version française ilboursa

هل صارت الحكومة في ورطة بسبب ملف رفع الدعم ؟

مع تقدم الأشهر في تنفيذ موازنة تونس، ستجد حكومة نجلاء بودن نفسها في ورطة كبيرة بين تجسيم مخططاتها والتزاماتها مع صندوق النقد الدولي في رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء وبعض أنواع من المواد الأساسية، وبين رفض رئيس الدولة قيس سعيد الشديد لأية قرارات من شأنها أن تؤدي إلى تفقير الشعب التونسي.

وضعية جعلت الحكومة في مأزق مالي، ولم تستطع بعد أكثر من أربعة أشهر من تنفيذ موازنة 2023 وما تضمنته من تعهدات وإجراءات بخصوص الشروع في رفع الدعم وما رافق من تصريحات لعدد من أعضاء الحكومة من المضي في اصلاح منظومة الدعم في تونس إلى حين بلوغ حقيقة الأسعار لا سيما في المواد البترولية.

التقليص من الدعم

أظهرت تقرير ميزانية تونس أن دعم المحروقات سيتراجع في 2023 بنسبة 25.7 في المئة ليصبح 5669 مليون دينار مقابل 7628 مليون دينار عام 2022. وسيؤدي تراجع دعم المواد الأساسية والمحروقات إلى إقرار زيادات في أسعار عدد من المواد الأساسية المُدعَمة ومواصلة اعتماد ارتفاعات دورية في أسعار المحروقات بتفعيل التعديل الآلي للمواد البترولية.

في تلك الأثناء كشف الميزان الاقتصادي للعام المقبل أنه ستتم مراجعة وتعديل منظومة دعم المواد الأساسية عبر توجيه الدعم إلى مستحقيه، خصوصاً من العائلات ضعيفة ومتوسطة الدخل مع تعزيز القدرة الشرائية لهذه الفئات.

كما سيتم اعتماد التدريج لتعديل الأسعار على مدى الأعوام الأربعة المقبلة انطلاقاً من 2023 وإرساء منصة رقمية مفتوحة للتسجيل الاختياري لكل المواطنين. في هذا السياق ستتكثف جهود إصلاح منظومة دعم المحروقات بالتوازي مع التسريع في انتقال الطاقة من خلال التوجه التدريجي نحو حقيقة أسعار المحروقات وتحرير توريد المواد البترولية حال بلوغ حقيقة.

وكان من المفروض ان تشرع الحكومة في تعديل أسعار المواد البترولية بتفعيل كبير لآلية التعديل الالي لأسعار ثلاثة أنواع من البنزين مع تحريك أسعار الغاز والكهرباء لكي تقلص من فاتورة دعم المحروقات في هذا المجل بنحو 650 مليون دينار.

الرئيس يرفض

في غضون ذلك فاجأ الرئيس قيس سعيَد الحكومة بأنه يرفض أية قرارات موجعة للشعب التونسي بتأكيد مواقفه من عدم اتخاذ قرارات او إجراءات تؤدي الى تفقير الشعب التونسي.

مسألة أربكت الحسابات المالية للحكومة وبعثرت توازناتها التي بُنيت عليها الموازنة عند اعداد الموازنة وفق فرضيات محددة من ضمنها رفع الدعم والتقليص من فاتورة دعم الطاقة التي اثقلت كاهل الموازنة جراء الارتفاع المتواصل لأسعار النفط.

فقد رفض الرئيس التونسي قيس سعيد، مسألة رفع الدعم الواردة باتفاق صندوق النقد الدولي، في وقت تواجه فيه تونس ضغوطا للتوصل إلى اتفاق نهائي لحل الأزمة المالية والاقتصادية.

وقال الرئيس سعيد، للصحفيين خلال إحيائه في مدينة المنستير لذكرى وفاة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في السادس من افريل 2023:"بالنسبة لصندوق النقد الدولي، الإملاءات التي تأتي من الخارج وتؤدي إلى مزيد التفقير هي مرفوضة".

ويعارض الرئيس بشكل خاص النقطة المتعلقة بخفض الدعم وبدل ذلك يقترح توجيهه إلى مستحقيه أو فرض أداءات على المصنعين المستهلكين للمواد المدعمة.

وتابع سعيد: "السلم الأهلي ليست باللعبة أو الأمر الهين"، مذكرا بأحداث "ثورة الخبز" التي اندلعت في عام 1984 بتونس لدى قرار الحكومة آنذاك رفع الدعم عن منتجات الحبوب ما أدى إلى صدامات في الشوارع وسقوط قتلى.

