version française ilboursa

ماذا تغيَر اقتصاديا في تونس بعد عام من تسلم نجلاء بودن مقاليد الحكومة ؟

مضى حوالي عام كامل على أداء رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن رمضان (11 أكتوبر 2021/ 11 أكتوبر 2022) أداء اليمين الدستورية رفقة حكومتها امام رئيس الجمهورية قيس سعيد كأول رئيسة لحكومة دولة افريقية وعربية في فترة تعرف تونس ازمة اقتصادية ومالية حالكة اتسمت بضعف جل المؤشرات الاقتصادية للبلاد.

ومنذ اخيارها من طرف رئيس الجمهورية قيس سعيد في 29 سبتمبر2021 استبشر التونسيون بهذا التعيين الاعتباري والرمزي، املين في ان تتحسن على يدها أوضاع البلاد والخروج من النفق المظلم الذي دخلته البلاد بما وصفوه العشرية السوداء في إشارة الى حكم الإسلام السياسي للبلاد بعد 2011

ونجلاء بودن رمضان، من مواليد 1958 (63 عاما) أصيلة ولاية القيروان و هي أستاذة تعليم عالٍ في المدرسة الوطنية للمهندسين مختصّة في علوم الجيولوجيا، وكانت تشرف على خطة لتنفيذ برامج البنك الدولي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، قبل تكليفها بمهمتها الجديدة.

وعند تعيين الرئيس التونسي قيس سعيد المهندسة نجلاء بودن رمضان رئيسة للوزراء، لتصبح أول امرأة تشغل هذا المنصب في تاريخ تونس، طلب منها أن تكون أولوية حكومتها مكافحة الفساد وإعادة الأمل للتونسيين، قائلا "قررت تكليفكم بتشكيل حكومة جديدة وسيكون هذا لأول مرة في تاريخ تونس، لأول مرة ستتولى امرأة رئاسة الحكومة، وسنعمل معا بإرادة وعزيمة ثابتة للقضاء على الفساد والفوضى التي عمت الدولة".

اقتصاد منهك وعليل

واستلمت نجلاء بودن مقاليد تسيير البلاد في حالة يتسم فيها الوضع الاقتصادي ويعاني منذ عقد من الزمن بسبب غياب الاستقرار السياسي الذي لا يزال يضعف رغبة المستثمرين والمانحين الدوليين في دفع الأموال. وبلغ معدّل النمو الاقتصادي في البلاد سنويا ما بين 2010 إلى 2020 حوالي 0,6في المئة.

وبسبب الجائحة، حصل في العام 2020 انكمش الاقتصاد بنسبة 8.8 في المئة، فضلا عن تأثر قطاع السياحة الذي كان يمثل 14 في المئة من الناتج الداخلي الخام والذي تضرّر بشكل كبير. 

ماذا تغير بعد عام من عمل بودن؟

ولكن إثر مرور عام كامل عن اعتلاء نجلاء بودن مقاليد تسيير البلاد فإن السؤال الحارق الذي يتبادر الى ذهن عموم التونسيين والمختصين هل تغيرت أحوال البلاد وهل تحسنت الأوضاع الاقتصادية لتونس؟

عدد من المختصين والعارفين بالشأن المالي والاقتصادي اجمعوا على ان رئيسة الحكومة نجلاء بودن لم تنجح في المهمة التي أتت من اجلها بل ان أوضاع تونس الاقتصادية واصلت في الانحدار ببلوغ مستويات يقول عنها التونسيين "مخجلة" وغير مرضية بدليل طوابير المواطنين امام المخابز والمحلات التجارية لاقتناء المنتوجات الغذائية الأساسية المفقودة واخرها طوابير طويلة وقوارير للحصول على بضعة لترات من البنزين.

بعض من المختصين الذين حاورتهم "البورصة عربي" قالوا ان حكومة نجلاء بودن فشلت في مهمتها بل ان الازمة في فترة حكمها استفحلت أكثر وان البلاد تتجه الى مصير مجهول.

فشل ذريع

رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية يقول إن رئيسة الحكومة نجلاء بودن فشلت فشلا ذريعا في معالجة الملفات الاقتصادية الحارقة التي تمر بها البلاد. واكد ان رئيسة الحكومة التونسية وعلى امتداد عام كامل لم تدر الشأن الاقتصادي بالشكل المطلوب بل ان تونس غرقت أكثر في المشاكل الاقتصادية والمالية بدليل ان مجمل المؤشرات الاقتصادية والمالية تراجعت بشكل لافت.

واستدل في هذا الصدد على ان عدد المشاريع التي أعلنت عنها الهيئة العامة لاستثمار وصل الى خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذه السنة الى 14 مشروعا اجنبيا فقط ملاحظا انه رقم هزيل جدا يعكس ضبابية الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد.

