يأمل التونسيون أن تتحسن أوضاعهم المعيشية بشكل جذري والخروج من الازمة الاقتصادية والمالية الخانقة، متطلعين، إثر انتهاء التصويت على الدستور الجديد للبلاد الذي طرحه الرئيس قيس سعيد يوم 25 جويلية 2022 للاستفتاء، الدخول في مرحلة جديدة تقطع مع عشرية وصفوها بالسوداء لم تعرف خلالها توس سوي المآسي الاقتصادية والاجتماعية.
وتشكو تونس في السنوات الأخيرة من الازمات السياسية والاضطرابات الاجتماعية، ما أثر جليا على أداء المؤشرات الاقتصادية الكلية بتراجع اهم رافعات الاقتصاد التونسي المرتكز أساسا على السياحة والتصدير والانتاج الفلاحي والصناعات المعملية.
رغبة في التغيير
وأمام تأزم الأوضاع السياسية ودخول البلاد في أزمة اقتصادية ومالية عصفت بكل المؤشرات الى حد تعدد الاطروحات والمقاربات التي تتحدث عن إمكانية إفلاس تونس، أقدم الرئيس قيس سعيد في 25 جويلية من العام الماضي على إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتعليق عمل البرلمان ثم حله في أواخر العام السابق ووضع خارطة طريق سياسية أهمها استفتاء على مشروع دستور جديد في 25 جويلية 2022 واجراء انتخابات برلمانية سابقة لأوانها في 17 ديسمبر 2022
قبول بالدستور الجديد
على الرغم من موجة الرفض من عدد من الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية أظهرت نتائج الاستفتاء قبول التونسيين بمضامين الدستور الجديد الذي يمنح الرئيس قيس سعيد سلطات كبيرة في المسك بمقاليد البلاد.
ويرى العديد من التونسيين وجوب العودة الى النظام الرئاسي بعد فشل النظام البرلماني المعدل لأكثر من عشر سنوات حققت فيهم تونس نتائج اقتصادية واجتماعية سلبية وتأخرت كثيرا على درب تحقيق الازدهار والرخاء للمواطنين.
اعتماد مقاربات جديدة
اعتبر أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي ان الدستور الجديد الذي سيؤسس لجمهورية جديدة من المفروض ان يؤسس لمقاربات اقتصادية جديد تتماشى والمرحلة المقدمة عليها تونس في الفترة القادمة.
ويعتقد في تصريح "للبورصة عربي" انه من الضروري الابتعاد عن المقاربات المحاسباتية التي طغت على الحكومات في العقد الأخير والتعويل على مقاربات اقتصادية واجتماعية بحتة قصد تحقيق الثروة والنمو الحقيقي.
وتابع بالقول" المقاربات المحاسباتية الصرفة أوصلت البلاد الى تسجيل نتائج كارثية ولم تحقق الأهداف المرجوة منها بل اقتصرت هذه المقاربات على حلول ظرفية محددو بالوقت والزمن".
واستدل في هذه الخصوص على المقاربة التي تم اعتمادها في السابق في اصلاح القطاع العام بالحرص على التقليص من كتلة الأجور من الناتج الداخلي الخام بالاعتماد على مقاربة محاسباتية صرفه بتجميد الأجور والحال انه في حال التعويل على الترفيع من النمو واستعادة قيمة العمل فان الناتج المحلي سيرتفع ولم يعد اللجوء الى تجميد الأجور. واكد أن المرحلة الجديدة من المفروض ان تتطلب الإصلاحات الاقتصادية قبولا شعبيا واسعا.
ومن جانب اخر رجَح رضا الشكندالي انه يتعين انتظار معدل عاملين كاملين لتنزيل مضامين الدستور الجديد بتحويلها الى نصوص قانونية على ارض الواقع وهو ما سيجعل المستثمرين التونسيين كما الأجانب يتريثون الى حين وضوح الرؤية والحال ان وضعية تونس الاقتصادية لا تحتمل مزيد الانتظار من وجهة نظره.
وختم بالقول "الوضعية الاقتصادية الصعبة والمعقدة تتطلب من الرئيس قيس سعيد الماسك بزمام السلطة حاليا، الاسراع بإمضاء اتفاق مع صندوق النقد الدولي لتنفرج الأمور قليلا وفتح الطريق امام الحصول على التمويلات الأجنبية".
توقع بلوغ اتفاق مع صندوق النقد الدولي
وربط محمد صالح العياري الخبير في الجباية وعضو اللجنة الاستشارية الاقتصادية لإعداد مشروع الدستور الجديد، التصويت على الدستور الجديد لتونس بمسالة رآها جد مهمة وهي الثقة في رئيس الدولة وفي مشروعه لتونس على الرغم من حملة التشكيك في نتائج الاستفتاء.
