version française ilboursa

محمد صالح العياري : النسخة الأولية من مشروع قانون المالية الجديد بحاجة أكيدة إلى المراجعة

اعتبر محمد صالح العياري عضو المجلس الوطني للجباية والمستشار الجبائي  بأنّ النسخة الأولية من مشروع القانون في حاجة أكيدة إلى المراجعة و الإثراء وذلك بتشريك الخبراء المختّصين في هذا المجال.

شدد محمد صالح العياري في حوار مع "البورصة عربي" أن المشروع المتداول لم يتضمن إجراءات هامّة يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على الوضع الاقتصادي المترّدي و الذّي تفاقم أكثر خلال العشرية الأخيرة وانه مشروع عادي لمرحلة غير عادية.

وتقدم بمقترح يمكن تضمينه في مشروع قانون المالية سيساهم من وجهة نظره بصفة فعلية في توفير موارد جبائية إضافية لتمويل ميزانية الدّولة باعتبار أنّ الدّيون المثقلّة لدى قباضات المالية تناهز 10 مليار دينار، في حين أنّ الدّيون القابلة للاستخلاص تقدّر بـــ 5 مليار دينار.

ما هو تفاعلك الأولي مع النسخة الأولية لمشروع قانون المالية لسنة 2022؟

وجب التوضيح أن بعض الفصول تمت إعادة إدراجها والتّي تمّ اقتراحها سابقا ضمن مشروعي قانون المالية لسنة 2020 ولسنة 2021 ولكن تمّ إسقاطها في مستوى لجنة التّخطيط والمالية بمجلس نوّاب الشّعب.

كما أنّه لم يقع التّطرق إلى حجم ميزانية الدّولة لسنة 2022 وذلك بضبط المبلغ الجملي للموارد مع تحديد مصادر التّمويل الأساسية من ناحية، وضبط أبواب النّفقات المتعلّقة أساسا بالأجور وبالدّعم من ناحية أخرى

برأيك ما هي أهم الإجراءات الواردة بالمشروع؟

لقد تضمن المروع الوارد في 70 فصلا، عدة أحكام جبائية منها تمكين الشّركات من إعادة تقييم العقارات المبنية وغير المبنية التّي تتضّمنها موازناتها حسب قيمتها الحقيقية مع إعفاء القيمة الزائدة الناتجة عن إعادة التقييم من الضّريبة على الشركات.

واعتقد أن هذا الإجراء سيساهم في تمكين الشّركات من تقدير القيمة الحقيقية للعقارات المبنية وغير المبنية التّي تتضمّنها موازناتها والتّي ستساعدها على تقديم الضّمانات الضّرورية للحصول على قرض لدى البنوك على سبيل المثال.

وبالنسبة إلى الإجراء المتعلق بتمكين المؤسّسات التّي تبذل مصاريف بحث وتطوير تحت إشراف الوزارة المكلّفة بالتعليم العالي والبحث العلمي من طرح إضافي بنسبة 50% من مصاريف البحث والتطوير التّي تبذلها المؤسّسة في إطار إتفاقيات مبرمة مع مؤسّسات عمومية تنشط في مجال البحث العلمي وذلك شريطة ألاّ تقلّ نسبة مساهمة المؤسّسة في المصاريف الجملية للبحث والتطوير موضوع الاتفاقية عن 10% مع حد أقصى بــ 200 ألف دينار سنويا.

ورغم أهمية هذا الإجراء لتطوير البحث العلمي، فإنّ الشّرطين المتعلّقين بضبط نسبة دنيا في حدود 10% بالنّسبة لمساهمة المؤسّسة في المصاريف الجملية للبحث والتّطوير وكذلك تحديد سقف أقصى بـــ 200 ألف دينار سنويا سيحدّ من إقبال المؤسّسات الاقتصادية على عملية البحث والتّطوير.

ماذا عن إجراء السماح المؤسسات المصدرة كليا بترويج منتوجاتها في السوق المحلية هل سيؤثر هذا الإجراء على كمنافسة المنتوجات المحلة؟

يمكن القول بأنّ هذا الإجراء يمثّل سلاحا ذو حدّين فهو سيساعد المؤسّسات المصدّرة كليّا التّي لم تتمكّن من ترويج بضاعتها في الأسواق الخارجية، خاصّة وأنّها ملزمة بتصدير بضائعها ومنتوجاتها في حدود 70% على أقلّ تقدير من رقم المعاملات للسّنة الفارطة.

وقد تمّ الرّجوع إلى أرقام المعاملات المحقّقة خلال سنة 2019 وذلك نظرا لتأثير جائحة كورونا على النّشاط الاقتصادي بصفة عامّة خلال سنتي 2020 و 2021.

 

ولكن من جهة أخرى، فإنّ التّرفيع في نسبة التّسويق المحلّي من 30% إلى 50% أو 100% سيكون له تأثير سلبي على نشاط المؤسّسات غير المصدّرة كليّا و التّي تروّج منتوجاتها بالسّوق المحلية، خاصّة و أنّها لا تنتفع بنفس الحوافز المسندة للشّركات المصدّرة كليّا.

