version française ilboursa

هل يقبل التونسي بإقتناء منتوج بلاده في ظل الازمة الاقتصادية الخانقة ؟

المتجول في كامل ارجاء الفضاءات التجارية الكبرى المنتشرة في جل المدن التونسية وكذلك مختلف المحلات وخاصة محلات بيع الملابس والاحذية يلاحظ بالتأكيد عرض عشرات الأنواع والاصناف من السلع والبضائع الأجنبية التي اكتسحت المشهد التجاري التونسي.

وعلى امتداد السنوات الأخيرة "غزت" المنتوجات الأجنبية خاصة منها التركية والصينية تونس بإغراق البلاد بالعديد من المنتوجات الاستهلاكية التي لها مثيل في البلاد ويقع عرضها بأسعار لا تقبل المنافسة من المنتوج التونسي ما يجعل المواطن البسيط المحتاج يقبل على هذه السلع في غالب الأحيان ذات الجودة المتدنية لكن أسعارها لا تقبل المقاومة.

ولئن يفضل العديد من التونسيين ولا سيما من فئة الشباب الاقبال على اقتناء المنتوجات الموردة مسايرة الموضة في مجال الملابس فانهم يجهلون بان هذه المسالة لها تداعيات سلبية على المنتوج التونسي وانه بالإمكان اضمحلال العديد من الوحدات الصناعية أي تزايد نسبة البطالة في البلاد التي تبلغ حاليا 17.9 بالمائة.

وتتالت مؤخرا الدعوات من طرف عدّة محللين ومختصين ومنظمات اقتصادية إلى الإقبال على استهلاك البضائع التونسية تحت مسمى "صنع في تونس" ، كحلّ للحد من العجز التجاري والتوريد وبالتالي الدفاع عن الدينار الذي يشهد انهيارا متواصلا منذ سنوات.

ووفق هؤلاء المحللين فان تونس بإمكانها التقليص بما قيمته 7 مليار دينار من عجز الميزان التجاري بوقف توريد منتوجات ومواد أكدوا انها غير ضرورية ويمكن الاستغناء عنها او لها مثيل يتم تصنيعه في تونس.

مطالبة بمراجعة الاتفاقيات التجارية

تشكو تونس من تفاقم غير مسبوق للعجز التجاري بسبب تراجع الصادرات وتوسع واردات المواد الأولية، ما يسبب ضغطاً متواصلاً على رصيد البنك المركزي من العملة الصعبة، ويهدد الدينار بالانزلاق أمام اليورو والدولار، في ظل أزمة اقتصادية ومالية تتخبط فيها البلاد.

ووفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء، بلغ عجز تونس التجاري مع تركيا 900 مليون دولار في 2021، وهو ثالث أكبر عجز لتونس بعد الصين وإيطاليا.

وارتفع العجز التجاري لتونس، خلال الاشهر التسعة الاولى من سنة 2021، الى 11.9 مليار دينار مقابل 10.1 مليار دينار، أي بزيادة ب 1800 مليون دينار خلال نفس الفترة من السنة الماضية.

ويطالب مهتمون بالشأن الاقتصادي بمراجعة الاتفاقيات التجارية التي تتسبب في توسع العجز التجاري أو فرض رسوم جمركية على سلعها، من أجل تحسين الشراكة التجارية بين البلدان التي لها تعامل تجاري واسع وغير متكافئ مع تونس، ومن أهمها تركيا والصين.

وفي هذا الصدد أفادت سعيدة حشيشية المديرة العامة للتعاون التجاري والاقتصادي في وزارة التجارة في تصريحات اعلامية، ان تونس بدأت منذ سنة 2018 في فرض رسوم جمركية على نحو 90 بالمائة من المنتجات التركية، في إطار ما تسمح به الاتفاقيات التجارية المبرمة بين البلدين.

واوضحت أنّ تونس تُجري مباحثات مع شركائها للنظر في مراجعة اتفاقيات تجارية وفقاً للسياسات العامة للدولة، لبحث سبل تخفيض العجز التجاري.

