version française ilboursa

هل تقدر تونس على تامين أجور الموظفين فيما تبقى من السنة؟

شهدت أجور الموظفين في تونس في الأشهر الثلاثة الاخيرة (جوان وجويلية واوت 2021) تأخيرا في خلاص أجور الموظفين ما يترجم جليا الصعوبات المالية التي تمر بها البلاد في الفترة الأخيرة بسبب ضعف جل المؤشرات الاقتصادية وانحدار وضعية المالية العمومية الى مستويات مخيفة.

واعتاد الموظفون تلقي رواتبهم بين يوم 18 و22 من كل شهر غير انه في الأشهر الثلاثة تم تسجيل تأخير ملحوظ، اذ ان الأجور وصلت الى حساباتهم البنكية او البريدية يومي 24 و25 من شهر اوت المنقضي.

وضعية تنبئ بان الأمور المالية لتونس دخلت منعرجا مخيفا وخطيرا مس هذه المرة أجور الموظفين ما قد يهدد بمزيد تعكر الأوضاع الاجتماعية في البلاد في المدة القادمة. 

وتبلغ قيمة أجور الموظفين في تونس شهريا حوالي 1660 مليون دينار شهريا، كما تبلغ قيمة كتلة الأجور بالنسبة للوظيفة العمومية 20 مليار دينار، أي بنسبة تقارب 38 بالمائة من إجمالي الميزانية (52.6 مليار دينار)، وهي نسبة مرتفعة مقارنة ببقية دول العالم.

وبين اجبارية خلاص الديون الداخلية والخارجية ودفع رواتب الموظفين ومصاريف أخرى فان تونس مطالبة من شهر اوت الى موفى العام الجاري دفع زهاء 19مليار دينار بمعدل 4.4 مليار دينار شهريا مقابل تحصيل ضرائب مباشرة وغير مباشرة دينار في حدود 2.4 مليار دينار.

وتطرح هذه الوضعية المالية الحرجة للبلاد العديد من التساؤلات بشأن قدرة وزارة الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار في المقام الأول والبنك المركزي التونسي في المقام الثاني على تامين خلاص أجور الموظفين.

يشار الى ان حسب موقع البنك المركزي التونسي فان الحساب الجاري للخزينة العامة للبلاد التونسي بلغ الى حدود يوم 3 سبتمبر الجاري ما قيمته 1623 مليون دينار فقط.

وكشفت دراسة للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية أنّ عدد العاملين في الوظيفة العمومية يبلغ 690.091 موظفا وعاملا من بينهم 152.756 انتداب في الفترة بين سنة 2011 و2016.

ومن بين هؤلاء تم تسجيل 6839 انتداب استثنائي لفائدة المنتفعين بالعفو التشريعي العام و2929 من ذوي شهداء الثورة وجرحاها الى جانب تسوية وضعية 45 ألف من عملة المناولة والحضائر. 

وعلى الرغم من تطمينات المسؤولين الحكوميين في تونس من عدم التخوف من عجز الدولة عن خلاص أجور الموظفين لكن الواقع اظهر عكس ذلك بالشروع في تسجيل تأخير ملحوظ في تنزل الرواتب تجلى بشكل لافت في شهر أغسطس الجاري مع إمكانية مزيد تعكر الوضعية في الأشهر القادمة في صورة عدم إيجاد الحلول المالية اللازمة.

صعوبات كبيرة 

عبر رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسي عن تخوفه من قدرة تونس على مواصلة تامين خلاص أجور الموظفين في الأشهر القادمة بسب الصعوبات التي تعرفها البلاد في تعبئة الموارد المالية الضرورية في ظل انسداد الأفق السياسية والمالية.

وقال" للبورصة عربي" ان توقف المفاوضات تماما مع صندوق النقد الدولي وصعوبة الخروج على الاسوق المالية الدولية يقلصان من هامش تحرك تونس في توفير الموارد المالية لمواصلة تنفيذ ميزانية سنة 2021 البالغة 52.6 مليار دينار. 

وشدد على وجود انسداد مالي لتونس في ظل الظروف السياسية الاستثنائية التي تمر بها منذ 25 جويلية 2021 إثر اقدام الرئيس قيس سعيد على تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن كل النواب وقيامه منذ يومين بتمديد تعليق عمل البرلمان الى اشعار اخر.

