لا يمر يوم او أسبوع في تونس الا وتفاجئ المواطن بزيادات جديدة في أسعار المنتوجات الاستهلاكية والغذائية بشكل غير مبرر او مفهوم ما ضاعف في امتعاض التونسيين بعجز الحكومة على كبح جماح الأسعار التي لم يقدر أحد على الحد من سرعتها وتأثيرها السلبي على القدرة الشرائية للمواطنين مقابل تدني الأجور في ظل ارتفاع نسبة التضخم التي تجاوزت 5.7 بالمائة في شهر جوان الفارط.
ومع تزايد الازمة الاقتصادية في البلاد التي عمقتها جائحة انتشار فيروس كورونا وما تسببت فيه من شبب شلل لنشاط الاقتصادي والتجاري في البلاد، واصلت حركة الأسعار منحاها التصاعدي
يشكو التونسيون منذ عدة أشهر من ارتفاع "صاروخي" لأسعار الخضر والحبوب والدواجن والبيض واللحوم ومختلف المواد الغذائية والاستهلاكية. وقد بات الغلاء واقعاً ملموساً يواجهه التونسيون يومياً، في وقت تعجز السطات على كبح جماح الأسعار التي أوكلت لقوانين السوق وأهواء المضاربين.
ويجمع العديد من المواطنين، على إن "الأسعار في تونس أصبحت كالحصان الجامح، لا يقدر أحد على إيقافها أو حتى تقليص سرعتها"، وأن "نسق الحياة المرتفع أصبح يتسبب في التوتر والضغط النفسي من أجل توفير متطلبات الحياة الأساسية".
الغلاء سيد الموقف
ويحرم الغلاء التونسيين من أصناف عديدة من الغذاء، أهمها اللحوم التي أصبحت تستهلك في مواسم قليلة على موائد العائلات.
ووفق طارق بن جازية، الرئيس المدير العام لشركة اللحوم التونسية (حكومية)، فقد "تراجع استهلاك التونسي من اللحوم الحمراء من معدل 11 كلغ سنوياً قبل 2011 إلى 9 كلغ سنوياً"، مفسراً هذا الأمر بتراجع القدرة الشرائية للتونسيين، إذ وصل سعر الكلغ الواحد من اللحوم إلى قرابة 28 دينارا.
ارتفاع نسبة التضخم
سجلت نسبة التضخم في شهر جوان 2021، ارتفاعا هاما لتبلغ 5,7% بعد الاستقرار المسجل خلال الشهرين السابقين في مستوى 5% نتيجة لتسارع نسق ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونسق أسعار مجموعة النقل وأسعار مجموعة المطاعم والمقاهي والفنادق، وفق إحصاءات المعهد الوطني للاستهلاك.
وبين المعهد حول نسبة التضخم لشهر جوان 2021، ان أسعار المواد الغذائية ارتفعت الى 7,2% مقابل 6 % الشهر السابق وزاد نسق أسعار مجموعة النقل ليصل الى 3,4% مقابل 1,5% في ماي 2021. كما تطورت أسعار مجموعة المطاعم والمقاهي والفنادق من 5,8% الى 7%
وتطورت وتيرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال شهر جوان بنسبة 7,2% وذلك نتيجة الزيادة المسجلة في أسعار الزيوت الغذائية بنسبة 16,5% واسعار الخضر بنسبة 13,0% وأسعار الحليب ومشتقاته والبيض بنسبة 8,0% وأسعار الأسماك بنسبة 7,6% وأسعار اللحوم بنسبة 6,4%.
وعرفت أسعار المواد المصنعة ارتفاعا بنسبة 5,9% باحتساب الانزلاق السنوي ويعود ذلك بالأساس الى ارتفاع أسعار المواد الصيدلية بنسبة 10,1% وأسعار مواد البناء بنسبة 11,1% وأسعار الملابس والاحذية بنسبة 7,3% وأسعار مواد صيانة المنزل ومواد التنظيف بنسبة 6,3%.
وفي ذات السياق شهدت أسعار الخدمات ارتفاعا بنسبة 4,3% ويعزى ذلك بالأساس الى ارتفاع أسعار خدمات الصحة بنسبة 6,4% وأسعار الإيجارات بنسبة 4,6%.
وشهدت أسعار المواد الحرة ارتفاعا بنسبة 5,8% (5,4% الشهر السابق) مقابل 5,2% بالنسبة للمواد المؤطرة (4,0% الشهر السابق) ، مع العلم أن نسبة الانزلاق السنوي للمواد الغذائية الحرة بلغت 7,2% مقابل 7,4% بالنسبة للمواد الغذائية المؤطرة.
الدولة تخلت عن دورها الاجتماعي
صرح أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي إن "موضوع القدرة الشرائية للتونسيين يعد ملفاً حارقاً ومهماً، انطلاقاً من أن المؤشرات تدل على اهتراء القدرة الاستهلاكية للتونسيين". واوضح ا بأنه "بفعل تواصل ارتفاع نسب التضخم وتراجع قيمة الدينار التونسي سجلت القدرة الاستهلاكية للعائلات التونسية تراجعاً لافتاً".
ولفت إلى أن "متوسط الدخل الفردي الشهري للتونسي تراجع من معدل 930 دينارا سنة 2010 إلى 742 دينارا حالياً، قابله ارتفاع جنوني لأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، لم تقدر الحكومات المتعاقبة بعد الثورة على كبح جماح هذا الارتفاع". وتشير دراسة حديثة إلى أنه لكي تستطيع العائلة التونسية مجابهة المصاريف اليومية يتعين أن يكون دخلها الشهري 3 الاف دينار".
وانتقد الشكندالي في حديثه الى موقع "البورصة عربي" تخلي الدولة عن دورها الاجتماعي يقول إن "تدهور الخدمات الصحية جعل العديد من التونسيين يحولون وجهتهم نحو المستشفيات الخاصة، وما نجم عنه من ارتفاع كلفة التداوي في تونس علاوة على هروب العديد من العائلات إلى مؤسسات التعليم الخاصة مع تراجع مستوى التعليم العمومي".
ويخلص الشكندالي إلى أن المواطن التونسي لم يعد قادراً على مجاراة نسق الحياة المرتفع ولجوئه إلى الاقتراض من البنوك أو من جهات أخرى.
حركة الأسعار تزداد أسبوعياً
واعتبر لطفي الرياحي رئيس "المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك" أن "حركة الأسعار في تونس تزداد أسبوعيا، في ظل غياب مراقبة الأسعار من طرف أجهزة الدولة".
وقال ان "أسعار مادة الزيت النباتي المكرر المعبأ تزيد أسبوعياً، في ظل انعدام مادة الزيت المدعوم من الأسواق"، مشيراً إلى أن "المساحات التجارية الكبرى تسهم في زيادة الأسعار"، ويستدل على ذلك بأن "هامش ربحها يصل إلى نحو 70 في المئة".
واستغرب صمت الحكومة عن هذا النسق التصاعدي وعجزها عن التحكم في هيكلة الأسعار بداية من الإنتاج الى المساحات والفضاءات التجارية. ما يغذي تصاعد المضاربات.
مهدي الزغلامي
تم النشر في 22/07/2021