ilboursa.com

أمام تسارع الاحداث العالمية المتسمة بتواصل النزاع الروسي الاوكراني وتأثيره على أسعار المواد الطاقية التي سجلت معدلات كبيرة لم تقدر عليها تونس، دفعت الحكومة بإجراء زيادة رابعة في اثمان المواد البترولية لتخفيف من وطأة العجز الطاقي الاخذ في الانخرام وما لذلك من تداعيات سلبية على المالية العمومية.

ومن هذا المنطلق لم تر الحكومة من حل سوى استعجال مشاريع الطاقات المتجددة والبديلة بعد تسجيل تأخير لا فت في السنوات الأخيرة بتعطل تجسيم العشرات من المشاريع القادرة على تخفيف من الوضعية الطاقية المحرجة.

وقد كثَف المسؤولون الحكوميون التونسيون في الاشهر الأخيرة من المباحثات والمحادثات مع كبرى الشركات العالمية المختصة في مجال الطاقات المتجددة بغرض انجاز مشاريع طاقية هامة في البلاد التي تشكو عجزا طاقيا فادحا. والتقى وزراء الصناعة والطاقة والمناجم والاقتصاد والتخطيط والمالية بعدد من المؤسسات المالية ومن ضمنها البنك الدولي قصد الحصول على الدعم المالي الضروري لإقامة مشاريع طاقات شمسية وفلطاضوئية في عدد من مناطق البلاد بهدف تسريع نسق انجاز مشاريع الطاقات البديلة والنظيفة.

وضعية طاقية صعبة

ويؤكد رشيد بن دالي المدير العام للمحروقات بوزارة الصناعة والطاقة والمناجم أن نسبة العجز الطاقي في تونس بلغت 55 في المئة، مشددا على تفاقم هذا العجز سنويا مع استمرار عمليات الاستيراد وغياب الاكتشافات. وأوضح أنه يتم إنتاج بين 35 و40 ألف برميل نفط و60 مليون مكعب من الغاز يوميا في تونس في مختلف الحقول المستغلة في تونس.

وفي تصريح صحفي كشف المسؤول التونسي أن تونس "لجأت الى استعمال مخزونها الاستراتيجي الاحتياطي للمواد البترولية حتى تتمكن من تأمين الطلب وتزويد البلاد بالمنتوجات البترولية". وقال بن دالي: "الوضع جد دقيق" في إشارة منه إلى ندرة المواد البترولية والظرف المالي الحالي الذي تعرفه تونس في ظل أزمة الطاقة العالمية.

وأضاف أنه "في ظل الطلب الدولي الهام على منتجات النفط، فان بائعي هذه المواد يطلبون حاليا الدفع الحيني وهو ما يجبرنا على خلاص الشحنة عند التسلم رغم الوضع المالي الصعب للبلاد". وأوضح أن "الفارق بين إنتاج واستهلاك المنتجات النفطية يقدر ب 58 ألف برميل يوميا وتتم تغطيته من خلال التوريد".

تأخر لافت في مشاريع الطاقة المتجددة

وتخطط تونس لبلوغ 35 في المئة من انتاج الكهرباء بواسطة مشاريع الطاقات المتجددة بحلول عام 2030 لغرض التقليص من فاتورة توريد المواد البترولية والانصهار في السياق العالمي المشجع على الطاقات المتجددة. ولكن وفق المؤشرات الأولية وتقدم مشاريع الطاقة المتجددة فإن تونس تعرف تأخيرا لافتا في تنفيذ هذه المشاريع بسبب بطء الإجراءات الإدارية وخاصة طول مسار اعداد الملفات الخاصة بإسناد الرخص اللزمات لإنجاز هذا الصنف من المشاريع التي اثبتت نجاعتها وفاعليتها عالميا.

ومن ضمن العوامل الأخرى المعطلة لتنفيذ هذه المشاريع "المعارضة" النقابية الرافضة لإنتاج الكهرباء بواسطة الطاقات المتجددة (الطاقة الشمسية أساسا) اذ ان جامعة الكهرباء التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل ترفض بشدة انجاز هذه المشاريع لكونها مدخلا غير مباشر للشروع في خوصصة شركة الكهرباء والغاز.

ويجزم خالد بن قدور وزير الصناعة والطاقة الأسبق والخبير في الطاقة إن الدولة التونسية لم تنطلق بعد في انتاح الطاقة البديلة ولم تشهد مرحلة التحول الطاقي. وأكد أن تونس تنتج 3 في المئة فقط من الطاقة البديلة وتحافظ على 97 في المئة من انتاح الطاقة عبر المحروقات، معبرا عن أسفه من هذا التعطيل في الاستثمار في برامج التحول الطاقي.