وتابع تفسيره بان الاستثمار الخاص تراجع الى اواخر أغسطس (اب) بنسبة 24 في المئة بالإضافة الى التراجع البارز للاستثمارات الفلاحية من 4039 مليون دينار الى 383 مليون دينار.

وتحدث الشكندالي عن غياب بوصلة في أداء الفريق الحكومي على امتداد عام كامل لم يعرف خلاله إدارة الازمات الاقتصادية التي لا تزال تعصف بالبلاد مرجعا ذلك الى غياب برنامج اقتصادي متكامل يأخذ بعين الاعتبار التطورات السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية.

أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية انتقد سياسة حكومة نجلاء بودن في تعاطيها مع صندوق النقد الدولي معتبرا ان الغاية الأساسية للحكومة هو الحصول على التمويل المالي بقدر ما تبحث عن رسم برنامج اقتصادي واضح يخرج تونس من أزمتها الاقتصادية الاخذة في التعمق.

غياب اليقظة والاستشراف

وعما إذا كانت تداعيات ازمة كوفيد وحصول النزاع الروسي الاوكراني لم تخدم نجلاء بودن في تنفيذ برامجها الإصلاحية شدد رضا الشكندالي على انه مان من الضروري ان تعد برنامج بديل يأخذ بعين الاعتبار هذه التطورات عبر تفعيل برامج اليقظة والاستشراف تحسبا لهذه المتغيرات الجيو استراتيجية.

وقال ان حكومة نجلاء بودن تدير الشأن العام وخاصة الشأن الاقتصادي اليوم بيومه من دون تخطيط ان استباق الاوضاع بدليل اعداد قانون مالية بفرضيات خاطئة لم يقع الى الان تعديله.

ولئن يعتقد المتحدث ان رئيس الجمهورية ما انفك يتطرق الى الخطر الداهم الذي دفعه بإقرار إجراءات وتدابير استثنائية منذ 25 يوليو (تموز) 2021 فان الخطر الداهم الحقيقي من وجهة نظر الشكندالي يتمثل في الأوضاع الاقتصادية المتعكرة والهزات المالية المتواصلة.

ومن مظاهر فشل الحكومة الحالية في إدارة الشأن الاقتصادي ارتفاع الأسعار والأخطر من وجهة نظره غياب العديد من المواد الأساسية في السوق او صعوبة التزود بها الامر أدى الى سخط المواطنين وعدم رضاهم عن الوضع على غرار ما يحصل في هذه الفترة من تسجيل طوابير امام محطات بيع المواد النفطية في ظل صعوبة تزود الشركات الحكومية بهذه المنتوجات من المزودين العالميين.

غياب الإنجازات والثقة

عبد الرحمان اللاحقة أستاذ الاقتصاد بالمعهد العالي للتصرف بتونس قال إنه عادة النتائج المسجلة مرتبطة بالبرامج والقرارات المتخذة لكن حكومة نجلاء بودن لم تسجل في نظرة أي انجاز يحسب لها في المجال الاقتصادي ولا حتى في المجال الاجتماعي بغض النظر عن الاتفاق في الزيادة في أجور الموظفين.

واكد انه كانت هناك إصلاحات عاجلة كان بالإمكان اتخاذها في الظرف الذي تم به البلاد والتي خرجت منهكة من ازمة كوفيد غير ان الحكومة الحالية ظلت عاجزة عن اتخاذ القرار المناسب. يرى عبد الرحمان اللاحقة انه مع حكومة بودن غابت ثقة المواطن والمستثمر بشكل لافت بدليل ما تعرفه البلاد حاليا من ازمة لافتة في الحصول على المواد الأساسية الضرورية وغياب شبه كلي للاستثمارات الخاصة بسبب الضبابية وعدم وضوح الرؤية السياسية في البلاد.

ومن دلائل عجز الحكومة في تطبيق قراراتها انها النت في شهر ابريل (نيسان) من هذه السنة على اتخاذ أكثر من 50 اجراء لتسهيل مناخ الاعمال والتقليص من ثقل القيود الإدارية لكن هذه القرارات ظلت حبرا على ورق ولم يقع تفعيلها الى الان. ولفت أستاذ الاقتصاد والتصرف الى ان حكومة نجلاء بودن واصلت في نفس سياسات الاقتصادية للحكومات السابقة بل ان الوضع الراهن قد تعمق أكثر في أكثر والدخول في ازمة اقتصادية مركبة جدا، مشيرا الى غياب حقيقي لإصلاح الضريبة وتنشيط الاقتصاد.

وخلص الى ان حكومة نجلاء بودن صامتة وأنها سياستها الاتصالية المتبعة خاطئة بعدم مصارحة الشعب التونسية حول حقيقة الأوضاع الاقتصادية لا سيما في ملف تعهداتها مع صندوق النقد الدولي بشان الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية المزمع تنزيلها معبرا عن تخوفه من ان تكون هذه الإصلاحات جد موجعة للشعب التونسي.

مهدي الزغلامي 

تم النشر في 17/10/2022