version française ilboursa

عندما يؤخذ الوطن والتونسيون بجريرة الطبقة الحاكمة

تحمل الطبقة السياسية رصيدها من الفشل بين يديها خاصة تلك التي اقترن وجودها بالحكم وإدارة البلاد منذ 2011. ولا يمكن بأي حال تبييض حصيلة تتحدث عن نفسها بالأرقام والواقع المعيش بعد عشر سنوات من الانتقال المتعثر.

ولكن فشل الحزب الأول حركة النهضة الإسلامية كان مضاعفا، بشهادة حتى قيادييه وقواعده اليوم، فهي لم تكتف بحشر البلاد في لعبة المحاور الاقليمية بل أنها راهنت على شق اقليمي، فيهم من قدم وعودا بانتدابات بالآلاف للعمالة وفيهم من وعد بمشاريع واستثمارات وبتحويل سبخة السيجومي الى منتجع سياحي، وجاءت الوعود حتى من شرق آسيا من شركات ماليزية في 2012 متعهدة بتركيز استثمارات "حلال" في قطاعي السياحة والتغذية.

 ربما كانت لتلك الوعود الموجة للاستهلاك الإعلامي، أثر على الحزب الإسلامي وليس الوطن وعموم التونسيين، ولكنها في كل الأحوال مثلت على مدى سنوات واجهة للتعاطي مع تونس كغنيمة وساحة دسائس إقليمية لا غير. وكان يتعين على حركة النهضة الاسلامية أن تفهم أنها بسياساتها تلك كانت تزيد من توسيع الهوة مع الجزء الأكبر من التونسيين النافرين من أدبيات الإسلام السياسي، على الرغم من اعلانها الفضفاض بفصل الدعوي عن السياسي.

 لقد حصل تعنت في حشر تونس في محور بمواجهة آخر وفي كسر مبدأ الحياد الذي ظل ملازما للدبلوماسية الرسمية للدولة على مدى عقود. ولم يكن لهذا التحول ليجلب الرفاه للتونسيين بقدر ما عمق عزلتها في محيط متحرك ومعقد وبالكاد يستوعب ما يحصل مع تسونامي الربيع العربي.

والفشل كان مضاعفا في أكثر من مجال، إذ بعيدا عن احجام السلطة لسنوات عن تسوية القضايا المالية العالقة مع العشرات من رجال الأعمال، فإن الفشل كان مدمرا حتى في استثمار التمويلات والمساعدات المتأتية من شركاء تونس الدوليين ولا سيما الاتحاد الاوروبي الذي قدم لتونس ما يناهز 10 مليار أورو ما بين 2011 و2018 لم يكن لها أي أثر في تغيير مجرى حياة الناس أو تطوير البنية التحتية في قطاعي التعليم والصحة المنهارين، ناهيك ان أغلب المشاريع المستكملة تعود الى سنوات ما قبل الثورة.

فشل حركة النهضة والأحزاب الحليفة في الحكم كان مدمرا أيضا للإدارة بدليل الإغراق غير المبرر لقطاع الوظيفة العمومية بالآلاف من الموظفين في خلال سنوات قليلة، وفشل الحكومات التي صعدت من رحم البرلمان وبدعمه في وضع أي اصلاحات جدية أو تحسين ظروف عيش الناس، ليس أقلها الفشل -أو التغاضي- في محاربة المضاربين والمحتكرين للسلع مكتفية بلعب دور المتفرج أمام انفلات الأسعار والغلاء الفاحش.

إن الجدل الدائر بشأن مدى سلامة الاجراءات الدستورية التي توخاها الرئيس قيس سعيد في قلب الطاولة على جميع الخصوم، لا تخفي حقيقة ان تونس كانت دائما على شفا الخطر الداهم ليس فقط بسبب الانهيار الاقتصادي وسياسات الترقيع ولا ايضا بسبب تتالي الضربات الارهابية واتساع حاضنة الارهاب في وقت ما في الداخل، وإنما بصناعة نظام سياسي هجين بدأ الترتيب له منذ 2011، ومع دستور حمال أوجه لا يمكنه في السياق الجديد وفي التغييب المتعمد للمحكمة الدستورية، إلا أن يكون عامل أساسي في تشتت الدولة وضرب السلطات لبعضها البعض بدل أن تراقب السلطة للأخرى.

ما يحصل في تونس لا يختلف كثيرا عن مصير الجمهورية الثالثة في فرنسا وأسباب ما آلت إليه، إذ ليس هناك من طرف يتحتم لومه في احتكار الرئيس قيس سعيد السلطات اليوم بحكم التدابير الاستثنائية وموازين القوى وشرعية الشارع، غير الأحزاب التي اؤتمنت على الانتقال الديمقراطي ودارت في فلك الحكم على امتداد عقد.

أما فيما يخص التدابير نفسها فإن ما قد يحصل في مدة الثلاثين يوما وما سيليها هو المحدد لنوايا الرئيس، إن كان الأمر يتعلق بتصحيح مسار أم باختطاف جديد لمؤسسات الدولة.

طارق القيزاني

صحفي تونسي مستقل

تم النشر في 02/08/2021