version française ilboursa

هل سقط مشروع تنمية الصحراء التونسية في الماء؟

لطالما أرجعت الصحراء التونسية وكل صحاري العالم إلى الأذهان مفاهيم الجفاف وكونها قاحلة ويصعب أو يكاد يكون مستحيلا الاستيطان بها لندرة الماء ما يجعلها ارض غير معطاء.

ولكن الحكومة التونسية وبداية من 2018 شرعت في التخطيط لحسن استغلال صحراءها من النواحي الفلاحية والسياحية والطاقية في مشروع تعول عليه تونس لان يكون من ضمن الحلول التي اهتدت اليها لكسب معركة التنمية المستديمة من جهة وخاصة كسب رهان التشغيل والتنمية الجهوية من جهة أخرى. خاصة تغيير المنوال التنموي للولايات الصحراوية المركز أساسا على النفط.

وتمثل الصحراء التونسية حوالي 40 بالمائة من مساحة الجمهورية التونسية (حوالي 140 ألف كلم مربع) وتمتد  أساسا على ثلاث ولايات  تطاوين وقبلي وتوزر.

وللعديد من العقود تركز الاهتمام الاقتصادي في الصحراء التونسية على قطاع واحد وهو النفط في مجمل حلقاته من تنقيب واستكشاف واستغلال الآبار وأشهرها حقل البرمة والذي وفق الدراسات العلمية لن يعمر طويلا إذ اقتصرت العمليات على تطوير الآبار الموجودة.

ولئن مثل النفط، على الرغم من تواضع إنتاجه،نعمة للعديد من السنين في تونس بتامين حاجيات البلاد من الذهب الأسود وتحقيق التوازن الطاقي إلى حدود سنة 2000 غير انه تحول في السنوات الأخيرة إلى "نقمة" لا سيما بعد سنة 2011  وأضحى محل صراع سياسي حول ثروات تونس النفطية.

وتفاقمت وتيرة الصراع حول القطاع النفطي لتبلغ ذروتها في 2019 و 2020 بأزمة الكامور بتنفيذ اعتصام لعدد من شاب ولاية تطاوين إحدى أهم الولايات النفطية في البلاد استمر للعديد من الأسابيع إلى درجة تسجيل شلل في إنتاج النفط وتهديد عديد الشركات النفطية المستغلة لعدد من الحقول بمغادرة تونس.

واثر مارطون من المفاوضات رضخت الحكومة الحالية والمؤسسات النفطية إلى مطالب المعتصمين والوصول إلى اتفاق أنهى أزمة الكامور.

ووفق معطيات من رئاسة الحكومة، فان مشروع تنمية الصحراء يعد آلية لتحقيق النمو وخلق فرص العمل في المناطق الصحراوية بالبلاد التونسية والانتقال من أنموذج تنموي أحادي قائم على الثروات النفطية إلى أنموذج تنموي متنوع يرتكز على عدة مكونات.

كما أن تونس بحاجة إلى مثل هذه المشاريع الضخمة للانتقال إلى مرحلة جديدة في مسارها الإنمائي وجعل الصحراء عنصر تنمية لا عنصر معيق وحجر عثرة.

ويندرج تركيز هذا المشروع، الذي يمتد على ثلاث مخططات تنموية (2018 و2035)، ضمن تصور استراتيجي يرمي إلى إدماج المناطق الصحراوية في الديناميكية الاقتصادية وتعزيز نظام الأمن الاستراتيجي للتوقي من التهديدات الإرهابية وشبكات التهريب إلى جانب توظيف الفرص التنموية التي تتيحها المساحات الصحراوية الشاسعة لإطلاق أنشطة.

ووفق البيانات المتوفرة سيسمح المشروع بتثبيت حوالي 10 الاف عائلة في الصحراء التونسية.

وتتمثل عناصر مشروع تنمية الصحراء ، في  انجاز طريق وطنية جديدة على طول 180 كلم تربط رمادة بالبرمة بقيمة حوالي 75  مليون دينار. 

كما سيقع تهيئة أراضي زراعية على مساحة 50 ألف هكتار باعتمادات قد تصل إلى  750  مليون دينار وتركيز مشاريع فلاحية كبرى (أكثر من 1000 هك للمشروع الواحد) ومشاريع صغيرة (5بين 5 و 10 هكتار ) بتمويل ودعم عموميين من المنتظر أن تحدث ديناميكية استثمارية وتشغيلية هامة.

وبحسب الدراسات المنجزة فان الصحراء التونسية  أثبتت تواجد مخزون مائي هام في الصحراء التونسية بسعة تدفق عالية  وان من خاصيات المائدة المائية كونها مياه ساخنة (المياه الجيو حرارية) لها خاصيات فلاحية مهمة تساعد على إنتاج الخضر والغلال بطريقة مبكرة تساعد لاحقا على تصدير المنتوجات الفلاحية قبل أوانها في أوروبا.

من ضمن مكونات مشروع تنمية الصحراء، إنتاج الطاقة الكهربائية بتركيز لاقطات فلطاضوئية انطلاقا من 100 ميغاواط في مرحلة أولى لتصل إلى ألف ميغاواط في سنة 2035 وضخها في شبكة توزيع الكهرباء الوطنية.

وتؤكد المعطيات المتوفرة أن الصحراء التونسية تعد من ضمن المناطق الأكثر اشعاعا للشمس في العالم (2000 كيلواط ساعة في المتر المربع في العام).

ولكن الأمر الملفت للانتباه أن هذا المشروع الهام شرعت حكومة يوسف الشاهد في ضبط توجهاته وإعداد تصوراته والبحث عن طرق تمويله منذ سنة 2018 غير أن حكومة الياس وعلى الرغم من إحداثه لوزارة تعنى بالمشاريع الكبرى لم تبرمج هذا المشروع ضمن برامجها ، نفس الأمر انسحب على حكومة هشام المشيشي التي لم تتعرض إطلاقا إلى هذا المشروع ما يعني ضمنيا أن مشروع تنمية الصحراء يبدو انه قد سقط في الماء ولن يرى لنور لمشروع قد يكون له انعكاسات ايجابية وهامة في تغيير المشهد التنموي في الجنوب التونسي

 

مهدي الزغلامي

تم النشر في 24/01/2021