version française ilboursa

هل تزيد وكالات التصنيف الائتماني تخفيض ترقيم تونس السيادي؟

تستعد وكالتا التصنيف الائتماني "موديز" و"فيتش" لنشر تقريرين جديدين بخصوص وضعية تونس الاقتصادية والمالية في الاسابيع القادمة ما يثير مخاوف الخبراء والمتابعين للشأن الاقتصادي في البلاد بإمكانية مزيد الحط من التصنيف من عدمه بالحفاظ على التصنيف السابق.

وتعيش تونس في الأشهر الأخيرة من العام الحالي مخاضا سياسيا عسيرا بتوسع جبهة الرفض لقرارات الرئيس قيس سعيد بإنجاز استفتاء حول النظام السياسي العام في البلاد ومشروع دستور جديد لتونس بطريقة أحادية ورفض تشريك مختلف الطيف السياسي في البلاد.

واثرت هذه الوضعية بشكل لافت على المؤشرات الاقتصادية الكلية للبلاد ولا سيما تعكر الوضعية المالية بارتفاع الدين العام الى مستوى 110 مليار دينار. وبالرغم من نسبة النمو الهشة المسجلة في الثلاثي الأول من العام الحالي بتسجيل 2.4 في المائة الا ان الأوضاع الاقتصادية تظل هشة وضعيفة في ظل عدم رجوع الة الإنتاج الى سالف نشاطها وخاصة في القطاعات الاستراتيجية المدرة للعملة الأجنبية على غرار استخراج وإنتاج الفوسفات ومشتقاته والتنقيب عن النفط.

البنوك تتأثر

في علاقة بالوضع الاقتصادي والمالي الهش أعلنت وكالة التصنيف الائتماني موديز منذ يومين، ان آفاق القطاع البنكي التونسي "سلبية وّذلك عل خلفية اضطرابات سياسية واقتصادية مستمرة". واعتبرت في بيانها الاخير أن وضعية البنوك مرتبطة بالأفاق السلبية للترقيم السيادي لتونس.

وأضافت ان "الانتعاشة الاقتصادية الهشة لتونس بعد ركود شديد نجم عن جائحة كورونا في 2020 واستمرار عجز الميزانية وعدم القدرة على الخروج إلى أسواق المال العالمية، سيكون لها تاثير على   القدرة على السداد وعلى تامين السيولة لدى البنوك خلال الفترة المتراوحة بين 12 الى 18و شهرا القادمة".

واعتبرت موديز من جهة   اخرى ان "قدرة الحكومة على دعم البنوك التي تواجه صعوبات، تضعف". واعتبرت "ان حدوث تأخير جديد في وضع برنامج جديد لصندوق النقد الدولي سيقلص احتياطي النقد الاجنبي بسبب الاقتطاعات لخلاص خدمة الدين وسيفاقم مخاطر ميزان المدفوعات".

تتالي التخفضيات السلبية

خفّضت وكالة التصنيف الدولية "فيتش رايتنغ" ترقيم تونس السيادي من B سلبي إلى CCC مع آفاق سلبية في مارس 2022، وهو التخفيض الحادي عشر لتصنيف البلاد من الوكالات الدولية منذ عام 2011. وقالت الوكالة في بيان لها إن التخفيض يعكس مخاطر على السيولة المالية الخارجية المتزايدة في ظل التأخير المتزايد في الاتفاق على برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي.

وذكرت وكالة "فيتش" أن مخاطر السيولة المتزايدة المالية تأتي في سياق التأخير في اعتماد برنامج مالي جديد مع صندوق النقد الدولي بعد التغييرات السياسية الحاصلة في تونس منذ جويلية 2021". واعتبرت أن البرنامج المالي مع صندوق النقد الدولي أمر ضروري لتونس للوصول إلى دعم الميزانية من معظم الدائنين المسؤولين.

وقالت الوكالة إن الإصلاحات قد تؤدي إلى وضع تكون فيه إعادة هيكلة الديون ضرورية لضمان استمراريتها، حتى في ظل برنامج صندوق النقد الدولي. وبدورها خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني، الخميس 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، التصنيف السيادي لتونس من B3 إلى Caa1، مع نظرة مستقبلية سلبية.

وقالت "موديز" في تقرير، إن "تخفيض التصنيف إلى Caa1 يعكس ضعف الحوكمة وزيادة عدم اليقين فيما يتعلق بقدرة الحكومة على تنفيذ التدابير التي من شأنها ضمان الوصول المتجدد إلى التمويل لتلبية الاحتياجات المرتفعة على مدى السنوات القليلة المقبلة". وحذرت "موديز" من تخلف تونس عن سداد ديونها "إذا لم يتم تأمين تمويل كبير".

وأوضحت الوكالة أن النظرة المستقبلية السلبية لوضع تونس الائتماني "تعكس مخاطر الهبوط المتعلقة بالتأخيرات المطولة المحتملة في الإصلاحات والتمويل المعتمد على الإصلاح، والذي من شأنه أن يؤدي إلى تآكل احتياطيات العملات الأجنبية".

