إثر بلوغ الاتفاق المبدئي بين تونس وصندوق النقد الدولي في 15 أكتوبر 2022 لمنح البلاد قرضا بقيمة 1.9 مليار دولار لمدة 48 شهرا من أجل مساندة السياسات الاقتصادية للبلاد، انصرفت وزارة المالية إلى إعداد مشروع قانون المالية ومشروع ميزانية العام القادم التي تأخر اعدادها بسبب انتظار مآل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي عولت حكومة تونس عليه من أجل بناء فرضيات إعداد موازنة عام 2023.
ووفق المعطيات المتوفرة شرعت الحكومة وخاصة وزارة المالية في ضبط ملامح ميزانية العام المقبل والإجراءات الجبائية المزمع اتخاذها التي تثير تخوفات المختصين وعموم المواطنين خاصة في علاقة بالشروع في رفع الدعم عن المحروقات وإقرار زيادات في عدد من المواد والاقتراب أكثر من حقيقة الأسعار العالمية، وذلك في إطار التزام الحكومة وتعهداتها مع صندوق النقد الدولي بالشروع الفعلي والحقيقي في القيتم بالإصلاحات الاقتصادية المتفق بشانها.
تكتم شديد
دعت وزيرة المالية سهام نمصية بوغديري الى انعقاد المجلس الوطني للجباية يوم الجمعة 28 أكتوبر 2022 من اجل النظر في مشروع قانون المالية لسنة 2023 وخاصة في الإجراءات الجبائية الجديدة (سواء بإقرار اعفاءات او فرض ضرائب جديدة على الشركات او المواطنين) التي ستقترحها الحكومة العام المقبل مع الاخذ بعين الاعتبار التزاماتها مع صندوق النقد الدولي بشأن الإصلاحات المزمع تنزيلها.
ولكن بالرغم من البلاغ الجاف والعام الصادر عن الوزارة بخصوص انعقاد المجلس الوطني للجباية فغان المعطيات المتوفرة تؤكد بان هناك اجراءات هامة يتم الاعداد لها من اجل تنزيلها على ارض الواقع في إطار التزامات الحكومة مع صندوق النقد الدولي.
على الرغم من التكتم الكبير من اعضاء المجلس والمعلومات الشحيحة فانه من المنتظر ان تعرف تونس خلال العام المقبل قرارات هامة تهم الدعم والجباية في اتجاه توسيع القاعدة الجبائية أكثر مع اقتراح فرض ضريبة على الثروة وفق ما تسرب من معلومات اولية.
ميزانية في حدود 62 مليار دينار
وعن ملامح مشروع الموازنة الجديدة للعام المقبل، يعتبر عدد من المختصين في تصريحات "للبورصة عربي" أن هامش تحرك حكومة نجلاء بودن لن يكون كبيرا بحكم التحديات الاقتصادية على الصعيدين الدولي والداخلي.
وأكدوا ان حصول تونس على اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي سيُمكن تونس من الخروج على الأسواق المالية الدولية لتعبئة الموارد المالية الضرورية لاستكمال هندسة مشروع الميزانية الجديدة وإقرار الإصلاحات اللازمة.
وبخصوص الإصلاحات المزمع تنزيلها يرى المختصون انها مرتبطة قبل كل شيء باستقرار الوضع السياسي منتقدين في الان نفسها صمت الحكومة عن نوعية هذه الإصلاحات التي التزمت بها مع صندوق النقد الدولي.
ويرون ان مشروع الميزانية سيكون بين إرضاء صندوق النقد الدولي ومراعاة الفئات الاجتماعية موضحين انها معادلة صعبة جدا وعلى الحكومة ان تتحلى بذكاء شديد لهروب من عاصفة اجتماعية في حال تمرير الإصلاحات الموجعة.
هذا واجمع جل الخبراء على ان مشروع الميزانية الجديدة وبحكم تزايد نفقات الدولة قد تمر من 57.2 مليار دينار في 2022 الى زهاء 62 مليار دينار في 2023 من دون الاخذ بعين الاعتبار ما سيفرزه قانون المالية التعديلي لهذا العام.
صعوبات مالية جمة
قال الخبير المحاسب والمختص في مسائل الموازنات أنيس الوهابي إن 2023 ستكون سنة صعبة على تونس معتبرا أن أي خيار سيتم اتخاذه في العام المقبل سيكون له كلفة وتأثير اجتماعي سلبي. في علاقة بالإصلاحات الموجعة على مستوى رفع الدعم عن المواد الأساسية.
