ilboursa.com

ينتاب التونسيون شعور بل قناعة بان أوضاعهم المعيشية لن تتحسن وسوف تزادا سوء في الفترة القادمة وخاصة العام القادم بسبب المنحى التصاعدي لحركة أسعار جل المنتوجات وما قد ينتظرهم من إجراءات قاسية وموجعة من الحكومة الجديدة.

ويحيل تصريح سامي الطاهري الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل الى ان الاجتماع الاخير الذي انعقد بين الحكومة والمنظمة الشغيلة وتمحور حول كتلة الأجور ومنظومة الدعم المخصص للمواد الأساسية، الى ان الحكومة تخطط الى اتخاذ إجراءات جديدة العام المقبل.

وتتذمر الطبقات الوسطى وخاصة الفئات المتوسطة الدخل في تونس من غلاء المعيشة بكونها أضحت غير قادرة على مجاراة النسق الكبير لارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والمنتوجات الفلاحية الطازجة بل انهم وبشهادة العديد منهم أصبحوا غير قادرين على اقتناء 1 كيلو غرام من اللحم الذي وصل سعره لدى القصابين بأكثر من 28 دينارا.

نسق غير محتمل

ويُقر عدد من التونسيين بان أوضاعهم المعيشية قد تردت كثيرا وانهم غير متفائلين بتحسن الأوضاع في الأشهر القادمة لافتين صراحة الى ان مستوى الأسعار لم ينخفض بل زاد بشكل غير مبرر معتبرين انه حاليا في فصل الشتاء من المفروض ان تكون اسعار المنتوجات الفلاحية الطازجة معقولة غير ان العكس هو الذي يحصل بتسجيل زيادة كبيرة في أسعار الخضر والغلال.

مسالة أخرى استغرب منها المواطنون وهي ان أسعار لحوم الدواجن المعروف بكونها ملجأ الطبقات الضعيفة والفقيرة لكون أسعارها مقبولة وفي متناول هذه الطبقات الا انه منذ عدة أشهر أصبحت أسعار اللحوم البيضاء تقارب أسعار اللحوم الحمراء علاوة على ان الطبقات المتوسطة والمقتدرة أضحت بدورها تقبل على اقتناء اللحوم البيضاء.

البنك المركزي يعبر عن مخاوفه

عبر محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي في عدة مناسبات عن مخاوفه من امكانية توجه نسبة التضخم في تونس نحو الارتفاع العام المقبل. وارجع العباسي، هذه المخاوف الى عدة أسباب منها انتعاش الطلب وكذلك توجه أسعار برميل النفط نحو الارتفاع.

وشدد العباسي، في هذا السياق، على ضرورة التكامل بين السياسات الجبائية والمالية والاقتصادية علما وان نسبة التضخم بلغت 6.3 في المئة بالمائة خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2021. وبين ان البنك المركزي التونسي عندما رفع نسبة الفائدة المديرية منذ عامين أسهم في المحافظة على نسبة التضخم لكن لابد من وضع سياسة جبائية واقتصادية تتماشي مع السياسية النقدية بما يتيح الخروج من الأزمة.

ارتفاع نسبة التضخم

تأكيدا على المنحى التصاعدي لحركة الأسعار ما انفكت نسبة التضخم عند الاستهلاك ترتفع تدريجيا في تونس منذ بداية العام الحالي لتبلغ 4.9 في المئة في جانفي ف 5 في المئة في افريل ثم 5.7 في المئة في جويلية ليتواصل النسق التصاعدي الى مستوى 6.3 في المئة في أكتوبر و6.4 في المئة نوفمبر الماضي.

ويعود ذلك الى تطور وتيرة ارتفاع أسعار مجموعة مواد وخدمات النقل من 4.9 بالمائة الى 5.4 بالمائة خلال الشهر الحالي وكذلك بالنسبة الى أسعار مواد وخدمات التعليم من 7.8 بالمائة الى 9.1 بالمائة. وتجدر الإشارة الى التراجع الطفيف في وتيرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية من7 بالمائة الى 6.9 بالمائة خلال هذا الشهر.

وباحتساب الانزلاق السنوي ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 6.9 بالمائة، ويعود ذلك وفق معهد الإحصاء بالأساس الى ارتفاع أسعار الدواجن بنسب 24 بالمائة وأسعار زيت الزيتون بنسبة 24.4 بالمائة وأسعار البيض بنسبة 16.4 بالمائة وكذلك وأسعار الغلال الطازجة بنسبة 16.1 بالمائة وأسعار الأسماك الطازجة بنسبة 8.9 بالمائة

وشهدت أسعار المواد المصنعة ارتفاع بنسبة 7.6 بالمائة باحتساب الانزلاق السنوي ويعزى ذلك بالأساس الى ارتفاع أسعار المواد الصيدلية بنسبة 7.8 بالمائة وأسعار مواد البناء بنسبة 13 بالمائة وأسعار الملابس والأحذية بنسبة 8.8 بالمائة علاوة على ارتفاع أسعار مواد صيانة المنزل ومواد التنظيف بنسبة 5.9 بالمائة

وفي ذات السياق شهدت أسعار الخدمات ارتفاعا بنسبة 4.9 بالمائة ويعزى بسبب ارتفاع أسعار خدمات المطاعم والمقاهي والنزل بنسبة 6.4 بالمائة وأسعار خدمات الصحة بنسبة 6.3 بالمائة وأسعار الإيجارات بنسبة 4.4 بالمائة.

