version française ilboursa

منع سفر رجال الأعمال، خيط رفيع بين مقاومة الفساد وتعطيل الاستثمار

تقول أحد القواعد الاقتصادية المعروفة بأنه "في عالم الأعمال... لا توجد حدود" "Dans le monde des affaires ,il n'y a plus de frontières"  وهو ما يتعارض مع الإجراءات الاستثنائية بمنع السفر التي واجهها عدد من رجال الأعمال في تونس عند محاولتهم الخروج خارج الحدود للعمل، هذا الاجراء والذي لا يكتسي صبغة رسمية ولم يتم الاعلان عنه من طرف مصادر رسمية أو عبر مناشير صادرة عن جهات حكومية، أثار حفيظة عدد من رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات وفتح النقاش حول جدوى هذا الاجراء في مسار مكافحة الفساد.

وبرر رئيس الجمهورية قيس سعيد القيود التي فرضت على السفر والتنقل إلى خارج البلاد بضرورة تعقب المتورطين في الفساد ونهب المال العام والجرائم الاقتصادية.

وقال سعيد خلال زيارته إلى مطار تونس-قرطاج مؤخرا "هناك من ارتكبوا جرائم اقتصادية في حق الشعب التونسي. يحملون صفة رجل أعمال وهم في الأغلب "سماسرة استولوا على أموال الشعب التونسي". واتهم أطرافًا سياسية دون أن يسمها بدعم شركات مشبوهة وفاسدين، مضيفا إن "هؤلاء لن يغادروا في انتظار أن ينظر القضاء في ملفاتهم ".

رفض حزبي  لإجراءات منع السفر

وانتقد حزبا حركة النهضة والتيار الديمقراطي في بيانين منفصلين القيود على السفر وقالا إنها لا تنطوي على ضمانات قانونية، وعبرت حركة النهضة في بيان اصدرته عن رفضها لكلّ الاجراءات التعسفية ومنها منع عشرات الآلاف من التونسيين من السفر بناء على صفاتهم المهنية أو نشاطهم السياسي أو الحقوقي وبتعليمات شفوية وبعيدا عن كل الضمانات القانونية.

من جهته أكد القيادي في حزب التيار الديمقراطي هشام عجبوني تفهم الحزب لهذه الاجراءات الاستثنائية داعيا إلى ضرورة تحديد قائمة في الممنوعين من السفر تكون منشورة على منصة الكترونية حتى يعرف المعنيين بهذا الاجراء أنفسهم ولا يكونون عرضة للاهانة في المطار أو الميناء.

اجراء غير معلن معطل للاستثمار

وأشارت المنظمة الوطنية لدعم المنتوج التونسي "تونس تنتج" انها تلقت عدد من التشكيات من قبل اصحاب مؤسسات وممثلي شركات تفيد بمنعهم من السفر في المطارات التونسية الامر الذي تسبب في تعطيل مصالح عديد المؤسسات خاصة وان رحلاتهم كانت بهدف توقيع عقود عمل او البحث عن فرص عمل جديدة.

وأكد رئيس المنظمة معز الحريزي في تصريح لـ"البورصة عربي" أن هناك قرار غير رسمي وغير معلن بمنع كل من له صفة رجل أعمال أو صاحب مؤسسة أو وكيل شركة من السفر مضيفا أن هذه الاجراءات من شانها أن تزيد في ضبابية مناخ الأعمال وان لا تحفز على الاستثمار خصوصا في هذا الظرف الصعب الذي يعرفه الاقتصاد التونسي. وشدد الحريزي على أن المنظمة تدعم الحرب على الفساد إلا أن ذلك لا يجب أن يكون سببا في تعطيل مصالح الناس وتهديد مناخ الأعمال والاستثمار.

منظمات الأعراف.. مواقف متوجسة

من جهتها عبرت كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية "كوناكت" عن تفهمها للوضعية الحالية والحد من حرية التنقل لأنها مسألة تمس بالأمن القومي، لكن وجب عدم الخلط بين رجل الأعمال الوطني و ما سمي بالـ"سماسرة" و التسريع في الرجوع إلى الوضع العادي و الحد من الفترة الاستثنائية.

واكد اصلان بالرجب، عضو المكتب التنفيذي لـ"كوناكت" في تصريح اعلامي أنه يتفهم التخوف من السفر الى الخارج والقيام بعمليات تحويل مالي كبيرة وتهريب الأموال مثلما حدث في الثورة لكن يوجد خطّ رفيع بين رجل الأعمال الوطني والفاسد، دعيا الى التسريع في الاجراءات الاستثنائية التي تؤثر على سمعة تونس الاقتصادية وتخويف المستثمرين من عدم الاستقرار.

وحاولت "البورصة عربي" استجلاء موقف الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية حول هذا الاجراء بمنع السفر إلا أن مصدرا من منظمة الأعراف أكد أن الاتحاد لم يصدر موقفا رسميا بعد بخصوص هذا الاجراء الاستثنائي مشددا في المقابل ان منظمة الأعراف تقف في صف مكافحة الفساد وتدعو السلط إلى ضرورة ارساء مناخ ملائم للاستثمار وتحفيز رجال الأعمال.

مقاومة الفساد مشروطة بمقاييس مضبوطة

ويثني أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا شكندالي على مثل هذه الاجراءات الاستثنائية التي تهدف لمقاومة الفساد، وتعد ركنا أساسيا في توفير مناخ أعمال نقي وتنافسي، لكنه في المقابل يحذر من أن تطول هذه المدة الاستثنائية وهو ما يمكن أن يبعث برسائل غير مطمئنة للمستثمرين ورجال الأعمال وبالتالي تصبح هذه الاجراءات معطلة للاستثمار.

ودعا شكندالي في تصريح لـ"البورصة عربي" إلى ضرورة أن يسارع رئيس الجمهورية باعلان خارطة طريق واضحة تتضمن من ضمن فصولها رؤية متكاملة لملف مكافحة الفساد ورجال الأعمال المتورطين في نهب أموال الشعب التونسي والمقاييس المعتمدة في محاسبتهم.

كما شدد على أهمية تحيين قائمة رجال الأعمال الممنوعين من السفر خصوصا وأن القائمة القديمة تضم رجال أعمال توفي عدد منهم وهناك منهم من غادر تونس بطرق غير شرعية ومنهم من تورط في الفساد بعد الثورة بالإضافة لرجال اعمال سويت قضاياهم مع القضاء.

قائمة الـ460... ضرورة التحيين

واصدرت السلط التونسية منذ 2011 قائمة تضم 460 رجل أعمال وصاحب مؤسسة متورط في الفساد أو تحقيق منافع بصفة غير قانونية خلال فترة حكم نظام بن علي واستندت هذه القائمة إلى تقرير ﺗﻘﺼﻲ اﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺣﻮل اﻟﺮﺷﻮة واﻟﻔﺴﺎد. 

ويضيف رضا شكندالي في هذا الصدد أن تحيين هذه القائمة سيكون له دور في تحديد حجم المبالغ التي يمكن أن يوظفها رئيس الجمهورية في مبادرته للمصالحة الصلحية مع رجال الأعمال لفائدة مشاريع كبرى في المناطق الداخلية والمفقرة كما ستطلق العنان أمام رجال الأعمال الشرفاء لبعث مشاريعهم واستثماراتهم.

حسام الطريقي

تم النشر في 18/08/2021