ilboursa.com

يتواصل الغموض والضبابية في تونس بشأن العديد من المسائل المالية الحارقة والعاجلة والتي لا تحتمل التأخير خاصة اعداد ميزانية عام 2022 في إشارة الى الفاعلين الاقتصاديين وعموم المواطنين بما ستتضمنه هذه الميزانية من توجهات باعتبارها تمثل بوصلة البلاد وتعكس خططتها وتوجهاتها الاقتصادية والمالية. 

لم يتبق على انتهاء عام 2021 سوى اربعة أسابيع ولم تعد تونس الى الان ميزانيتها او تقديم وزارة المالية لبعض توجهات هذه الميزانية والفرضيات التي ستنبني عليها (نسبة النمو وسعر صرف الدينار وسعر اقتناء برميل النفط).

وجرت العادة أن يكون مشروع الميزانية جاهزا ومُعلن عنه مند منتصف أكتوبر بإيداع الحكومة مشروعين قانون المالية والميزانية لدى البرلمان وفق ما ينص عليه الدستور، ولكن هذا العام تغيرت المسائل بصفة جذرية ليكتنف الغموض والضبابية عن الموازنة الجديدة التي لم يقع الإفصاح عنها. 

وتثير هذه الوضعية مخاوف المختصين والمحللين الاقتصاديين الذي أعربوا عن قلقهم ومخاوفهم الشديدين من عجز البلاد عن انجاز موازنة ما سيهز صورتها ومصداقيتها داخليا وفي الأوساط المالية العالمية.

وتعرف تونس منذ سنة 2020 ازمة اقتصادية ومالية كبيرة بسبب تداعيات ازمة فيروس كورونا، تعمقت أكثر في 2021 لتدخل البلاد في نفق مظلم من المديونية الخارجية الى درجة انها أضحت عاجزة عن الاقتراض الخارجي. 

وضع مُحيَر  

أعرب عدد من الخبراء في تصريحات "للبورصة عربي" عن انشغالهم الشديد من عدم إنجاز تونس إلى حد الان لموازنتها للعام المقبل معتبرين أن الوضع اضحى غير عاديا بالمرة لبلد تعود منذ العديد من العقود عن انجاز موازنته في اجال معقولة ومحترمة على هناتها ونقاط ضعفها. 

وأكدوا ان عام 2021 شارف على الانتهاء ولم يبق منه سوى حوالي شهر واحد وتونس لم تفصح الى الآن عن مشروع الميزانية الجديدة وسط حيرة للفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين والمؤسسات المالية الدولية. 

وأضافوا أن قانون المالية التعديلي للعام الحالي والذي نشرته وزارة المالية منذ حوالي عشرة ايام قدَم بعض المؤشرات التي اعتقدوا انها خطيرة وتتمثل في ارتفاع نفقات الدولة مع ارتفاع عجز الميزانية.

كما أبرزوا ان الغموض وراء عدم الإعلان عن الموازنة للعام المقبل يعزى الى استحالة التوصل الى تعبئة الموارد المالية الخارجية في شكل قروض خارجية من المؤسسات المالية الدولية.

وعن السيناريوهات القادمة في ظل عدم توصل تونس لإنجاز موازنتها بينوا ان الدستور التونسي ينص على ان رئيس الجمهورية يمضي على أوامر رئاسية كل ثلاثة أشهر لصرف نفقات الدولة من دون نفقات الاستثمار (الباب الثاني من الميزانية) معتبرين ذلك امرا على غاية من الحساسية من الخطورة ويضع مصداقية تونس على المحك.

ورجحوا ان يكون لهذه العملية تداعيات خطيرة على مزيد الط من تصنيف تونس الى مستويات دنيا في وكالات التصنيف العالمية.

التوجه نحو اصدار اوامر رئاسية

استغرب بدوره ارام بلحاج أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية من الوضعية الراهنة التي وصفها بالمقلقة والحيرة بعدم كشف وزارة المالية عن مشروع الموازنة للعام المقبل. 