لقد تضمن المشروع بعض الأحكام لتنشيط قطاع البعث لعقاري هل تعتقد أن هذه الإجراءات قادرة على إنعاش قطاع تضر كثيرا من جائحة فيروس كورونا؟

من ضمن الأحكام الواردة بالنسخة الأولية لمشروع قانون المالية للعام المقبل، تخفيف العبء الجبائي على المساكن المشيّدة من قبل الباعثين العقاريين وذلك بإخضاع عقود النقل الأوّل بمقابل لهذه المساكن بالمعلوم القار شريطة الإدلاء بنسخة من محضر انتهاء الأشغال مع المطالبة بدفع الفارق بين المعلوم المدفوع والمعلوم النّسبي للتّسجيل الموّظف على البيوعات العقارية في حالة تغيير صبغة استعمال المساكن المذكورة.

في رأي فان هذا الإجراء سيكون له مردود إيجابي لإعطاء الدّفع اللاّزم لقطاع البعث العقاري من ناحية، ولتخفيف العبء على المقتنين لمسكن أوّل وذلك بدفع المعلوم القارّ الذّي يساوي 25 دينار عن كلّ صفحة من كلّ نسخة من العقد عوضا عن المعلوم النّسبي الذّي يساوي 5% من قيمة العقار والتّي لا تتجاوز حدود 500.000 دينار من ناحية أخرى.

هذا مع العلم أنّ العقارات التّي يتراوح مبلغها بين 500.000 دينار و1 مليون دينار تخضع لنسبة 2% إضافة لنسبة 5% وتخضع كذلك لنسبة 4% إضافة لنسبة 5% كلّما تجاوزت قيمتها 1 مليون دينار

ما هو تعليقك على الإجراء الوارد بترشيد تداول الأموال نقدا بتسقيف التداول في حدود 3 ألاف دينار؟

تعود وزارة المالية مرّة أخرى إلى اقتراح هذا الإجراء والتّي لم يتسّن لها تمريره خلال السّنوات السّابقة والذّي يتمثّل في التّخفيض من المبلغ المحدّد بـــ 5000 دينار إلى 3000 دينار المدفوع نقدا.

مبدئيا سيحدّ هذا الإجراء من المعاملات نقدا وسيساهم بصفة آلية من الحدّ من ظاهرة التّهرب الضّريبي لأنّه سيمكّن مصالح الجباية من القيام بالإستقصاءات الضّرورية وذلك بالاعتماد على وسيلة الدّفع التّي ستترك أثرا لدى البنوك ولدى مؤسّسة البريد بالخصوص.

هل من تفسير للإجراء القديم الجديد لمتعلق بإحداث صنف جديد من المراجعة الجبائية يسمى المراجعة المحدودة؟

لقد اقترح المشروع إحداث صنف جديد للمراجعة الجبائية يسّمى "المراجعة المحدودة" يمكن أن تشمل كامل الوضعية الجبائية للمطالب بالأداء أو جزء منها بعنوان فترة لا تتجاوز السنة ولم يشملها التقادم مع إفراد هذا الصنف بقواعد مبسطة و آجال مخفضة و ذلك بهدف إضفاء مزيد من النجاعة على تدخلات مصالح الجباية من حيث نسبة تغطية المطالبين بالأداء بالمراجعة الجبائية و تطوير البعد الخدماتي و التوعوي لنشاطها و تسريع نسق البت في مطالب استرجاع فوائض الأداء و لا سيما فائض الأداء على القيمة المضافة.

ولقد شهد هذا المقترح عدّة تقلّبات خلال السّنوات الأخيرة، باعتبار أنّه تمّ اقتراحه ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2020 في مرحلة أولى، ثمّ ضمن مشروع قانون الإنعاش الاقتصادي في مرحلة ثانية وضمن مشروع قانون المالية لسنة 2021 في مرحلة ثالثة، ولكن يقع إسقاطه في كلّ مرّة

وللمرّة الرّابعة، يقع اقتراح هذا الإجراء ضمن مشروع قانون المالية لسنة 2022 ممّا يؤكّد أهميّته بالنّسبة لإدارة الجباية.

وبكلّ موضوعية، وباستثناء السّبب السّلبي في إضافة نوع جديد من المراجعة الجبائية وذلك إلى المراجعة الجبائية المعمّقة والمراجعة الجبائية الأوّلية، ممّا سيثقل كاهل المطالب بالضّريبة بالمراجعات الجبائية، إلاّ أنّ المراجعة الجبائية المحدودة المقترحة يمكن أن تساعد المؤسّسة الاقتصادية على تحقيق ثلاثة أهداف أساسية.

ويتمثل الهدف الأول في تجنّب وجود مصالح المراقبة الجبائية بالمؤسّسة لمدّة طويلة، لأنّ المدّة القصوى للمراجعة الجبائية المحدودة لا تتجاوز الشّهر على أقصى تقدير ولفترة لا تتجاوز السّنة عوضا عن 4 سنوات حاليا.