وأوضح الوهابي أن صندوق النقد الدولي أقر في أحد تقاريره أن وضعية الاقتصاد التونسي والمالية العمومية غير قادرة على تغطية كل ديونها قائلا "ستكون هناك قفزة كبيرة في آجال خلاص الديون الخارجية" ما سيزيد من صعوبات البلاد المالية.
وامام تزايد نفقات البلاد إثر ما اتسم به الوضع الاقتصادي العالمي وتأثيره على الأوضاع الداخلية لتونس من شراءات خارجية للمواد البترولية والغذائية رجح المتحدث ان تزداد نفقات البلاد العام المقبل.
وتوقع في هذا الصدد ان تبلغ موازنة تونس العام المقبل في حدود 62 مليار دينار محذرا في الان نفسه من حجم ديون تونس المطابة بتسديدها العام المقبل والمقدر بنحو 25 مليار دينار بين السوقين الداخلية والخارجية.
ويعتقد الوهابي انه في ظل غياب أي برنامج لحكومة نجلاء بودن فان حجم موازنة تونس لن يقل عن 62 مليار دينار بحكم النفقات والقروض المزمع تعبئتها داخليا وخارجيا مضيفا انه في حال إقرار إصلاحات على غرار رفع الدعم عن المواد الأساسية والمحروقات فان حجم الموازنة سينخفض لكن ذلك سيكون له تكلفة اجتماعية باهظة يتوقع المختص.
وعن أهمية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي يرى انيس الوهابي ان هذا الاتفاق مهم في مسالة وحيدة وهي حصول تونس على الضوء الأخضر للخروج على الأسواق المالية لتعبئة موارد إضافية للموازنة.
وتابع بالقول" الاتفاق المالي بين تونس وصندوق النقد الدولي ضعيف من الناحية المالية لكنه مهم لتونس للخروج على الاسواق المالية العالمية وطريقة لاستعادة الثقة في تونس من طرف شركائها الاقتصاديين".
وبالمقابل تطرق إلى عنصر الاستقرار السياسي كأحد اهم شروط نجاح تونس في انجاز اصلاحاتها الاقتصادية التي خلص بالتأكيد على ان تكون هذه الإصلاحات مقبولة وان لا يرافقها اضطرابات اجتماعية.
إصلاحات جبائية ضرورية
من جهته اقترح محمد صالح العياري المستشار الجبائي وعضو المجلس الوطني للجباية أن يتضمن مشروعي الموازنة وقانون المالية للعام المقبل جملة من الإصلاحات الضريبية التي اعتبرها ضرورية لتعبئة موارد مالية ستُجنَب تونس لجوءها الى الاقتراض الخارجي.
وشدد على أهمية تحسين استخلاص الضرائب والاداءات كاشفا من موقعه ان العفو الضريبي الذي اقرته تونس خلال عام 2022 قد درَ على خزينة الدولة زهاء 1.2 مليار دينار مقابل توقعات بتحصيل 500 مليون دينار عند اتخاذ هذا القرار.
كما توقع ان ترتفع إيرادات الضرائب مع نهاية العام الحالي الى أكثر من 36 مليار دينار ما يعني وفق رايه الجهود المبذولة من إدارة الضرائب التونسية داعيا في هذا الصدد ل مواصلة الجهود في العام القادم.
كما أوصى بتضمين مشروع قانون المالية العام القادم لأحكام وفصول تقاوم بفاعلية لتهرب الضريبي الذي أضر بالتوازنات المالية لتونس من خلال استهداف المهن الحرة والمنضوين تحت لواء النظام التقديري.
ويقدر حجم التهرب الضريبي في تونس وفق محمد صالح العياري بنحو 17 مليار دينار مشددا على انه في حال التوفق في تحصيل هذا المبلغ فانه بإمكان تونس ان تتجنب الاقتراض من الأسواق المالية العالمية.
واقترح أيضا أن يتضمن مشروعي الموازنة وقانون المالية لعام 2023 لإجراءات وأحكام من شانها أن تحارب الاقتصاد غير المنظم (القطاع الموازي) الذي بلغ حوالي 40 في المئة من اجمالي الناتج الداخلي الخام لتونس (138 مليار دينار في عام 2022)
وفسر في هذا الصدد انه في صورة التوفق في إدماج القطاع غير المنظم في القطاع الحقيقي فان تونس بإمكانها ان تتنفس الصعداء وتقلل من متاعبها المالية المتواصلة.
وبوصفه عضوا في المجلس الوطني للجباية فانه سيقترح على وزارة المالية إمكانية تغيير العملة من اجل تطويق القطاع الموازي في تونس ومحاربته.
مهدي الزغلامي
تم النشر في 31/10/2022