وأبرز ان صدور قانون المالية التعديلي لهذه السنة اعطى فكرة مسبقة عن الأوضاع المالية لتونس في العام القادم وذلك من خلال الصعوبة الهامة في اغلاق الموازنة الحالية مرجحا انه سيقع اللجوء الى البنك المركزي لإغلاق الموازنة او التوجه نحر التعاون المالي الثنائي مع عدد من الدول الشقيقة والصديقة لتونس للحصول على حوالي 3مليار دينار.

وشدد على ان عدم الإعلان عن مضامين الميزانية الجديدة ولا حجمها وتوقعاتها يعكس حالة التخبط والغموض التي تعرفها البلاد بخاصة وزارة المالية المتكتمة الى الان.

ورجح انه في ظل الوضع الراهن بعدم الإفصاح عن موازنة العام القادم سيتم تصريف الأمور بأوامر رئاسية كل ثلاثة أشهر لصرف الأجور ونفقات الدولة من دون نفقات الاستثمار العمومي.

كما انتقد ارام بلحاج أداء وزارة المالية التي تعد الموازنة من دون تريك اهم شركاء الدولة أي الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والمختصين لأخذ رأيهم والاستئناس به عند اعداد الموازنة لافتا الى ان انه كل سنة يتم اعداد مشاريع الموازنة وراء أبواب مغلقة وموصدة في وجه المختصين.

ومن جانب أخر تحدث أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية عن التحديات الاقتصادية التي تنتظر تونس في العام المقبل واهمها تحدي الإنقاذ الاقتصادي المتهالك والتحدي الاجتماعي من خلال التساؤل عن الحفاظ عن ديمومة الانتدابات علاوة على تحدي الإنعاش الاقتصادي.

تونس تنتظرها سنة مالية عصيبة جدا

ومن جانبه قال أنيس الوهابي الخبير المحاسب ان تونس تنتظرها سنة مالية عصيبة جدا لكل المقاييس وانه للخروج من الوضع الاقتصادي والمالي الحانق قد تحصل معجزة وفق اعتقاده.

ولم يستسغ الى الآن عجز الحكومة الحالية بقيادة نجلاء بودن ووزيرة المالية عن اعداد مشروع موازنة للعام المقبل الامر الذي سيهز صورة تونس وتفقد مصداقيتها وفق رأيه.

ولاحظ ان القانون الأساسي للميزانية يشترط ان يقع اعداد التوجهات الأولية للموازنة منذ شهر جويلية من كل سنة وفي شهر سبتمبر تقع المشاورات الأولى مع بقية الوزارات لوضع التصورات والتوجهات الأولية للموازنة. 

ووفق الدستور فان الحكومة مطالبة بإيداع مشروعي الموازنة وقانون المالية يوم 15 أكتوبر على ان يصادق البرلمان على المشروعين بعد تعيلهما يوم 10 ديسمبر.

ولكن في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها تونس بعد قرارات 25 جويلية 2021 وتعلق جانب من الدستور فان الأوضاع انقلبت راسا على عقب ليتم الاقتصار على أوامر رئاسية فقط يضيف الوهابي.

ويعتقد ان صدور الموازنة الجديدة للعام المقبل وفي ظل الأوضاع الاستثنائية الراهنة سيتم بواسطة أوامر رئاسية ما اعتبره المتحدث امرا غير طبيعي وعلى غاية من الخطورة على الوضعية الاقتصادية والمالية للبلاد. 

وشدد على انه يحبذ اصدار أي مشروع ميزانية تتضمن بعض التوجهات والاجراءات الجبائية أفضل بكثير من ان يقع اصدار اوامر رئاسية لتنفيذ الميزانية.

ويرى انيس الوهابي ان المستثمرين التونسيين والأجانب ينتظرون صدور مشروع الموازنة الجديد للعام المقبل لترتيب امورهم المالية والتخطيط للمشاركة في المشاريع العمومية محذرا من ان المستثمر الأجنبي وفي حال عدم صدور الموازنة الجديدة قد يلغي تونس من حساباته واجنداته الاستثمارية ما سيزيد من الطين بلة.

ولفت الى ان القطاع الخاص ينتظر بدوره الموازنة وما ستتضمنه من إجراءات ضريبية جديدة لإدراجها ضمن مسائله الضريبية والقيام بالترتيبات الضرورية في الغرض.

مهدي الزغلامي 

 

تم النشر في 02/12/2021

الأكثر قراءة