ilboursa.com

 

 

يوم الأربعاء 25 ديسمبر 2024 سيكون يوما فارقا في تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل، بدخول 5 أعضاء من مكتبه التنفيذي في اعتصام مفتوح احتجاجا على بقية الأعضاء الرافضين الانصياع في رغبة القاعدة النقابية الموسعة في إدخال الرجة المطلوبة في مقدمتها عقد مؤتمر وطني انتخابي في منتصف سنة 2025 بدل من اكتمال المدة في عام 2027

وأعلن كل من أنور بن قدور وصلاح الدين السالمي والطاهر المزي وعثمان الجلولي ومنعم عميرة انشقاقهم عن المكتب التنفيذي الحالي خلال اجتماع ساخن يوم السبت الفارط كاد ان ينتهي برفع شعار "ارحل" (ديقاج) في وجه الأمين العام نور الدين الطبوبي لولا تدخل العقلاء في المنظمة الشغيلة.

وبإعلان دخول خمسة أعضاء من المكتب التنفيذي (اعلى سلطة بالاتحاد) من ضمن 15 عضوا في اعتصام مفتوح احتجاجا على الأوضاع التي آلت اليها المنظمة الشغيلة الحاصلة في سنة 2015 على جائزة نوبل للسلام (مع بقية أعضاء الرباعي الراعي للحوار الوطني)، يتجه الاتحاد الى منعرج خطير قد يعصف بع ويضعفه كحاضنة شعبية هامة في البلاد والدخول في ازمة عميقة غير مسبوقة قد تحمل معها رياح التغيير.

هذا الإعلان في الدخول في اعتصام مفتوح من أعضاء فاعلين ووازنين بمقر المنظمة الشغيلة التونسية، صاحبة اكثر من نصف مليون منخرط، المحتفلة هذا العام بمرور قرن على العمل النقابي في تونس، يترجم ان الأوضاع في اتحاد الشغل صارت "متفككة" ولم تعد تحتمل السكوت عليها وانه حان الوقت للتغيير.

في الوقت الذي كان اتحاد الشغل في تونس مدافعا "شرسا" عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعموم الشغالين في البلاد وله نفوذ سياسي واقتصادي في أمهات القضايا الوطنية في البلاد، بات على شرف التهاوي وفقدان هيبته لدى الراي العام التونسي.

لفظ القيادة الحالية

يعكس الاجتماع الساخن لجل القواعد النقابية باتحاد الشغل التونسي يوم السبت 14 ديسمبر 2024 الغضب الشديد على القيادة الحالية لمنظمة حشاد ولفظها، معتبرين انها حادت عن مسارها الصحيح وكرَست الدكتاتورية النقابية وعدم الانصياع الى رغبة النقابيين في احداث الرجة المطلوبة.

وطالب جموع النقابيين الحاضرين في الاجتماع العام بضرورة تقديم المؤتمر للمنظمة الشغيلة المزمع عقده في سنة 2027 إلى منتصف سنة 2025 وإنهاء ما وصفوه بحالة الوهن والضعف إلي وصلت إليها المركزية النقابية في الفترة الأخيرة وفقدان بريقها وإشعاعها لدى التونسيين.

 كما طالبوا من القيادة الحالية للاتحاد بضرورة الإمضاء على محضر اجتماع المجلس الوطني المنعقد في سبتمبر لماضي وخاصة النقطة 12 من المحضر التي تنص على تقديم موعد عقد مؤتمر اتحاد الشغل الأمر الذي رفضه عدد من أعضاء المكتب التنفيذي.

 انقاذ الاتحاد

أجمعت كل القواعد النقابية ومنذ عدة أشهر أنه حان الوقت لإنقاذ الاتحاد والمحافظة عليه إثر الوضعية التي وصل إليها في المدة الأخيرة، مشددين على انه من الضروري ضخ دماء جديدة مع تجديد شامل وجذري لاتحاد الشغل على المستوى النقابي والإداري والمالي بحسب تصوره.

 وانتقدوا تصرف بقية أعضاء المكتب التنفيذي في الالتفاف على مخرجات المجلس الوطني المنعقد في سبتمبر 2024 ورفضهم إمضاء محضر اجتماع المجلس وعدم إصداره وعدم الانصياع إلى رغبة القاعدة النقابية في عقد مؤتمر استثنائي أو تقديم المؤتمر إلى سنة 2025 التي نصت عليها النقطة 12 من محضر اجتماع المجلس الوطني (ثاني اعلى سلطة في الاتحاد).

غياب عن القضايا الاقتصادية

المتابع للشأن العام في تونس يلاحظ بالتأكيد غياب اتحاد الشغل عن أمهات القضايا الاقتصادية والاجتماعية وأن بريقه هفت وان اداؤه صار باهتا ولم يعد بتلك القوة والشراسة التي كان عليها سابقا في افتكاك حقوق ومكاسب لعموم الشغالين في القطاعين الحكومي والخاص.

