version française ilboursa

ملفات اقتصادية حارقة تنتظر تونس في الفترة القادمة

تمر تونس بحسب المحللين وتقارير المؤسسات المالية الدولية بأعمق أزمة اقتصادية ومالية في تاريخها الحديث بدخولها في حلقة مفرغة من الصعوبات والمشاكل المالية جعلت الحكومات المتعاقبة بعد سنة 2011 ولاسيما في السنوات القليلة الماضية عاجزة عن حلحلة الأوضاع لتصبح الأمور تدار بشكل يومي خاصة على مستوى توفير الموارد المالية لأجور الموظفين من دون رؤية استراتيجية وإصلاحية متوسطة وبعيد المدى.

وفي ظل تردي الأوضاع المالية في ظل تعطل أهم رافعات النمو على غرار شلل إنتاج الفوسفات والقطاع الطاقي بسبب تنامي الاعتصامات والتحركات الاحتجاجية المتواصلة إلى جانب تذبذب عائدات القطاع السياحي الذي يمثل لوحده حوالي 7 في المائة من الناتج المحلي الخام، دخلت تونس في الأعوام الأخيرة في دوامة الاقتراض الخارجي ما عمق التوازنات المالية للبلاد إلى درجة أنها بلغت مرحلة التداين المفرط واللجوء إلى الاقتراض من اجل سداد ديون قديمة.

ويجمع الخبراء في تونس على أن المرحلة المقبلة في تونس ستكون صعبة جدا من حيث الوضعية المالية من خلال الإسراع بتعبئة الموارد المالية (في حدود 18 مليار دينار) لتمويل الميزانية لهذا العام والاستعداد لموازنة العام المقبل. ويشدد المختصون على أن تونس مقدمة على رفع جملة من التحديات الاقتصادية الجسيمة في ظل ظرف سياسي حساس ودقيق لا سيما بعد 25 جويلية 2021.

يشار إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيد اتخذ يوم احتفال تونس بعيد لجمهورية يوم 25 جويلية 2021 قرارات تقضي بتجميد عمل البرلمان لمدة 30 يوما وفق لمقتضيات الفصل 80 من دستور تونس وكذلك إعفاء رئيس الحكومة من مهامه وعدد من الوزراء والمسؤولين.

ويرى خبراء الاقتصاد ان أهم رهان يتعين على تونس كسبه في الفترة المقبلة هو الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على برنامج تمويل جديد ولكن الأهم في نظرهم هو ليس الحصول على التمويل بل أن موافقة صندوق النقد لدولي سيعطي الضوء الأخضر لبقية المانحين الدوليين لإمكانية إقراض تونس.

استرجاع مستويات عالية من النمو

يرى جل رجال الاقتصاد في تونس أن أبرز تحدي ينتظر تونس في الفترة القصيرة الراهنة هو الإسراع بتشكيل حكومة جديدة قوية تتمتع بالجرأة والصرامة اللازمة وتنكب وبسرعة عاجلة على معالجة الملفات الاقتصادية الحارقة ومنها بالخصوص استئناف الإنتاج في أهم القطاعات المدرة للنقد الأجنبي على غرار الفسفاط واستعادة قيمة العمل في كل المواقع.

ويعتقدون أن أهم تحدي اقتصادي لتونس هو استعادة نسق النمو لا سيما وانه خلال السنوات الأخيرة حققت تونس نموا بمعدل 1.6 في المئة مقابل معدل 4 في المئة ما قبل 2010. واعتبروا في تصريحات "للبورصة عربي" أن معدلات النمو الضعيفة أنتجت معدلات كبيرة من البطالة (17.8 بالمائة في الربع الأول من 2021) مضيفين ان "وقف نزيف ميزان الدفوعات والتحكم في عجز الموازنة من بين التحديات الأخرى التي يتعين على الحكومة المقبلة".

