ilboursa.com

أنهى وفد صندوق النقد الدولي زيارة رسمية إلى تونس استغرقت يومين من 24 إلى 26 مارس 2022 التقى خلالها الوفد بالأساس ممثلين عن الحكومة التونسية وممثلي منظمة الأعراف والاتحاد لعام التونسي للشغل في مواصلة للمحادثات التي انطلقت أواخر شهر فيفري الماضي عن بعد.

ورشح من خلال هذه الزيارة وفق ما تحصلت عليه "البورصة عربي" من معلومات أن الآفاق بين تونس وصندوق النقد الدولي غامضة ومظلمة وانه من الصعب بلوغ اتفاق بين الطرفين من اجل الحصول على قرض جديد. وبحسب مصادر متطابقة من الأطراف التونسية المشاركة في اللقاءات فان الحكومة ووفد صندوق النقد الدولي يرغبان في الضغط على الاتحاد العام التونسي للشغل من أجل الموافقة على حزمة الإصلاحات مبررين ذلك بضيق الوقت والضغط المفروض على الموازنة.

وعلم "البورصة عربي" من هذه المصادر أن الاتحاد العام التونسي للشغل يرفض تمرير الإصلاحات بقوة من دون الأخذ بعين الاعتبار الجوانب السياسية التي تمر بها البلاد وخاصة الجوانب الاجتماعية في علاقة برفع الدعم ومزيد تضعيف القدرة الشرائية للتونسيين.

واعتبرت المصادر ذاتها أن الاتحاد حمَل المسؤولية للحكومة وانه لا يمكن لي ذراعه ووضعه في الزاوية مؤكدا على ان هناك حلول أخرى عقلانية في علاقة بإصلاح الدعم والتحكم في كتلة الأجور وإعادة هيكلة الشركات العمومية وإصلاحها. واعتبرت من جانب آخر أن وفد صندوق النقد الدولي لا يفهم الواقع التونسي مشيرة إلى إن الأفاق بين الطرفين مظلمة ومن الصعب جدا التوصل إلى اتفاق.

وخلصت ذات المصادر إلى وجوب أن تصارح حكومة نجلاء بودن الشعب التونسي بحقيقة الأوضاع الاقتصادية والمالية للبلاد وعدم مواصلة صمتها وان اتحاد الشغل لن يوافق على اتفاق بين الحكومة وصندوق النقد الدولي من شانه أن يثقل كاهل التونسيين.

وتأمل تونس التي تمر بضائقة مالية خانقة أن تحصل على اتفاق مع صندوق النقد الدولي من اجل الحصول على قرض مالي بقيمة  12 مليار دينار (4 مليار دولار) وبخاصة الحصول على الضوء الأخضر من الصندوق للحصول على تمويلات من طرف بقية المؤسسات المالية الدولية.

وتعثرت المفاوضات مع الحكومات السابقة إلى درجة أن صندوق النقد الدولي أوقف إكمال منح تونس بقية مستحقات القرض المتحصل عليه في سنة 2016  البالغ حوالي 1.7 مليار دولار بسبب عدم انجاز الحكومات السابقة الإصلاحات الاقتصادية التي التزمت بها.

وتلاقي الإصلاحات الاقتصادية التي تعتزم حكومة نجلاء بودن عرضها على صندوق النقد الدولي معارضة شديدة من طرف الاتحاد العام التونسي للشغل الذي أعلن صراحة موقفه من هذه الإصلاحات وخاصة عدم تجميد الأجور وعدم التفويت في المؤسسات العمومية التي لا يزال يعتبرها خطا احمر.

تحفظات كبيرة

وكان أنور بن قدور الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل المكلف بالدراسات أكد أنّ اللقاء الذي جمع ممثلين عن الاتحاد وصندوق النقد لدولي كان مناسبة أبرز الاتحاد تحفظاته على البرنامج الحكومي المقدم للصندوق وخاصة في علاقة برفع الدعم وتجميد الانتدابات والأجور.

وفسّر بن قدور أن أبرز مؤاخذات الاتحاد على مقترح الحكومة المقدم لصندوق النقد الدولي هو أنه لا يمثّل برنامجا اقتصاديا بل هو مجرد حزمة من الإجراءات التقنية المحاسبتية التي لا تهدف إلى إصلاح الوضع الاقتصادي ولا تتضمن أي رؤية.