أما الهدف الثاني فيتمثل تخفيف العبء على المؤسّسة لكي لا تكون ملزمة لوضع مكتب على ذمّة مصالح الجباية لمدّة طويلة في صورة وجود مراجعة جبائية معمّقة بينما يعنى الهدف الثالث بتمكين المؤسّسة من استرجاع فائض الأداء في أسرع الآجال، باعتبار أنّ المراجعة الجبائية المحدودة يمكن أن تكون موّجهة للتّثبت من صحّة فائض الأداء حتّى يتسّنى لها إرجاعه خلال مدّة قصيرة

هـل تتماشى الإجراءات المقترحة مع الوضعية الاقتصادية للبلاد؟

في حقيقة الأمر، لم تتضمن النسخة الأولية لمشروع قانون المالية لسنة 2022 إجراءات هامّة يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي على الوضع الاقتصادي المترّدي والذّي تفاقم أكثر خلال العشرية الأخيرة.

وكان من المنتظر الفروض سنّ إجراءات تهدف إلى دفع الاستثمار وخلق مواطن شغل إضافية وذلك لحثّ المستثمرين في الدّاخل وفي الخارج على الإقبال على إنجاز المشاريع التّي يمكن أن تضع حدّا للركود الاقتصادي المتواصل على مدى سنوات طويلة

وإلى جانب إعطاء الدّفع اللاّزم للاستثمار، أصبح من الضّروري تفعيل النّصوص القانونية التّي تمّ سنّها ولكنّها بقيت معلّقة و ذلك لعدم إصدار النّصوص التّطبيقية أو تسهيل الإجراءات و ذلك كما هو الشّأن بالنّسبة للقانون المتعلّق بالشّراكة بين القطاعين العامّ و الخاصّ و للقانون المتعلّق بتحسين مناخ الاستثمار.

و من جهة أخرى، إنّ الإقبال على القيام بالاستثمارات الهامّة لدفع عجلة النّمو مرتبط كذلك بتحسين مناخ الاستثمار و ذلك بتجاوز الوضع السّياسي الحالي الذّي كبّل المستثمرين وبمبادرة الدّولة للقيام ببعض المشاريع الهامّة لتكون قاطرة حقيقية للقطاع الخاصّ وباستتباب الأمن حتّى يشعر المستثمر بالأمان و بأنّه في منأى عن كلّ تجاوزات أو اضطرابات اجتماعية يكون لها تأثير سلبي على سير نشاطه في ظروف مريحة.

إجمالا ما هو تقييمك لهذا المشروع من حيث مواطن الضّعف و مواطن القوّة؟

في المطلق، يمكن القول بأنّ مشروع القانون في حاجة أكيدة إلى المراجعة و الإثراء و ذلك بتشريك الخبراء المختّصين في هذا المجال و بالتّحديد عرضه على أنظار المجلس الوطني للجباية و كذلك الهياكل المهنية و على رأسها الإتّحاد العامّ التّونسي للشّغل و الإتّحاد التّونسي للصّناعة و التّجارة و الصّناعات التّقليدية، لكي يشمل هذا المشروع الإجراءات التّي من شأنها أن تعطي الدّفع اللاّزم للاستثمار و تمكين الباعثين الشّبان من القروض بشروط ميسّرة و مواصلة تعصير إدارة الجباية و ذلك للتّخفيض من العبء الجبائي و تسهيل الإجراءات الجبائية من ناحية، و حثّ المطالبين بالضّريبة على القيام بواجبهم الجبائي وتسريع نسق استخلاص الدّيون الجبائية المثقلّة لدى قباضات المالية من ناحية ثانية.

و لعلّ من أهمّ الإجراءات التّي يمكن اقتراحها هو سنّ عفو جبائي حسب شروط موضوعية تتمثّل في التّخلي عن خطايا التّأخير مقابل ضبط رزنامة دفع تأخذ بعين الاعتبار أهمية الدّيون المثقلّة مع إمكانية توزيع أقساط الدّفع على مدّة عشر سنوات عوضا عن مدّة خمس سنوات فقط.

إلى ذلك التّخلي عن 50% من الضّريبة على الشّركات أو الضّريبة على الدّخل ولكن شريطة الالتزام باستعمال المبالغ المتخلّى عنها للقيام بمشاريع في قطاعات منتجة أو خلق مواطن شغل إضافية.

و سيساهم هذا الإجراء بصفة فعلية في توفير موارد جبائية إضافية لتمويل ميزانية الدّولة باعتبار أنّ الدّيون المثقلّة لدى قباضات المالية تناهز 10 مليار دينار، في حين أنّ الدّيون القابلة للاستخلاص تقدّر بـــ 5 مليار دينار .

و من ناحية أخرى، سيمكّن عديد المطالبين بالضّريبة من تسوية وضعيتهم الجبائية و ذلك لاجتناب العقل و الاعتراضات الإدارية التّي يقوم بها السّادة قباض المالية لاستخلاص هذه الدّيون.

حوار مهدي الزغلامي

تم النشر في 02/11/2021