وشدد "للبورصة عربي" على ان مرحلة ما بعد الاستفتاء ودخول الدستور الجديد حيز التطبيق سينجر عنه إمكانية بلوغ اتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي تذمر طوالا من الفراغ السياسي الحاصل في البلاد ووجود مخاطب وحيد وهو رئيس الدولة الذي سيكون الضامن لتنزيل الإصلاحات على ارض الواقع.
ومن التغييرات المنتظر ملاحظتها في تونس في الفترة القادمة، وفق المتحدث، التراجع الكبير لحجم الفساد في العامين القادمين الذي استشرى في تونس في العشرية الماضية علاوة على قطع" أجنحة" لوبيات الرشوة والفساد التي أطبقت على البلاد وجعلتها تتراجع في مراتب الشفافية والنزاهة.
وعلى صعيد الاستثمار قال محمد صالح العياري إن المشهد الاستثماري في تونس سيتغير إيجابيا في الفترة القادمة بتنزيل مضامين ومحاور الدستور الجديد بمزيد ترسيخ العدالة والشفافية، ما سيعيد الثقة في مناخ الاعمال في البلاد كاشفا ان العديد رجال الاعمال في السابق تعرضوا الى الابتزاز والضغط عليهم من اجل تمويل الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية النفاذة في البلاد.
وفي سياق متصل اعتبر أن ترسيخ قضاء عادل وناجز من شأنه ان يساعد على جذب الاستثمارات الخارجية وتشجيع الاستثمار الداخلي على حد السواء. وخلص بالتأكيد على حصول ديناميكية جديدة في البلاد في اتجاه النهوض بالاستثمار واحداث مواطن الشغل.
جدل حول دسترة الاقتصاد
المتأمل أن المشروع الجديد لم يخصص بابا للمسالة الاقتصادية وللحقوق الاقتصادية في فترة تمر فيها تونس بأزمة اقتصادية خانقة وسط تكرر الطلبات بوجوب انجاز منوال تنموي جديد يقطع مع المنوال السابق الذي بلغ حدوده.
وكان من المفروض ان يخصص مشروع الدستور الجديد بابا لدسترة الاقتصاد ومزيد توضيح الرؤى والمبادئ الاقتصادية في ظل ما تعرفه تونس من مخاض اقتصادي وتخبط في العديد من الملفات الحارقة والوجوب القطع مع العديد من القضايا الحرقة على غرار التنمية المستديمة والبيئة والطاقات المتجددة.
وسبق نشر الدستور جدل وتاسع في تونس حول دسترة الاقتصاد والحقوق الاقتصادية من طرف العديد من الهبراء والمختصين في القانون الدستوري بين مؤيد لوجوب دسترة الاقتصاد وبين ما اعتبر ان الاقتصاد متحرك متغير وان الدستور يتضمن ابوابا وفصولا لمدة لا تقل عن ثلاثة او أربعة عقود.
فصول متفرقة
اقتصرت المسالة الاقتصادية في مشروع الدستور الجديد على بعض الفصول المسائل المتناثرة والموزعة على بعض الفصول من دون تخصيص باب في الغرض.
ولقد جاء في توطئة مشروع الدستور الجديد بعض الاشارات للملف الاقتصادي حيث تم التنصيص "اننا ونحن نقر هذا الدستور الجديد، مؤمنون بأن الديمقراطية الحقيقية لن تنجح إلا إذا كانت الديمقراطية السياسية مشفوعة بديمقراطية اقتصادية واجتماعية، وذلك بتمكين المواطن من حقه في الاختيار الحر، ومن مساءلة من اختاره ومن حقه التوزيع العادل الثروات الوطنية".
وجاء في التوطئة ايضا "كما نجدد التأكيد على أن النظام الجمهوري هو خير كفيل للمحافظة على سيادة الشعب، وتوزيع ثروات بلادنا بصفة عادلة على كل المواطنين والمواطنات. وإننا ستعمل ثابتين مخلصين على أن تكون التنمية الاقتصادية والاجتماعية مستمرة دون تعثر أو انتكاس في بيئة سليمة تزيد تونس الخضراء اخضرارا من أقصاها إلى أقصاها، فلا تنمية مستمرة دائمة إلا في بيئة سليمة خالية من كل أسباب التلوث".
ونص الفصل الخامس عشر " أداء الضرائب والتكاليف العامة واجب على كل شخص على أساس العدل والإنصاف وكل تهرب ضريبي يعتبر جريمة في حق الدولة والمجتمع".
واضاف الفصل السابع عشر " تضمن الدولة التعايش بين القطاعين العام والخاص وتعمل على تحقيق التكامل بينهما على قاعدة العمل الاجتماعي. وفي الاثناء تتواصل أسعار جل المواد وخاصة الغذائية منها صعودها الهام وسط ارتفاع كبير لنسبة التضخم 8.1 بالمائة وفقدان عدد من المنتوجات الاستهلاكية مع توقع ان يقوم البنك المركزي التونسي بتعديل جديد لنسبة الفائدة المديرية لتطويق نسبة التضخم الاخذة في الارتفاع.
مهدي الزغلامي
تم النشر في 03/08/2022