ومن جهة اخرى افاد المعهد الوطني للإحصاء ان التضخم الضمني لشهر نوفمبر 2021 أي التضخم دون احتساب الطاقة والتغذية، سجل ارتفاعا الى مستوى 6.5 بالمائة بعد ان كان في مستوى 6.3 بالمائة خلال شهر اكتوبر2021. وشهدت أسعار المواد الحرة ارتفاعا بنسبة 6.3 بالمائة مقابل 6.8 بالمائة بالنسبة للمواد المؤطرة،.

حيرة وانشغال

ولا تلمس في تصريحات التونسيين ارتياحا وطمأنينة بل تخوف وحيرة من الأوضاع المعيشية التي تزادا ترديا بسبب الزيادات المتواصلة للأسعار في جميع المجالات مستغربين مما وصفوه بالحركة "الجنونية للأسعار" التي لم تهدا بل تتواصل بنسق متصاعد.

وعبروا في تصريحاتهم عن مصير الأوضاع المعيشية في الاشهر القادمة رابطين ذلك بتصريحات المسؤولين الحكوميين بإعداد مخطط إنعاش اقتصادي سيتضمن إجراءات عاجلة الى جانب إعداد برنامج إصلاحات ضمن خطة الحكومة الجديدة في تفاوضها مع صندوق النقد الدولي.

ولئن يجهل عموم التونسيين مضامين الخطة الإصلاحية، فان عدد من المحللين يرون ان الحكومة من اجل الحصول التمويلات الضرورية لتعبئتها لتمويل الموازنة القادمة قد ترضخ إلى شروط أو إملاءات صندوق النقد الدولي بوجوب القيام بإجراءات "موجعة" لعل في مقدمتها رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء علاوة على الضغط على كتلة الأجور ما يعني انه يقع تجميد الزيادات في الأجور ما سيضاعف من متاعب التونسيين ويغذي الشعور بالضيم والحرمان في ظل غلاء المعيشة.

ضرورة توجيه سياسة الأسعار لفائدة المستهلك

اقر لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك بوجود غلاء في الأسعار في تونس وان هذا الغلاء متواصل، لكنه شدد على انه بالإمكان الضغط على الأسعار باتخاذ إجراءات اعتبرها بسيطة وفي المتناول.

وقال "للبورصة عربي" انه على رئيس الجمهورية قيس سعيد إصدار مراسم رئاسية تضبط هوامش الربح التي تعتمدها حاليا المساحات التجارية الكبرى الامر الذي سيخفض نسبيا من الأسعار وفق اعتقاده. كما اقترح ان يقع اعتماد الوصفة الطبية العلمية بدل من الوصفة الطبية التجارية للأدوية التي تشهد ارتفاعا صاروخيا في المدة الأخيرة.

وفسر في هذا الصدد ان الوصفة الطبية العلمية تتضمن عدد من الادوية التي يكون سعرها مقبولا بينما الوصفة الطبية التجارية تعتمد على الاسم التجارية للدواء والذي يكون سعره عادة مرتفعا. ودعا لطفي الرياحي الى وجوب تغيير بعض القوانين التجارية لتكون في خدمة المستهلك لا في خدمة ما وصفه بلوبيات التجارة لفي البلاد.

وأبرز المتحدث ضرورة ان تقوم وزارة التجارة التونسية بتسقيف كل المتوجات الاستهلاكية من اجل الضغط على أسعارها لا تسقيف بعض المنتوجات على غرار البيض واللحوم الحمراء والبطاطا والتي لم يقع احترام التسعيرة الجديدة من جل التجار.

وخلص لطفي الرياحي بالتحذير من تصاعد وتيرة الأسعار ما سيؤجج الأوضاع الاجتماعية في البلاد داعيا الى تطويق الأسعار في الفترة القادمة حفاظا على ما تبقى من القدرة الاستهلاكية للتونسيين.

 تحركات نقابية من اجل الزيادة في الأجور

أمام تواصل الاحتقان في صفوف موظفي القطاع العام وعمال القطاع الخاص باهتراء مقدرتهم الشرائية وسط ارتفاع متطلبات الحياة اليومية وما رافقها من زيادة مشطة في جل المنتوجات، بدأت التحركات على المستوى النقابي بالضغط من اجل إقرار زيادات في الأجور ما ترفضه منظمة الأعراف المتعللة بصعوبة الأوضاع الاقتصادية للشركات.

وفي هذا الاطار التقى رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سمير ماجول، الجمعة 5 نوفمبر2021، بالأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، ليتناول اللقاء الوضع الاقتصادي والاجتماعي العام بالبلاد، بعد بيانات متبادلة بين الطرفين تصاعدت حدّتها مؤخرًا.

وقد تبادل الطرفان، "وجهات النظر حول عدد من الملفات المشتركة من بينها المفاوضات الاجتماعية (الزيادة في الأجور) والعمل على إنهائها في أقرب الآجال من أجل خلق مناخ اجتماعي سليم.

ويشار إلى أنّ الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية قد نشر بيان مجلس رؤساء الجامعات القطاعية الوطنية التابع له، الأربعاء 3 نوفمبر2021، والذي جاء فيه أنّ أصحاب المؤسسات والفاعلين الاقتصاديين "فوجئوا بتصعيد اجتماعي خطير من الاتحاد العام التونسي للشغل، بدأ بتنفيذ إضراب عام بولاية صفاقس والتلويح بجملة من الإضرابات بعدد من الولايات الأخرى وذلك تحت غطاء الدعوة للتفاوض والزيادة في الأجور، وبحملة شيطنة جديدة لأصحاب المؤسسات التجأ فيها أصحابها إلى الافتراء والتجييش وكيل أبشع التهم المغرضة للمستثمرين وأصحاب العمل" وفق البيان.

مهدي الزغلامي 

تم النشر في 13/12/2021

الأكثر قراءة