version française ilboursa

مشروع دستور تونس الجديد يتجاهل دسترة المسألة الاقتصادية

نشر رئيس الجمهورية قيس سعيد مساء أمس الخميس وثيقة مشروع دستور تونس الجديد في الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ومن المفترض ان يكون هذا المشروع محور استفتاء للشعب التونسي يوم 25 جويلية 2022.

وفي حال مروره ونجاح الاستفتاء فان تونس ستدخل مرحلة الجمهورية الثالثة بسلطات واسعة لرئيس الجمهورية خاصة في مجال السلطة التنفيذية بتفرده خاصة بتعيين رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة او سحب الثقة من رئيس الحكومة او أحد أعضاءها بعد التشاور مع رئيس الحكومة. وتضمن مشروع الدستور الجديد توطئة و142 فصلا موزعة على 10 أبواب، وهي:

الباب الأول: أحكام عامة

الباب الثاني: الحقوق والحريات

الباب الثالث: الوظيفة التشريعية

الباب الرابع: الوظيفة التنفيذية

الباب الخامس: الوظيفة القضائية

الباب السادس: الجماعات المحلية والجهوية

الباب السابع: الهيئة العليا المستقلة للانتخابات

الباب الثامن: المجلس الأعلى للتربية والتعليم

الباب التاسع: تنقيح الدستور

الباب العاشر: أحكام انتقالية

والمتأمل ان المشروع الجديد لم يخصص بابا للمسألة الاقتصادية وللحقوق الاقتصادية في فترة تمر فيها تونس بأزمة اقتصادية خانقة وسط تكرر الطلبات بوجوب انجاز منوال تنموي جديد يقطع مع المنوال السابق الذي بلغ حدوده.

وكان من المفروض ان يخصص مشروع الدستور الجديد بابا لدسترة الاقتصاد ومزيد توضيح الرؤى والمبادئ الاقتصادية في ظل ما تعرفه تونس من مخاض اقتصادي وتخبط في العديد من الملفات الحارقة والوجوب القطع مع العديد من القضايا الحرقة على غرار التنمية المستديمة والبيئة والطاقات المتجددة.

وسبق نشر الدستور جدل وتاسع في تونس حول دسترة الاقتصاد والحقوق الاقتصادية من طرف العديد من الهبراء والمختصين في القانون الدستوري بين مؤيد لوجوب دسترة الاقتصاد وبين ما اعتبر ان الاقتصاد متحرك متغير  وان الدستور يتضمن ابوابا وفصولا لمدة لا تقل عن ثلاثة او أربعة عقود. وكان قيس سعيد قد تسلَم يوم الاثنين 20 جوان 2022 نسخة من مشروع دستور تونس الجديد من العميد الصادق بلعيد رئيس الهيئة الوطنية من اجل جمهورية جديد بعد الانتهاء من أعمالها.

وقال عميد المحامين ابراهيم بودربالة الذي ترأس اللجان اللجنة الاستشارية الاقتصادية التي شاركت في "الحوار الوطني" حول مشروع الدستور إن النص ينص على أن "رئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية". ويجب أن يستبدل الدستور الجديد دستور 2014 الذي أنشأ نظاما مختلطا كان مصدر نزاعات متكررة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

وأكّد العميد الصادق بلعيد رئيس الهيئة الوطنية من اجل جمهورية جديدة في تصريحات إعلامية سابقة على أنّ الدستور الجديد يجب أن يكون منارة لسياسة تنمية للبلاد لتحقيق النمو والعدالة وترسيخ دولة القانون، قائلا إنّ الخاصية التي ستميّز الدستور الجديد هو أنّه سيكون دستورا اقتصاديا بعد أن كان دستور 2014 دستور سياسوي

وصرح رئيس اللجنة الاستشارية الاقتصادية والاجتماعية ابراهيم بودربالة، اّن نّص مشروع الدستور الذي نشر أمس الخميس 30 جوان 2022، في الرائد الرسمي، لا يتطابق مع المشروع الذي قدمته اللجان الاستشارية.

وأضاف بودربالة في تدخل هاتفي على إذاعة ''شمس أف أم '' أّن مسالة النظام السياسي والقضاء والحقوق والحريات فيها تقاطعات مع المسودة التي وقع تقديمها لرئيس الدولة قيس سعيد. واوضح بودربالة أّن الباب الأول من الدستور كان من المفترض أن يقع تخصيصه للجانب الاقتصادي، لكن رئيس الدولة ارتأى أن يخصصه للنظام السياسي.

فصول متناثرة

واقتصرت المسالة الاقتصادية في مشروع الدستور الجديد على بعض الفصول المسائل المتناثرة والموزعة على بعض الفصول من دون تخصيص باب في الغرض.

ولقد جاء في توطئة مشروع الدستور الجديد بعض الاشارات للملف الاقتصادي حيث تم التنصيص "اننا ونحن نقر هذا الدستور الجديد، مؤمنون بأن الديمقراطية الحقيقية لن تنجح إلا إذا كانت الديمقراطية السياسية مشفوعة بديمقراطية اقتصادية واجتماعية، وذلك بتمكين المواطن من حقه في الاختيار الحر، ومن مساءلة من اختاره ومن حقه التوزيع العادل الثروات الوطنية".