استحثاث نسق المشاريع

أمام الوضعية الطاقية الاخذة في التأزم والتعقد وتحسبا لسيناريو قد يكون كارثيا في السنوات القادمة، عجَل المسؤولون التونسيون من لقاءاتهم مع العديد من ممثلي الشركات العالمية ومؤسسات التمويل الدولية قصد عرض استراتيجية تونس في مجال الطاقات المتجددة والافاق الاستثمارية وخاصة الربحية التي تتيحها سيما وان لتونس نسبة اشعاع شمسي في حدود 300 يوم في السنة أي ان الشمس متواجدة لعشرة أشهر تقريبا.

وفي هذا الإطار استقبلت وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة نويرة القنجي يوم 5 سبتمبر 2022 بمقر الوزارة حسين النويس الرئيس التنفيذي لمجمع أمايا باور AMEA POWER وممثلين عن البنك الافريقي للتنمية ومؤسسة التمويل الدولية IFC، لاستكمال المباحثات مع البنوك الممولة لبلوغ الاقفال المالي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 لمشروع محطة إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية الفولطاضوئية بالمتبسطة من ولاية القيروان  (الوسط) بقدرة 100 ميغاواط حتى يتسنى دخوله حيز الاستغلال وفق الآجال المتفق عليها.

ويندرج هذا المشروع في إطار المصادقة على دفعة من المشاريع الخاصة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية الفولطا ضوئية بقدرة 500 ميغاواط في إطار نظام اللزمات بخمسة ولايات وهي تطاوين (200 ميغاواط) وتوزر(50ميغاواط) وسيدي بوزيد (50ميغاواط) والقيروان ( 100ميغاواط) وقفصة (100ميغاواط ) وذلك ضمن البرنامج الوطني لتطوير انتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة.

وأكدت الوزيرة على أهمية الاستثمار في الطاقات البديلة باعتبارها الحل الأمثل في ظل انخفاض الإنتاج والاحتياطي للطاقة الأحفورية على المستوى العالمي والتونسي والتوجه نحو التقليص من انبعاثات الكربون وحماية المناخ. وأوضحت أن الحكومة تحرص على دفع الاستثمار في الطاقات المتجددة من خلال تذليل الصعوبات وتبسيط الإجراءات الادارية وحذف التراخيص بالنسبة للمشاريع الأقل من 1 ميغاواط في هذا المجال.

دعم البنك الدولي

وفي خضم تسريع تمويل مشاريع الطاقات المتجددة والنظيفة، التقت وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة نويرة القنجي الأربعاء 31 اوت الماضي فريد بالحاج نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا مع وفد رفيع المستوى من مجموعة البنك الدولي.

وخصص اللقاء لمتابعة التعاون القائم بين الوزارة ومجموعة البنك حول برنامج العمل في الفترة القادمة خصوصا في قطاعات الطاقة والطاقات المتجددة وكيفية دعم مشروع الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا وتمويل الجانب التونسي مع الإشارة إلى مزايا هذا المشروع على المستوى الاقتصادي والفني، لا سيما وأنه سيمكن من تبادل الطاقة الكهربائية بين البلدان ودعم الشبكة الوطنية لنقل الكهرباء.

عودة لأضخم مشروع طاقي

بعد أن رفضته حكومة حركة النهضة الإسلامية في عام 2012 وإقرار الفيتو في شأنه، عادت حكومة نجلاء بودن الى التفاوض مع مجموعة "تونور" البريطانية من أجل إعادة احياء مشروع طاقي ضخم كان يمكن ان تكون تأثيرات إيجابية على الوضع الطاقي في تونس وان يكون قاطرة حقيقية لبقية المشاريع الطاقية.

وأكدت وزارة الاقتصاد والتخطيط التونسية، في بيان، إنّ مجموعة "تونور" البريطانية قدمت برنامج استثمار لإقامة محطة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية بقيمة 1.5 مليار دولار، في محافطتي قابس وقبلي جنوبي تونس. وجاء هذا الاعلان عقب استقبال وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد، المدير التنفيذي لشركة "تونور" البريطانية المتخصصة في مجال الطاقة المتجددة، دانيال ريتش.

وذكرت الوزارة التونسية أنّ حجم الاستثمار سيكون بمقدوره الوصول إلى قدرة إنتاجية تناهز 500 ميغاوات، وستوجّه إلى السوق الأوروبية. ووفق ما جاء في البيان، قال ريتش إنّ "الموقع الجغرافي لتونس استراتيجي، يمكن أن يجعل منها أحد أبرز المواقع في شمال أفريقيا لإنتاج وتزويد أوروبا بالكهرباء".

وستستفيد الشركة من طبيعة الطقس في تونس، الذي يتضمن أيام حرارة مرتفعة أكثر من أي دولة في أوروبا، إلى جانب توفر البنية التحتية اللازمة لتوصيل الكهرباء للقارة العجوز.

مهدي الزغلامي 

تم النشر في 20/09/2022

الأكثر قراءة