وأكدوا على انه بات لزاما على الحكومة القامة أن تحرص على تحقيق التوازنات المالية الكبرى للبلاد بالتحكم في عجز الموازنة وبخاصة التحكم في كتلة الأجور التي وصلت إلى مستويات قياسية في حدود 15 بالمائة من الناتج الداخلي الخام علاوة على مراجعة منظومة الدعم بإتباع سياسة شجاعة وذكية.

ويشدد انيس الوهابي ان أكبر مشكل يواجه تونس يتمثل في ضعف نسبة النمو التي لم تتطور خلال الخمس سنوات الأخيرة إلا بمعدل 1.6 في المئة الذي ذي قال انه لتحقيق مستوى نمو لسنة 2019 يتعين الانتظار إلى أفق سنة 2024.

واوضح أن كل مشاكل تونس تدور حول تحسين نسبة لنمو لكي تتمكن البلاد من السيطرة على انخرام المالية لعمومية ومعالجة البطالة والفقر مضيفا انه من دون نسب نمو محترمة لا يمكن انجاز لمشاريع لعمومية وتحسين لخدمات العمومية على غرار الصحة والتربية والتعليم.

ومن ضمن الرهانات التي تنتظر البلاد في الفترة القادمة العمل على استرجاع نسق على لاستقطاب الاستثمارات الخارجية المتدفقة على البلاد التي سجلت نموا سلبيا بحلول النصف الأول من هذه السنة ب 7.4 في المئة.

استعادة ثقة الشركاء الاقتصاديين

ويرى أنيس الوهابي انه من بين التحديات المطروحة على تونس وخاصة الحكومة المقبلة، استعادة الثقة الشركاء الاقتصاديين البارزين لتونس على غرار الاتحاد الأوروبي وكذلك استعادة ثقة المؤسسات المالية الدولية مبرزا أن رصيد الثقة لن يتحقق إلا من خلال العمل على تحقيق استقرار سياسي يرافقه إعطاء إشارات قوية لهؤلاء الشركاء وان البلاد جادة في المضي نحو إصلاحات اقتصادية جذرية.

وعلى صعيد آخر ألح المتحدث على ضرورة إسراع رئيس الجمهورية بتعيين رئيس حكومة يرى انه يجب أن يتمتع بشخصية قوية وملم بأهم الملفات التي سيجده على مكتبه وخاصة له علاقات دولية هامة مع المؤسسات المالية لدولية علاوة على القدرة على التفاوض مع الشركاء الاجتماعيين في تونس.

وشدد على أن من أولويات البلاد التي يراها ملحة وعاجلة هو الإسراع بإيجاد اتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج تمويل جديد البلاد في أمس الحاجة إليه ما يمكن أن يفتح آفاقا أوسع في الحصول على التمويلات اللازمة من المقرضين الدوليين وإنجاح المسار الديمقراطي في البلاد.

خطة إصلاح اقتصادي للخروج من الأزمة

ومن جانبه أدلى البنك المركزي بدلوه في الشأن العام للبلاد، بدعوة مجلس إدارته الأخير (3 أوت 2021)، إلى مزيد التنسيق بين كلّ الأطراف الفاعلة لوضع خطة إصلاح اقتصادي وإيجاد آليات جديدة يتم تحديدها وفق ما تقتضيه المرحلة للخروج من الأزمة الحالية وذلك على خلفية المستجدات على المستوى الوطني، خاصة بعد القرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية في 25 جويلية 2021.

وأكد على أهمية الحفاظ على استقرار وحسن سير مؤسسات الدولة وحمايتها وضمان ديمومتها في ظل ما فرضه الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والصحي الراهن من تحديات غير مسبوقة. كما شدد المجلس على أهمية العمل على استرجاع ثقة المؤسسات الدولية المانحة والمستثمرين الأجانب في الاقتصاد التونسي.

مهدي الزغلامي

تم النشر في 17/08/2021