وأشار إلى أنّ الحكومة لا تمتلك نظرة اقتصادية وهو ما يفسر العجز عن مواجهة الغلاء والتضخم والبطالة. وأكّد أن الاتحاد متمسك بإصلاح الشركات الحكومية حالة بحالة غير أن الحكومة لم تقدم إلى الان أي تصور للإصلاح. وكشف أن المنظمة الشغيلة ومن خلال خبرائها أعدت برنامج إصلاحات للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس وترغب في أن يكون الإصلاح تونسي تونسي لا أن تتدخل فيه أطراف خارجية في تلميح إلى صندوق النقد الدولي.

الوصول إلى اتفاق لن يحل مشكلة تونس

يعتقد العديد من الخبراء في تونس ان صندوق النقد الدولي ما انفك يؤكد في بياناته بشأن ملف تونس وجوب حصول توافق وطني واسع على مجمل الإصلاحات ومن ضمن الأطراف هي الاتحاد العام التونسي للشغل.

واعتبروا ان زيارة الوفد إلى تونس من 24 الى 26 مارس 2022 لن تكون حاسمة ومحددة لبلوغ اتفاق بين الطرفين بل لا تعدو ان تكون مجرد مواصلة للمحادثات التي انطلقت رسميا في نهاية شهر فيفري من هذه السنة ولم يتم الدخول بعد في المفاوضات بشأن الإصلاحات". وأكدوا انه حتى في حال وصول الى اتفاق فان المبلغ المراد تعبئته في حدود 12 مليار دينار أي 4 مليار دولار لن يفي بالغرض ولن يحل مشكلة تونس المالية.

وبينوا ان احتياجات تونس من القروض المرسمة بقانون الموازنة يبلغ  حوالي 20 مليار دينار منها 12.6 مليار دينار قروض خارجية، ولكن إثر التطورات الحاصلة باندلاع الحرب الدائرة رحاها الان بين روسيا وأوكرانيا وما نجم عنه من ارتفاع كبير في أسعار النفط فان الاحتياجات الجديدة ستقدر بنحو 27 مليار دينار منها 20 مليار دينار قروض من السوق العالمية.

ونبهوا انه في حال حصول الموافقة وإعطاء الصندوق الضوء الأخضر لبقية المانحين فان تونس ستحصل على قروض خارجية بنسبة فائدة مرتفعة جدا قد تصل الى 12 في المئة بسبب تدني تصنيف تونس السيادي من طرف وكالتي فيتس وموديز اللذين خفضا تصنيف الى مستوى "س" كبلد مرتفع المخاطر المالية.

اتحاد الشغل حلقة محورية

ومن جانبه  أوضح رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية إنّ تونس لم تصل إلى طور المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بل هي محادثات، والمفاوضات لن تكون موجودة إلا في صورة توفر برنامج يحظى بتوافق جميع الأطراف.

وأضاف أنّ آخر لقاء جمع الحكومة بصندوق النقد الدولي تمّ خلاله الاتفاق على توسيع دائرة التشاور بين الحكومة وبين بقية الأطراف من منظمات وطنية، خاصة وأنّ الوثيقة الأولى التي قدّمتها الحكومة لم تشهد اتفاق جميع الأطراف.

واعتقد جازما أنّ البنك المركزي التونسي يعيش ضغوطات كبيرة وتخاف من الحل الأسوأ والذي يتمثّل في عدم التوّصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وبهذا فإنّ البنك المركزي له حلّان إما قبول تمويل ميزانية الدولة مباشرة وهذا ما سيكون له تداعيات تضخّمية كبيرة وإما رفض التمويل.

وأفاد بأنّ الاتحاد العام التونسي للشغل أضحى يمثل حلقة محورية في محادثات الحكومة التونسية مع صندوق النقد الدولي مشددا على أن الاتفاق المراد بلوغه يمر حتما عبر رضاء المنظمة الشغيلة القوية بالإصلاحات الاقتصادية المزمع تطبيقها.

وخلص رضا الشكندالي إلى أن الاتحاد العام التونسي للشغل يملك برنامج إصلاح جاهز خاصة فيما يتعلق بالمؤسسات العمومية، ومن الأفضل للحكومة أن تسير في برنامج الاتحاد نظرا لغياب الرؤية لديها، داعيا إلى ضرورة تكوين فريق قوي للتفاوض مع صندوق النقد الدولي.

مهدي الزغلامي

تم النشر في 28/03/2022

الأكثر قراءة