منذ شهر مارس المنقضي عرف قطاع الحديد أزمة هيكلية شهدت حدتها منذ ما يزيد عن الشهر بعد أن عرفت هذه المادة انقطاعا تاما وغيابا في السوق وذلك بسبب ايقاف مصانع الحديد لإنتاجها بدعوى ارتفاع سعر المواد الأولية لصناعتها على المستوى العالمي.
وخلفت هذه الوضعية استياء في صفوف المقاولين الذين شرعوا في بناء عديد العمارات والشقق وكذلك خيبة امل لدى المواطن الذي احتار في امره من اتصاعد الجنوني الذي شملت أسعار كل المواد والمنتوجات.
وتشكو السوق التونسية في الآونة الأخيرة من نقص حاد في قضبان الحديد المعدة للبناء بالتوازي مع تصاعد سعرها بشكل يعتبره التونسيون غير مبرر. فالمواطن العادي الذي خطط للقيام او شرع في انجاز حضيرة بناء في منزله او بناء طابق علوي وجد نفسه في حيرة من تنامي لا فقط الأسعار بل نفادها من السوق ما اضطره الى اقتناء قضبان الحديد بأسعار مشطة ما ضاعف من متاعبه وارتقاع تكاليف البناء في وقت وجيز.
وأكد رئيس غرفة مصنعي الحديد، الهادي بن عياد، بأن المصنعين ليسوا على استعداد لبيع مادة الحديد بسعر لا يغطي كلفة الشراء معتبرا أن ذلك سيؤدي إلى إفلاسهم خاصة وأن الأسعار تحددها وزارتي التجارة والصناعة.
توقف مصانع الحديد.. عمل اجرامي
في المقابل يعتبر رئيس الغرفة النقابية الوطنية لمقاولي البناء والأشغال العمومية مهدي الفخفاخ أن توقيف المصانع الكبرى لإنتاج الحديد هو عمل اجرامي يضرب كل قطاع البناء والمقاولات ويؤثر حتى على المواطن البسيط ذلك ان الحديد يعتبر المادة الأساسية في هذا القطاع الحيوي.
ويوفر قطاع البناء حوالي 500 ألف موطن شغل بين مقاولين وأصحاب مهن مرتبطة بقطاع البناء فيما تشغل مصانع الحديد حوالي 3 ألاف عامل وقد شهدت هذه الأزمة مشاحنات وتبادل للاتهامات بين الغرفة الوطنية لمقاولي البناء والاشغال العامة وغرفة مصنعي الحديد رغم أن الغرفتين تنتميان للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية.
ويضيف الفخفاخ في تصريح لـ"البورصة عربي" أن انقطاع الحديد تسبب في انتعاش السوق السوداء حيث تجاوز سعر الحديد الـ 3000 دينار للطن الواحد فيما يصل سعر القضيب الحديدي قطر 12 ملمتر إلى 32 دينار في وقت تم تسعيره بـ27 دينار.
أزمة الحديد تؤثر على صغار المقاولين
من جهته اعتبر رئيس الجامعة الوطنية لأشغال البناء والمقاولات التابعة للإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، جمال الكسيبي، في تصريح لـ"البورصة عربي" إلى أن ايقاف انتاج الحديد كان له تأثير سلبي مباشر على المقاولين والعمال مما تسبب في تزايد البطالة في هذا القطاع الحيوي مضيفا أن ارتفاع الحديد بنسبة 26 بالمائة ترافقت مع زيادة في أغلب مواد البناء وخاصة الخشب الذي ارتفع بـ160 بالمائة خلال 6 أشهر فقط ومادة PVC التي ارتفعت بدورها بأكثر من 70 بالمائة خلال هذه السنة.
واضاف ان انقطاع مادة الحديد فضلا عن ارتفاع مواد البناء سيكون له انعكاس مباشر على المواطن خاصة مع ارتفاع اسعار المنتوج النهائي للمقاول وهو المنازل والوحدات السكنية وتضرر عديد المقاولين وخاصة منهم المقاولين الصغار بسبب عدم تعويض خسائرهم الناتجة عن فقدان مادة الحديد وتعطل مشاريعهم وارتفاع نسب البطالة والتأثيرات على الدورة الاقتصادية عموما.
تحرير الأسعار هو الحل
ويعتبر جمال الكسيبي ان الحل الوحيد هو تحرير أسعار الحديد وتدخل وزارة التجارة ومجلس المنافسة لضمان وجود منافسة حقيقية في هذا المجال وتحرير المبادرة وتفعيل القوانين المتعلقة بمنع الاحتكار وفرض أسعار غير تنافسية وذلك لتجنب كل مظاهر الاحتكار والمضاربة.