ولقد قامت الحكومة بإجراء تغييرات كبيرة على جدول الضريبة على الدخل باقتطاعات لشريحة واسعة من الاجراء ذوي الدخل المتوسط في خطوة لترسيخ العدلة الضريبية في ظل ارتفاع مستوى التضخم وزيادة لافتة في أسعار المنتوجات الغذائية.

لكن اتحاد الشغل انغمس في صراعاته الداخلية وابتعد عن القضايا الاقتصادية ليتم تمرير حزمة من الإجراءات اعتبرها المختصون قد يكون لها تداعيات كبيرة على التضخم وازدياد الأسعار.

ملف اخر يترجم ضعف المركزية النقابية هو عدم قدرتها على التفاوض مع الحكومة في الدخول في مفاوضات اجتماعية جديدة حول الزيادة في الأجور المفروض ان تكون كل ثلاث سنوات وان السلطة سحبت البساط منه، بل انها اقرت زيادات خاصة للمتقاعدين في الصائفة الفارطة واستكمالها بداية من جانفي 2025 علاوة على إقرار زيادات في الاجر الأدنى المضمون وتعديل جدول الضريبة على الدخل.

فراغ اقتصادي 

وتعليقا على ما يجري من تواتر أزمات اتحاد الشغل التونسي قال كريم الطرابلسي أستاذ اقتصاد بالجامعة التونسية والمستشار الاقتصادي لاتحاد الشغل ان حال هذه المنظمة لا يبعد كثيرا عن حال الاجسام الوسطى من بقية المنظمات الوطنية الأخرى ومكونات المجتمع المدني في البلاد

وأبرز أن اتحاد الشغل كان له دور محوري وفاعل في ابداء رايه في الملفات الاقتصادية والاجتماعية مستدلا في ذلك على الاجتماعات الثلاثية بين الحكومة واتحاد الشغل ومنظمة الأعراف في اصلاح منظومة الدعم وإصلاح المؤسسات العمومية، مؤكدا في هذا الخصوص انه تم التقدم بخطوات هامة وكبيرة في هذه الملفات.

وبين انه تم التوصل الى إقرار حزمة إجراءات وحلول في دعم الافراد بتحويلات مالية الى جانب انتقاء 7 مؤسسات عمومية واعتمادها كأنموذج في مسار إصلاحها وإعادة هيكلتها.

في غضون ذلك شدد كريم الطرابلسي على انه كان لاتحاد شغل كلمة وازنة في مشاريع قوانين المالية من خلال توفقه في عدة مناسبات في تغيير بعض الفصول علاوة على الاجتماعات المتكررة مع وزارة المالية في سلسلة من الملفات لا سيما في مجال الإصلاح الضريبي.

واعتبر من ان من عوامل ضعف المنظمة الشغيلة التونسية انه تم تمرير إجراءات جديدة في قانون المالية لسنة 2025 تنص على اقتطاعات على الاجراء والعمال في إطار اصلاح جدول الضريبة على الدخل مع اقتطاعات أخرى لإحداث الصناديق الخاصة على غرار صندوق تامين على فقدان مواطن الشغل.

ويعتقد المستشار الاقتصادي لاتحاد الشغل ان كل المشاريع والإجراءات التي كانت محل توافق ومشورة بين الحكومة والمنظمة الشغيلة نجحت بل أكثر من ذلك فان المنظمة الشغيلة أسهمت في إنجاح هذه الإجراءات. وخلص بالتأكيد على جدوى ان يسترجع اتحاد الشغل هيبته وقوته بتغيير خطابه ووسائل ضغطه وخاصة استرجاع حاضنته الشعبية التي فقدها في السنوات الأخيرة.

مخاض طبيعي

 في غضون ذلك اعترف نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في تصريح اعلامي يوم 4 ديسمبر 2024 بمناسبة إحياء الذكرى 72 لاغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد، أن المنظمة الشغيلة تشهد حاليا مخاضا معتبره أمر طبيعي في حياة الاتحاد وانه محمول عليه تغيير خطابه تجاه منظوريه

 وأكد أن اتحاد الشغل عرف عدة تحولات داخلية تعرض أثناءها إلى أزمة داخلية في فترة ما بعد الاستقلال وأزمة أخرى داخلية سنة 1965 كانت لها تداعيات كبيرة وفق اعتقاده. وأضاف انه بعد 13 عاما تعرضت المركزية النقابية إلى أزمة أخرى وأزمة رابعة في سنة 1989

وأقر المسؤول الأول عن المركزية النقابية، بأنه من الضروري القيام بمراجعات والعمل على تغيير خطاب اتحاد الشغل تجاه منظوريه الذين تغيروا بشكل كبير وصارت لهم متطلبات مغايرة لجيل الستينات والسبعينات والتسعينات وفق رأيه. وخلص بالقول" الاتحاد ليس له عقدة وانه يجب عليه أن يعترف بأنه أصاب في جوانب وأخطأ في جوانب أخرى ".

مهدي الزغلامي

 

تم النشر في 20/12/2024

الأكثر قراءة