إمكانية تغير التصنيف الى افاق مستقرة

ويرى رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية ان وكالات التصنيف الائتمائي قد تغير موقفها من تونس بناء على جملة من المعطيات السياسية والاقتصادية الجديدة التي يراها على غاية من الأهمية.

وأفاد "للبورصة عربي" ان موقف وكالات التصنيف موديز وفيتش بشأن وضعية تونس سيكون مرتبطا شديد الارتباط بمدى إمكانية امضاء تونس لاتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي في الفترة القادمة.

وابرز ان الزيارة الأخيرة لمدير ادار ة الشرق الأوسط وشمال افريقيا جهاد ازعور الى تونسي يومي 20 و21 جوان 2022 ولقاءه برئيس تونس قيس سعيد الذي قد يكون هذا الأخير قد اطلع ازعور على بعض مضامين مشروع الدستور الجديد الذي سيحتكر فيه الرئيس السلطة التنفيذية ويعين من رئيسا لوزراء تونس.

وبناء على هذه المسالة قال المتحدث انه لن يكون هناك عقبة أمام صندوق النقد الدولي لإبرام الاتفاق مع الحكومة التي سيكون رئيسها قيس سعيد وبالتالي تنزيل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المضمنة ببرنامج الإصلاحات المعلن عنه مؤخرا.

ورجح أيضا أنه في حال نجاح الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد المزمع تنظيمه يوم 25 جويلية 2022 قد يوقع صندوق النقد الدولي الاتفاق مع تونس بخصوص القرض الجديد (4 مليار دولار على أربع سنوات) مستدلا في ذلك على تصريحات جهاد ازعور الذي قال انه قد يتم الوصول الى اتفاق مع تونس في غضون الأسابيع القليلة القادمة.

وخلص بالتأكيد انه في حال تسجيل استقرار سياسي في تونس بعد الانتهاء من التصويت على الدستور فان وكالتي موديز وفيتش لن تراجعا بالحط من تصنيف تونس وانه في اقصى الحالات ستتحول التصنيف من افاق سلبية الى آفاق مستقرة مع الإبقاء على علامة إلى CCC وفق اعتقاده.

آفاق مظلمة في 2023

موقف عبد الرحمان اللاحقة أستاذ الاقتصاد بالمعهد العالي للتصرف في تونس لم يكن مختلفا تماما عن تحليل رضا الشكندالي اذ توقع ان تحافظ وكالتي موديز وفيتش على نفس تصنيف تونس في مستوى CCC لكن مع افاق مستقرة وليس افاق سلبية.

ولكن عبد الرحمان اللاحقة أبرز أهمية ان تحافظ تونس في الظرف السياسي والاقتصادي الصعب الذي تمر به على هذا التصنيف لان التصنيف الموالي هو الإفلاس معربا عن تخوفه الشديد من هذه المسالة الباعثة عن الانشغال حول مصير تونس الاقتصادي.

ورجح ان تحافظ تونس على نفس تصنيفها الفارط الصادر في مارس اذار 2022 لأنها ستلتزم بتعهداتها من حيث خدة الدين خلال هذا العام محذرا في السياق ذاته من ان خدمة الدين ستؤثر سلبا على تآكل احتياطي تونس من النقد الأجنبي ومواصلة انحدار سعر صرف الدينار التونسي تجاه الأورو والدولار.

واستدرك من جانب اخر أن الافاق قد تكون مظلمة في 2023 في حال عدم التوصل الى اتفاق حقيقي وجدي مع صندوق النقد الدولي ما سيزيد من متاعب تونس الاقتصادية والمالية ما سيدفع وكالات التصنيف الائتماني الى الحط من تصنيف تونس العام المقبل بلوغ مستويات جد خطيرة.

وأشار المتحدث ان وكالات التصنيف مضطرة الى انجاز على الأقل تقييمين لكل بلد في العام وأنها تستعد الان لإنجاز تقيم جديد في تونس قد يصدر اما في جويلية او اوت القادمين. وعما إذا سيحل نجاح الاستفتاء على مشروع دستور جديد (قد يصدر يوم 30 جوان 2022) أزمة تونس أكد ان الاستفتاء لن يحل الازمة الاقتصادية لتونس مرجحا حصول شبه استقرار سياسي فقط.

وانتقد بشدة في ختام تصريحه عدم توخي حكومة نجلاء بودن الصراحة مع الشعب التونسي حول مضامين البرنامج الاصلاحي الذي أفصحت عنه مطلع الشهر الحالي وان هذه الحكومة خيرت التحاور مع المانحين الماليين الأجانب بدل من التحاور مع اهم الشركاء الاجتماعيين وفي مقدمتهم الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية.

مهدي الزغلامي 

تم النشر في 30/06/2022