيير بعض أولويات الدول في استراتيجية استثماراتها الخارجية ولكن ممكن خلق بعض الفرص على غرار أن دول أوروبا الشرقية هي دول منافسة لتونس في استقطاب الاستثمارات الخارجية ويمكن حصول تحويل بعض المشاريع التي كانت مبرمجة في دول أوروبا الشرقية إلى دول جنوب حوض المتوسط ومن ضمنها تونس.

على تونس الاستفادة من الفرص

ويقول الأستاذ الجامعي والباحث في الشؤون الاستراتيجية رافع طبيب ان تونس بإمكانها ان تستفيد اقتصاديا وتجاريا من الحرب الروسية الأوكرانية عبر قطاعين اثنين الأول هو قطاع الفوسفات والثاني هو الغاز والنفط.

وأبرز "للبورصة عربي" ان سعر الطن الواحد من الفوسفات قد زاد ثمنه في العام 2021 بنسبة 97 بالمائة في الأسواق العالمية مؤكدا ان الفسفاط التونسي يتمتع بجودة عالية تجعل سعره يكون ارفع.

وأضاف ان دولا مثل الصين والهند قررت الرفع من طاقة انتاجيتها الفلاحية بما سيجعلها حريف دولي هام في مجال مشتقات الفوسفات والاسمدة الفوسفاتية لافتا الى ان التزود من منطقة البحر الأسود سيكون صعبا فان دولا مثل تونس قد تكون بديلا استراتيجيا لتزويدها بهذه المواد.

وكشف في هذا الصدد ان الهند والصين اقترحت على تونس انجاز مشاريع مشتركة في شكل استثمارات خارجية مباشرة لتطوير حقول الفوسفات لافتا الى ان الجزائر ابرمت عقودا مع الصين لتطوير حقول الفوسفات بقيمة 7 مليار دولار.

واكد على انه من الضروري على تونس أن تنجز مخططا جديدا لتنمية قطاع المناجم والاخذ بعين الاعتبار التغيرات الإقليمية والدولية الجديدة الى جانب انهاء حالة الاعتصامات والاضرابات المتكررة التي أنهكت الحوض المنجمي اهم منطقة لإنتاج الفسفاط في تونس.

وأعرب عن اسفه من غياب الإرادة السياسية القوية لتطوير قطاع المناجم في تونس الذي يمكن ان يكون بمفرده أحد الحلول للخروج من الازمة الاقتصادية وان يدر على البلاد موارد مالية كبيرة. يشار الى ان تونس قبل سنة 2011 كان معدل انتاجها من الفوسفات الخام في حدود 8 ملايين طن لينحدر الإنتاج الى اقل من معدل 1 مليون طن ما جعل تونس تعاني بشكل كبير نقص في مواردها المالية الخارجية.

ومن جانب اخر أبرز رافع طبيب ان قطاع النفط يمكن ان يكون بدوره حلا هاما لحلحلة الازمة لاقتصادية في تونس من خلال عملية تطوير الاستكشاف والتنقيب عن النفط.

وفسر المسالة بأن الحرب الروسية الأوكرانية ستُعجَل المستثمرين وكبرى الشركات العالمية بالتسريع في الاستثمار في الاستكشاف والتنقيب عن النفط في عدة مناطق من العالم ومن أبرزها منطقة شمال افريقيا ومن ضمنها تونس. ودعا في هذا الإطار الحكومة التونسية الى استشراف الأوضاع بالعمل على فتح افاق جديدة في مجال الاستثمار في الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز عبر تغيير بعض القوانين المعطلة.

وتابع الخبير الاستراتيجي تحليله للمسالة بالتأكيد على أن الجزائر ستعمل على مضاعفة صادراتها من الغاز باتجاه أوروبا الامر الذي قد يعود بالنفع على تونس من خلال امكانية ترفيع حصتها من أنبوب الغاز المار من الجزائر الى إيطاليا عبر تونس. هذا وبشار الى ان تونس طلبت من السلطات الجزائرية زيادة حصّتها من الغاز الطبيعي خلال فترة الصيف، نقلا عن الموقع الإخباري "الجزائر الآن"، عن مصادر وصفها بالمؤكّدة. 

وأفاد المصدر بأنّ الطلب التونسي هو قيد الدراسة من السلطات الجزائرية. يذكر أنّ تونس تحصل على حصّة مجانية من خطّ الأنابيب عبر المتوسط "ترانسماد" الذي يربط بين الجزائر وصقلية الإيطالية، ويعبر الأراضي التونسية فيما تدفع نسبة مالية خاصّة بالاستهلاك.

وباعتبار تونس بلدا موردا للمواد الطاقية من نفط وغاز بات لزاما عليها إيجاد حلول عاجلة وهي التي استوردت سنة 2021 حوالي 9 مليار دينار من المواد الطاقية محققة عجزا بـ 5735 مليون دينار. وسيساهم الرفع في طاقة هذا الأنبوب في ارتفاع حصة تونس من الإتاوة الجملية على الغاز الجزائري والمحددة بـ5.25 بالمائة من كمية الغاز المنقول والذي يمكن أن يصل لأكثر من 1.8 مليار متر مكعب، إذا ما بلغ الأنبوب طاقته القصوى

يذكر أن الإتاوة على أنبوب الغاز والشراءات من الغاز الجزائري أمنت لتونس سنة 2021 حوالي 62 بالمائة من حاجياتها للغاز الطبيعي فيما بلغ الإنتاج الوطني 38 بالمائة، كما شهدت كميات الإتاوة الجملية ارتفاعا هاما بنسبة 85 بالمائة خلال سنة 2021 لتبلغ 978 ألف طن مكافئ نفط. وسجل سعر الغاز أسبوعين بعد اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية، ارتفاعا حادا في أوروبا بنسبة 79 بالمائة للمرة الأولى، حيث بلغ 3900 دولار لكل ألف متر مكعب.

ومن جهة أخرى لم يستبعد رافع طبيب أيضا المتحدث ان يستفيد القطاع السياحي في تونس من النزاع الدائر في منطقة البحر الأسود بإمكانية تحويل العديد من السياح الأوروبيين لوجهتهم الى تونس هروبا من النزاع الحاصل في هذه المنطقة ما سيعود بالنفع على السياحة التونسية المحتاجة الى جرعة اوكسجين لتجاوز تداعيات الازمة الصحية التي كبدت القطاع خسائر جمة.

مهدي الزغلامي 

تم النشر في 06/04/2022

الأكثر قراءة