وجاء في التوطئة ايضا "كما نجدد التأكيد على أن النظام الجمهوري هو خير كفيل للمحافظة على سيادة الشعب، وتوزيع ثروات بلادنا بصفة عادلة على كل المواطنين والمواطنات. وإننا ستعمل ثابتين مخلصين على أن تكون التنمية الاقتصادية والاجتماعية مستمرة دون تعثر أو انتكاس في بيئة سليمة تزيد تونس الخضراء اخضرارا من أقصاها إلى أقصاها، فلا تنمية مستمرة دائمة إلا في بيئة سليمة خالية من كل أسباب التلوث".

ونص الفصل الخامس عشر " أداء الضرائب والتكاليف العامة واجب على كل شخص على أساس العدل والإنصاف وكل تهرب ضريبي يعتبر جريمة في حق الدولة والمجتمع". واضاف الفصل السابع عشر " تضمن الدولة التعايش بين القطاعين العام والخاص وتعمل على تحقيق التكامل بينهما على قاعدة العمل الاجتماعي

نسخة الباب الأول كانت مخصصة للجانب الاقتصادي

وكان محمد صالح العياري عضو اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية لإعداد مشروع الدستور الجديد وعضو المجلس الوطني للجباية كشف في تصريحاته المتعددة أن مشروع الدستور الجديد سيركز على الجانب الاقتصادي ويخصص له أحكاما وفصولا هامة بالمقارنة مع دستور 2014.

وأضاف أن تضمين البعد الاقتصادي في الدستور سيؤسس اطارا مرجعيا للتشريع في عدد من الجوانب الخصوصية المهمة على غرار الاقتصاد الرقمي ما سيلزم المشرع والمؤسسات بأخذ ذلك بعين الاعتبار.

وقال حينها أن الباب الأول من مشروع الدستور الجديد بعد التوطئة سيكون مخصصا للجانب الاقتصادي تحت عنوان أسس النهوض بالاقتصاد ما يترجم وفق رايه الأهمية التي سيوليها المشروع الجديد للملف الاقتصادي. وكشف محمد صالح العياري أيضا ان الخطوط العريضة للباب الأول لمشروع الدستور الجديد لتونس سيركز على العدالة الضريبية كمدخل رئيسي للعدالة الاجتماعية.

السياسات الاقتصادية لا يمكن أن تُقنّن

وفي تعليقه على دسترة المسالة الاقتصادية في مشروع الدستور الجديد من جانبه كان مصطفى بن اللطيف عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس قد ابرز في تدخلاته الإعلامية على وجوب الاكتفاء بإدراج بعض المبادئ الاقتصادية العامة في الدستور الجديد دون الاكثار من القواعد القانونية ذات الصبغة الاقتصادية.

وفسر بالقول " إذا استثنينا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية كجيل من أجيال حقوق الانسان يمكن في الدستور أن نضع بعض الثوابت لا أكثر ولا أقل نظرا لأن الجانب الاقتصادي هو بالضرورة مسألة سياسات عمومية وخيارات متحركة بطبعها ولا يمكن أن تكون أصناما جامدة في الدستور لعشرات السنين".

وفي المقابل رحَب ببعض ما ورد في مسودة الأحكام الاقتصادية التي قد يتضمنها الدستور الجديد وذلك باعتبار أن المسألتين الاقتصادية والاجتماعية على غرار التشغيل تعد محركا من حركات النمو وخلق الثروة وفق رأيه.

القطيعة مع منوال تنموي

ولم يختلف موقف احمد الكرم عضو اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية لإعداد مشروع الدستور والمختص المالي والبنكي عن موقف بقية المختصين في ضرورة تضمين الدستور الجديد لمبادئ ومفاهيم اقتصادية جديدة ومواكبة من شانها ان تكرس القطيعة مع دستور 2014

واكد على ضرورة القطيعة مع منوال الدولة الراعية لكل شيء وتضمين ذلك في الدستور الجديد حتى يحظى بالموافقة، وفق تقديره. وقال احمد كرم ان هذا المنوال أثبت فشله وبات يشكل خطرا على الديمقراطية التي يجب انقاذها عبر تضمين جملة من التراتيب والأحكام الاقتصادية الواضحة في الدستور الجديد تقطع مع الماضي.

الدستور جامد والاقتصاد متحرك

وعارض أستاذ القانون الدستوري الصغير الزكراوي، مسألة دسترة الاقتصاد معتبرا اياها ليست أولوية. وأوضح ان الاقتصاد متحرك ومتغير لكن الدستور جامد يوفر الاستقرار لفترة 30 او 40 عاما مقترحا امكانية التنصيص على المبادئ العامة والحقوق الحريات لكن أن القيام بدسترة الاقتصاد التضامني والمنوال التنموي فهذا غير مقبول من وجهة نظره 

مهدي الزغلامي

تم النشر في 01/07/2022