ولا يختلف رئيس الغرفة النقابية الوطنية لمقاولي البناء والأشغال العمومية مهدي الفخفاخ مع هذا الطرح حيث يدعو بدوره إلى ضرورة تحرير الأسعار وضمان التنافس الشريف بين كل المتدخلين مستدركا أن الاقتصاد التونسي يعتبر اقتصادا ريعيا تتحكم في كل قطاعاته بعض العائلات المعروفة ومنها قطاع الحديد الذي أصبح قبلة لـ"السماسرة" الذين يحصلون على عمولات من المقاولين الأجانب خاصة في المشاريع والبناءات العامة وهو ما سيقضي على المقاولين التونسيين حسب رأيه.
زيادة في مناسبتين هذا العام
كشف مصدر مسؤول من وزارة التجارة التونسية ان المصانع الخواص ترغب في الترفيع في أسعار مادة الحديد بزيادة تتراوح بين 10 و12 بالمائة معتبرا ان هذه الزيادة وهي زيادة قد ترضيهم وتخفف من خسائرهم المتراكمة جراء ازمة ارتفاع المواد الأولية لأسعار الحديد في الأسواق العالمية بشكل تصاعدي في السنتين الأخيرتين.
واعترف في تصريح للبورصة عربي" بالصعود الصاروخي لأسعار "العروق" الفولاذية ما اثر على توازن السوق المحلية التونسية التي تشهد في الأسابيع الاخيرة ازمة حقيقية في توفر هذه المادة الضرورية لتشييد المناول والبناءات ما جعل أسعارها تقفز الى مستويات عالية وتباع خاصة في السوق السوداء.
واقر بازدهار السوق السوداء وتنامي عمليات المضاربة علاوة على التلاعب في فواتير البيع من طرف بعض التجار من خلال عدم اعتماد السعر الحقيقي في الفواتير وبيع الحديد بأثمان ارفع ومغايرة عما هو مدون في الفواتير.
وأبرز ذات المصدر انه في كل مرة ترتفع فيها الأسعار العالمية لمادة الحديد يطلب المهنيون وأصحاب المصانع من وزارة التجارة الجلوس الى طاولة المفاوضات من اجل إقرار الزيادة في السوق المحلية.
وأفاد في هذا الإطار انه خلال الفترة المتراوحة بين 2017 و2020 شهدت أسعار حديد البناء في تونس زيادة في 6 مناسبات منها أربع زيادات في 2017 فقط. كما كشف انه تم الترفيع في سعر هذه المادة في مطلع جانفي من هذا العام بنسبة 15 بالمائة تلتها زيادة أخرى في مارس بنسبة 10 بالمائة.
وأردف المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن هويته ان أسعار مادة الحديد ارتفعت من 603 دولار للطن الواحد في مارس 2021 الى 725 دولارا في شعر ماي من هذه السنة أي بزيادة قدرها 15 في المئة.
واعتبر ان هذه الزيادة المتواترة من شانها ان تؤثر على كلفة الإنتاج في السوق المحلية ما يدفع أصحاب المصانع الستة في تونس الى المطالبة باستمرار تعديل الأسعار على المستوى السوق الداخلية.
ويضيف المتحدث بان المصانع لا ترغب البيع بالخسارة وأنها تنتظر نتائج التفاوض مع وزارة التجارة بشأن طلب الزيادة الامر الذي فسر اختفاء جل الكميات من السوق علاوة على ان القانون التجاري التونسي يحجر البيع بالخسارة لأنه يكرس مبدا الإغراق وفق المسؤول بوزارة التجارة.
الوزارة متمسكة بموقفها
امام تواصل ازمة فقدان حديد البناء في السوق التونسية والجدل الحاصل بشأنه انعقدت يوم أمس الجمعة جلسة عمل بمقر وزارة التجارة وتنمية الصادرات جمعت مسؤولي الوزارة وأصحاب المصانع والمهنيين افضت الى أنّ تسعيرة مادّة حديد البناء لن تشهد أيّ تغيير خلال الفترة الحاليّة ولن يتمّ التّرفيع في أسعار البيع للعموم.
ودعت الوزارة كافّة الوحدات الصّناعيّة المنتِجة لهذه المادّة الحسّاسة وتجّار الجملة والتّفصيل إلى الالتزام بالإنتاج والتّوزيع بالنّسق الذي يضمن تزويد السّوق بصفة منتظمة وتذكّر بأنّها ستتصدّى لجميع عمليّات المضاربة والاحتكار.
كما ستتولّى متابعة تطوّر الأسعار العالميّة لمدخلات الإنتاج الخاصّة بهذه المادّة لاتّخاذ ما يتعيّن من إجراءات للتأقلم مع المستجدّات والشّروع في الإصلاحات المستوجَبة التي من شأنها التّرفيع في مستوى الاعتماد على الإنتاج الوطني من العروق الفولاذيّة بما يخفّف من وطأة تغيّرات الأسعار العالميّة على السّوق الوطنيّة.
تقرير من إعداد حسام الطريقي و مهدي الزغلامي
تم النشر في 23/08/2021