التشجيع على الاقبال على المنتوج التونسي

ومن جانبه اقر مراد بن حسين المدير العام للمعهد الوطني للاستهلاك بان هناك تباين بين التونسيين في الاقبال على المنتوج المحلي ملاحظا ان جل التونسيين يقبلون على المنتوجات الغذائية المصنوعة في البلاد من منطلق الوعي بالمسائل الصحية مقتنعين بان المنتوجات الغذائية المصنعة محليا تحمل نوعا من الامن الصحي والمراقبة الصحية الصارمة عكس بعض المنتوجات الغذائية الموردة وما يرافقها من لغط حول مصدرها واحترام المعايير الصحية.

وبالمقابل اعتبر ان عددا هاما من التونسيين يحبذون صراحة اقتناء الملابس الأجنبية نظرا لأنها تمثل العلامات التجارية العالمية الذائعة الصيت وخاصة ان أسعارها لا تختلف كثيرا عن الملابس المصنوعة محليا.

وعن دور المعهد في تغذية الحس الوطني بوجوب تشجيع التونسيين على استهلاك منتوجات بلدهم قال مراد بن حسين ان المعهد أمضى يوم 6 افريل 2021 اتفاقية شراكة مع المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك تتضمن العديد من الأنشطة من ضمنها تنظيم حملات وطنية للتشجيع على استهلاك المنتوج التونسي لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها تونس والتي يتعين على المواطن ان يتشبع بالوطنية الاقتصادية وتشجيع منتوج بلاده.

تواضع الاقبال على المنتوج المحلي

وأبرزت نتائج اخر بحث ميداني انجزه لـلمعهد الوطني للاستهلاك حول المنتوج التونسي والمتوجات المقلدة، أن 29.5 في المئة فقط من التونسيين يفضلون المنتوج التونسي على المنتوج الأجنبي.

وبمقارنة مع المجتمع الفرنسي، فان 76 في المئة من الفرنسيين يفضلون المنتوج المحلّي على المنتوج المورّد وأن 8 في المئة فقط من التونسيين يعرفون الترقيم الخاص بالمنتوج الوطني (الترقيم بالأعمدة) وفق ذات البحث

وبالنسبة للأفضليّة للمنتوج التونسي على المنتوج الأجنبي (29.5 بالمائة)، فإنّه هذا النزوع يوجد بنسبة 43 في المئة لدى لفئة العمرية 60 سنة وأكثر، وبنسبة 18.7 بالمائة لدى الفئة العمرية 20-29 عاما.

أمّا بالنسبة للفئة التي تختار المنتوج الأجنبي، عوضا عن المنتوج الوطني، فإنّ ذلك يعود لاقتناعهم بأن المنتوج الأجنبي أفضل بنسبة 31.8 بالمائة، ولعدم ثقتهم في جودة وسلامة المنتوج التونسي بنسبة 27.9 بالمائة.

دعوة الى تضامن اقتصادي حقيقي

من جانبه شدد محسن بن ساسي رئيس الجامعة الوطنية النقابية المهنية لتجار الاقمشة والملابس الجاهزة بمنظمة الأعراف على ان التشجيع على استهلاك المنتوج التونسي يمثل في الظرف الراهن ضرورة وليس خيارا وهو مرتبط بدرجة وعي التونسي اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى وانه مطالب بالتضامن الاقتصادي الحقيقي بالإقبال على شراء منتوج بلاده.

ولفت الى ان العديد من الدول التي خرجت من تداعيات الحروب والأزمات الاقتصادية بتكاتف شعوبها وتضامنها فيما بينها واقتصرت على اقتناء منتوج بلادها من اجل ان تنهض صناعتها وتزدهر أكثر مستدلا على ذلك بألمانيا واليابان إثر الحرب العالمية الثانية.

واكد ان الوضع الاقتصادي للبلاد على غاية من الدقة والحساسية ويتطلّب مضاعفة الجهود من أجل إنقاذه والذي قد يكون عبر الترفيع من نسق استهلاك المنتوج المحلي ومن بين الحلول العملية والهامة لتنشيط الحركة التجارية وإحداث حلقة اقتصادية متكاملة العناصر.

مهدي الزغلامي

تم النشر في 14/10/2021