وتابع بالقول" ان مثل هذه الظروف السياسية الاستثنائية تفرض على كل المانحين الدوليين وفي ومقدمتهم صندوق النقد الدولي التريث وانتظار مآل انفراج الأوضاع"، مضيفا ان الوضع السياسي الراهن من شانه ان يزيد في تعميق الازمة الاقتصادية والمالية وبالتالي فرض ضغوطات أكثر في إيجاد خاصة التمويلات اللازمة لمواصلة تامين خلاص أجور موظفي الوزارات والشركات الحكومية.

ويرى الشكندالي ان التأخر الملحوظ في صرف تونس لرواتب موظفيها يعكس شح السيولة في البلاد في ظل استيفاء العيديد من الحلول ومنها التوجه نحو السوق الداخلية لإصدار رقاع الخزينة والاقتراض من البنوك ما قد يجعل هذه البنوك (حكومية وخاصة) تعجز عن تمويل الاستثمار او الضغط عليها للتصرف في ودائع العملاء.

ورجح في صورة عدم إيجاد الحلول والموارد المالية الضرورية، ان تتعكر الأوضاع أكثر في الأشهر القادمة ما قد ينجر عنه من غليان للشارع التونسي والدخول في ازمة اجتماعية حادة جدا بعد ان تتواصل عملية التأخير في صرف أجور الموظفين.

هل تكون مخصصات صندوق النقد الدولي الحل لمعضلة الأجور؟

أعلنت كريستالينا غورغييفا المديرة العامة لصندوق النقد الدولي "بدء سريان التوزيع العام لمخصصات حقوق السحب الخاصة الجديدة بقيمة 650 مليار دولار"، مما سيتيح لعدة دول من بينها تونس دعم احتياطيات النقد الأجنبي والحد من اعتمادها على التداين.

وقالت غورغييفا، في بيان نشره صندوق النقد الدولي على موقعه الالكتروني، الاثنين 23 اوت 2021، "سيتيح هذا التوزيع سيولة إضافية للنظام الاقتصادي العالمي ويمكن للبلدان استخدام حيز الإنفاق الذي يتيحه توزيع مخصصات حقوق السحب الخاصة، لدعم اقتصاداتها وتكثيف جهودها في التصدي لازمة كوفيد 19 " وأضافت، ان توزيع مخصّصات حقوق السحب الخاصة على البلدان الأعضاء سيجرى بالتناسب مع نصيب كل بلد من حصص عضوية الصندوق. وبلغت حصة عضوية تونس في صندوق النقد الدولي سنة 2020 زهاء 523 مليون وحدة حقوق سحب ما يعادل 741 مليون دولار (حوالي 2047 مليون دينار) وهو مبلغ كاف لتغطية تقريبا شهر واحد من أجور الموظفين.

 واعتبرت غورغييفا ان حقوق السحب الخاصة تعد موردا هاما وان تحديد أفضل السبل لاستخدامها سيعود إلى ما تقرره البلدان الأعضاء في هذا الصدد. وشددت على ان تحقيق الاستفادة القصوى للبلدان الأعضاء والاقتصاد العالمي من استخدام حقوق السحب، يتطلب ان تكون قرارات الاستخدام حكيمة ومرتكزة على قدر كافٍ من المعلومات. ولكن في ظل الظروف المالية الحرجة التي تمر بها تونس قد تلجا البلاد الى ضخ جزء من قيمة المخصصات لحقوق السحب من صندوق الدولي في الميزانية العامة وتحويل جزء منها لخلاص أجور الموظفين.

تخوف من الوقوع في السيناريو اللبناني

وعما إذا سيتم اللجوء الى الاحتياطي من النقد الأجنبي لتامين خلاص أجور الموظفين في الفترة القادمة، لم ينف رضا الشكندالي هذه الفرضية لكنه حذر من استنزاف النقد الأجنبي لخلاص رواتب الموظفين على حساب هذا المخزون الاستراتيجي من النقد الأجنبي الذي تحتاجه البلاد لمسائل أكثر حيوية على غرار اقتناء المواد الأساسية الغذائية والدواء والمحروقات. 

وخلص بالتحذير من إمكانية وصول تونس الى السيناريو اللبناني في صورة مزيد تعقد الأوضاع المالية، داعيا رئيس الجمهورية الى الإسراع في تعيين رئيس حكومة جديد قادر على الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي وخاصة رسم معالم خارطة طريق اقتصادية من شانها على الأقل المساهمة في استقرار البلاد.

مهدي الزغلامي

تم النشر في 07/09/2021