تمثل التعاونيات من أبرز روافد الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من خلال إرساء نظام تعاوني وتضامني بين المنخرطين عبر توفير تغطية ضدّ الأخطار الملازمة بطبيعتها للشخص مثل الأمراض والولادة والشيخوخة والحوادث والعجز والوفاة وذلك لفائدة منخرطيها أو لعائلاتهم مقابل اشتراكات.
وتعتبر هذه التغطية تكميلية للمنافع التي تسديها الصناديق الاجتماعية للحيطة والتقاعد في هذه المجالات.
ويبلغ عدد التعاونيات في تونس حاليا 49 تعاونية موزعة بين ثلاث مجموعات حسب مجال نشاط منخرطيها وتهم تعاونيات أعوان الوزارات وتعاونيات أعوان المؤسسات العمومية وتعاونيات أعوان المؤسسات الخاصة والأشخاص الطبيعيين.
وعلى امتداد العديد من العقود ظلت النصوص القانونية المنظمة للمجال على حالها ولم تعد تواكب التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلاد لا سيما بعد سنة 2011.
ومن هذا المنطلق أعدت الجهات المعنية وفي مقدمتها الهيئة العامة للتامين مشروعا متكاملا لتنقيح وإتمام مجلة التعاونيات بات جاهزا غير أن المشروع لا يزال يراوح مكانه منذ عدة سنوات ولم يقع الحسم بشأنه.
وتفيد المعطيات المتوفرة أن المشروع لا يزال على مستوى وزارة المالية ولم يقع برمجة مجالس وزارية للنظر فيه وعرضه لاحقا للمصادقة على مجلس الوزراء ثم من بعد إحالته إلى مجلس نواب الشعب.
ولئن صادقت تونس في 18 جوان 2020 على مشروع قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني فان مشروع إصلاح مجلة التعاونيات يمكن تصنيفه في خانة إحدى رافعات هذا القانون الذي كرس العديد من المبادئ .
ولكن يبدو انه بالتباطؤ في الإسراع في المصادقة على مشروع مجلة التعاونيات ستفوت تونس فرصة أخرى لتكريس الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
ويتكون مشروع المجلة الذي تحصلنا على نسخة منه، من 9 أبواب موزعة على الأحكام المشتركة وإحداث التعاونيات ومجال نشاطها والتنظيم الإداري والنظام المالي إلى جانب الاتحاد الوطني للتعاونيات فالاندماج والانقسام وتغيير الشكل والانحلال علاوة على ممارسة الإشراف والرقابة والعقوبات ثم الجمعية المهنية للتعاونيات فيما ارتكز الباب الأخير على أحكام خاصة بتعاونيات القوات المسلحة العسكرية وقوات الأمن الداخلي والديوانة.
ويهدف المشروع إلى دفع العمل التعاوني والتضامني في كنف الحرية والمساواة والتأكيد على الصبغة التطوعية للنشاط التعاوني وتكريس الصبغةغير الربحية للتعاونيات.
ويرمي أيضا إلى تدعيم الرقابة الداخلية والخارجية على التعاونيات وإلزام التعاونيات باعتماد الحد الأدنى من قواعد الحوكمة الرشيدة ومراجعة الشكل القانوني للاتحاد الوطني للتعاونيات وتحديد صلاحياته وتدعيم دوره للنهوض بالقطاع التعاوني.
ويقترح المشروع الذي يحتوي على 214 فصلا، تحديد مجال تدخل التعاونيات وتبويبها بين خدمات وجوبية تتعلق بالمرض والحوادث وخدمات اختيارية تتعلق بالتقاعد والوفاة والوقاية وأخرى ثانوية ذات طابع ترفيهي وتثقيفي لنشاطها الأساسي.
كما يقترح توضيح مختلف الخدمات التي يمكن أن تقدمها التعاونية مع توضيح شروط ممارسة كل خدمة وتخصيص خدمة التقاعد التكميلي والوفاة بفصول تنظم شروط تقديمها وآثارها على المنخرطين والمنتفعين بها على غرار التشريع المتعلق بالتأمين على الحياة مع التنصيص على الحفاظ على إمكانية إنجاز مشاريع ذات صبغة صحية .
إحداث التعاونيات ومجال نشاطها
نص هذا الباب على إحداث سجل للتعاونيات يمكّن من متابعة عمليات إحداث التعاونيات وإدماجها وحلها وتفرعها مع التأكيد على تكريس مبدأ الشفافية والحوكمة الرشيدة بإلزام التعاونيات بإعلام الهيئة العامة للتامين بكل تغيير في أنظمتها الداخلية وأعضاء مجلس إدارتها ومديرها التنفيذي ومراقبي حساباتها.
كما تم التنصيص على إجبارية مسك سجل المنخرطين وذلك على غرار الجمعيات وهو ما من شأنه أن يسهل عملية متابعة نشاط التعاونيات وحجمها.
التنظيم الإداري والنظام المالي
ألزم المشرع ضمن التنقيحات الجديدة التعاونيات بإحداث هيكل تنظيمي يتضمن وجوبا إدارة تعنى بالأمور المالية والإدارية يشرف عليها مدير تنفيذي وإلزام التعاونيات بانتداب مدير للتعاونية وتحديد مشمولاته وحدود مسؤولياته وشروط انتدابه.
واقترح مشروع مجلة التعاونيات التي يعود تاريخها إلى الأمر العلي لسنة 1954،وضع قواعد التصرف الرشيد في التعاونية من خلال الفصل الصريح بين مهام كل من أعضاء مجلس الإدارة والمدير التنفيذي للتعاونية وتحديد صلاحيات كل متدخل في تسيير التعاونية وإدارتها والحفاظ على مبدأ العمل التطوعي بالإضافة إلى تعويض إجبارية انتخاب لجنة للمراقبة إجبارية تعيين مراقب حسابات من بين الخبراء المرسمين بهيئة الخبراء المحاسبين بالبلاد التونسية
وشدد المشروع في صيغته الحالية تحجير الحصول على القروض لتمويل خدمات التعاونية مع إلزام التعاونية باتخاذ الإجراءات الضرورية لتغطية العجز المالي.
وانطلقت عملية التفكير في إصلاح مجلة التعاونيات بإعداد وزارة المالية لدراسة سنة 2001 أسفرت عن عدة نقائص تعلقت بالتشريع والتصرف والتسيير وهنات على مستوى الرقابة.
ومع بداية سنة 2014 تمّ تكوين لجنة صياغة الإطار القانوني للتعاونيات تحت إشراف الهيئة العامة للتأمين بوزارة المالية أسفرت عن مشروع مجلة للتعاونيات.
مهدي الزغلامي
تم النشر في 29/01/2021