version française ilboursa

نحو إطلاق مخطط لإنعاش المؤسسات العمومية في 2024

تخطط حكومة تونس من خلال مشروع الميزان الاقتصادي للعام المقبل، الارتقاء بأداء المؤسسات وإخراجها من وضعيتها المالية والهيكلية الصعبة التي تعرفها منذ حوالي عقد من الزمن بالعمل على ان تكون شركات أكثر تنافسية وذراع مالي حقيقي لدعم اقتصاد البلاد المتداعي ودفع الاستثمار الخاص.

وبحسب منوال النمو لسنة 2024 ستعمل الحكومة على سن حزمة من الإجراءات للنهوض بأداء المنشات العمومية لتكون في خدمة المواطن والاقتصاد بالاشتغال أكثر على تحسين ظروف العمل صلب الإدارات العمومية. وأفصحت وثيقة منوال النمو للعام القادم عن الملامح والخطوط الكبرى لما تعتزم الحكومة القيام به من اجل اصلاح الشركات الحكومية تحت شعار "مؤسسات عمومية تنافسية".

وفي هذا الإطار تستهدف الحكومة عبر الوزارات المعنية والمتدخلة تحسين أداء الشركات الحكومية وضمان استدامتها والحد من تدخل الدولة في تمويل نفقات المؤسسات العمومية (دعم، تحويلات، ضمان الدولة، مُقرة في الوقت ذاته ان كلفة عدم الاصلاح ستنجر عنها عدة تداعيات واثار سلبية جديدة أهمها تدهور جودة الخدمات العمومية وتراكم الديون (ديون متقاطعة، ديون تجاه القطاع البنكي...).

وترتكز خطة الإصلاح على عدة محاور أبرزها تحسين حوكمة المؤسسات العمومية من خلال نشر القانون عدد 89/9 المتعلق بحوكمة المؤسسات العمومية واوامره الترتيبية إثر مصادقة حكومة نجلاء بودن عليه في 9 فيفري 2023

مخطط إنعاش

ومن اهم مرتكزات أولويات تونس العام المقبل اعداد مخطط إنعاش لجميع الشركات الحكومية التي تشكو من صعوبات مالية مع تسوية ديونها وخلاص المستحقات بعنوان الدعم علاوة على إعادة النظر في دور الدولة في القطاعات التنافسية.

وجب التذكير في هذا الإطار ان العديد من الخبراء دعوا الحكومات المتعاقبة الى وجوب إعادة النظر في احتكار الدولة لأنشطة في قطاعات تنافسية موصين بتحرير القطاعات التي تحتكرها الدولة وفتح المجال امام الخواص. كما شددوا على ضرورة ان تفوت الدولة في اسهمها في بعض المؤسسات وخاصة قطاع البنوك وتوظيف العائدات المالية من التفويت في الاسهم في دعم ميزانية الدولة او في مشاريع تنموية.

وفي الاثناء تؤكد وزارة الاقتصاد والتخطيط على أنها لم تتطرق أبدا في أي وثيقة أو مناسبة أو تصريح رسمي إلى التفويت الشركات بل تدعو في هذا السياق إلى العمل على إصلاحها وتطوير حوكمتها مع تعزيز الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص لإتاحة الفرصة لهذا الأخير لمزيد المساهمة في البناء التنموي ومعاضدة مجهود الدولة لتعزيز مقومات النمو وخلق الثروة.

غياب رؤية إصلاحية

ويرى رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد والتصرف بالجامعة التونسية ان ملف الإصلاح الجذري والعميق للمؤسسات العمومية لا يزال يراوح مكانه بل ان وضعيتها تتعقد من عام لآخر بسبب عدم جرأة الحكومات المتعاقبة في اتخاذ الخطوات الضرورية للشروع في اصلاح جدي وعميق.

وقال ان ما تضمنته موازنة البلاد للعام لا تعكس رؤية إصلاحية حقيقية بمعنى ان الدولة ستواصل ضخ الاعتمادات المالية لكبرى الشركات مستدلا في ذلك ن حجم الدعم لكبرى شركات الكهرباء وتكرير النفط سيبلغ 3300 مليون دينار الامر الذي يعني انه لن يقع زيادة في أسعار الكهرباء والمحروقات في السنة القادمة.

عبء ثقيل

من جانبه أقر معز السوسي أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية بأن الشركات الحكومية أضحت تمثل عبئا اقتصاديا ومالية على موازنة الدولة في ظرف اقتصادي ومالي حرج تمر به تونس.

وأبرز في تحليله للمسالة ان من اهم الإشكالات التي تعترض تونس عند اعدادها للموازنات العامة لها الاخذ في الاعتبار العبء المالي اللافت للمنشآت العمومية (عددها في حدود 110 منشات عمومية) الامر الذي يتسبب لا حقا في إيجاد صعوبات لغلق الموازنات.

وعاب على الحكومات المتعاقبة رغبتها الكبيرة والقوية في التمسك بمساهماتها في الشركات الحكومية لا سيما في قطاعات غير تنافسية كان من المفروض ان تفوت فيها مع المحافظة على تموقع الدولة في القطاعات الاستراتيجية والحيوية على غرار النقل والكهرباء والنفط والمواد الأساسية.

ويرى المتحدث ان مخطط إنعاش الشركات الحكومية يمر عبر تفعيل القانون عدد 89/9 المتعلق بحوكمة المنشات العمومية الذي يهف الى إضفاء من المرونة في تسيير هذه الشركات بطريقة تشابه طرق تسيير الشركات الخاصة. لكن هذا القانون وعلى الرغم من مصادقة رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن عليه الا انه لم ير النور ولم يختمه رئيس الدولة قيس سعيد لتحفظاته على المسالة برمتها.

عائدات مالية ضعيفة

للتدليل على ما تعانيه الشركات الحكومية من صعوبات وعجزها في تمويل موازنة الدولة استند معز السوسي في تحليله الى مقارنة عائدات مساهمات الدولة في هذه الشركات التي بلغت ما قيمته 853 مليون دينار بحسب قانون المالية التعديلي لسنة 2023 مقابل ما يدره أنبوب الغاز الطبيعي الجزائري العابر للتراب التونسي من عائدات بقيمة 1884 مليون دينار.

وزاد في تحليله بان مجموع العائدات 853 مليون دينار نصفها أي 407 مليون دينار متاتي من أرباح البنك المركزي التونسي متسائلا عن وجاهة تدخل الدولة في هذه الشركات والتمسك بها.

وعن مدى جدوى مخطط الانعاش المزمع تطبيقه بداية من السنة القادمة أكد معز السوسي ان المخطط قابل للتطبيق وربما النجاح مستدركا ان النتائج لن تكون على المدى القصير بل على المدى المتوسط وحتى البعيد وفق تصوره، مشترطا ان يكون الإصلاح مبنيا على قواعد سليمة في مقدمتها الاعتماد على معايير تصرف سليمة.

م.ز

تم النشر في 23/10/2023