وبسبب تصريحات وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة القنجي نويرة مؤخرا حول قرب الانتهاء من اصلاح منظومة دعم المحروقات، فقد اقالها رئيس الدولة من منصبها في تأكيد متجدد على رفضه القطعي لملف رفع الدعم.

مخططات الحكومة

تخطط الحكومة، في إطار إصلاح منظومة دعم المحروقات، لإلغاء الدعم عن ثلاثة أصناف من المحروقات مع اواخر 2023 لتبلغ أسعارها الحقيقية على ان يطبق التعديل الآلي للأسعار خلال الأشهر المقبلة.

ويشكل تعديل أسعار المحروقات وهي البنزين العادي والغازوال والبنزين الخالي من الرصاص، من اهم توصيات صندوق النقد الدولي الذي تتفاوض تونس معه حول خطة إصلاحية متوسطة الأمد.

ويتوقع بلوغ حقيقة الأسعار في أفق سنة 2023، وفق تقرير إطار الميزانية متوسط المدى نشرته وزارة المالية. وبالتالي من المحتمل ان يتراوح سعر اللتر الواحد من البنزين الرفيع الخالي من الرصاص بين حوالي 4.1 و4.3 دينار للتر والغازوال دون كبريت ما بين 2.7 و2.9 دينار.

الخط الأحمر لاتحاد الشغل

أكد نور الدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، أن فشل جلسات تفاوض أعضاء الحكومة مع مسؤولي صندوق النقد الدولي بتونس وبواشنطن يختزل مظاهر الأزمة العميقة التي تعيشها تونس والأخطاء الجسيمة التي ترتكبها السلطة القائمة في معالجة مختلف مظاهرها وفشلها في إيجاد الحلول لها.

وأبرز نور الدين الطبوبي خلال التجمع العمالي بالعاصمة تونس بمناسبة الاحتفال بعيد الشغل العالمي، ان السلطة القائمة أعدت الملفّ التفاوضي مع صندوق النقد الدولي في تعتيم تامّ وقدّمت التعهّدات الحكومية دون تشاور أو إشراك للأطراف الاجتماعية والقوى الوطنية الأخرى.

وأضاف أن الاتحاد يجهل إلى اليوم ما تفاوضت الحكومة حوله مع الصندوق، وما زال الكتمان والتعتيم يلفّان الوثيقة الأوليّة الموقّعة بين الطرفين وما زال الشعب يجهل طبيعة الوعود والالتزامات التي قٌدّمت إلى صندوق النقد والتي سيكون لها تأثير كبير على حياته ومستقبله. وحذّر الطبوبي مما وصفه بالانعكاسات الخطيرة للتعهدات المقدمة من الحكومة لصندوق النقد، على أوضاع العمال والطبقات الشعبية وعلى مستقبل الأجيال القادمة.

إرجاء تعديل الاسعار

وكان لرضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية راي مخالف في المسالة موضحا ان الظرف الطاقي الحالي يعد ملائما لتونس لعدم الشروع في رفع الدعم عن المحروقات خاصة في ظل ارتفاع نسب التضخم بشكل مخيف.

ويعتقد ان معدلات أسعار برميل النفط في الفترة الأخيرة تراوحت بين 74 و75 دولارا لبرميل البرنت مقابل فرضيات موازنة تونس ب 89 دولارا للبرميل، مشيرا الى ان كل انخفاض بدولار واحد في السعر يُربح الموازنة حوالي 2100 مليون دينار على امتداد كامل العام.

كما أن عدم الرفع من أسعار المواد الأساسية سيُربح الموازنة أيضا 2100 مليون دينار مؤكدا ان عدم رفع الدعم عن المحروقات والمواد الأساسية يعادل نفس المبلغ تقريبا الذي تطلبه تونس من صندوق النقد الدولي في حدود 1.9 مليار دولار.

واقترح بان تطلب الحكومة التونسية ارجاء رفع الدعم الى العام المقبل من منطلق ان الظرف الطاقي لم يؤثر على توازنات الموازنة من وجهة نظره، مشترطا في الان نفسه ان يعرف الفريق الحكومي كيف يفاوض مسؤولين النقد الدولي في هذه المسالة.

مهدي الزغلامي 

تم النشر في 08/05/2023