version française ilboursa

عبد الرزاق حواص : حوالي 8 آلاف صاحب مؤسسة موقوفون في السجن لعدم قدرتهم على خلاص ديونهم

اظهرت بيانات حديثة أن النسيج الاقتصادي التونسي يتشكل من أكثر من 740 ألف مؤسسة متوسطة وصغرى تواجه معظمها مخاطر التعثر وصعوبة النفاذ إلى التمويل البنكي. وحسب احصائيات اعدتها الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة أعلنت 130 ألف مؤسسة صغرى ومتوسطة مؤخرا افلاسها فيما قدرت مواطن الشغل التي خسرها القطاع الخاص في تونس اثر جائحة كورونا حوالي 270 ألف موطن عمل.

يؤكد الناطق الرسمي للجمعية عبد الرزاق حواص في حوار جمعه مع "البورصة عربي" أن دفتر الشيكات بات اليوم هو الأداة الوحيدة للدفع والتمويل بالنسبة لأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة غير أن ارتفاع مخاطر التعثر المالي والعجز عن خلاص الديون يدفع بالعديد منهم إلى مواجهة قضايا الشيك دون رصيد.

وكشف حواص ان المحاكم التونسية اليوم لديها مخزون من قضايا الشيكات دون رصيد تقارب المليوني قضية ويقبع حوالي 8 آلاف صاحب مؤسسة في السجن لعدم قدرته على خلاص ديونه والتزاماته فيما فر حوالي 10 آلاف شخص جراء تورطه في قضايا شيكات دون رصيد.

يبدو أن ازمة كورونا أثرت بشكل جلي على المؤسسات الصغرى والمتوسطة وهو ما يبرز في الاحصائيات التي قدمتموها حول المؤسسات التي أفلست ومواطن الشغل التي خسرتها هذه المؤسسات والتي اعتبرها البعض صادمة؟

فعلا مثلت المؤسسات الصغرى والمتوسطة أكثر المؤسسات تضررا عقب ازمة الكوفيد-19 فقد أعلنت حوالي 130 الف مؤسسة افلاسها، يضاف إليها حسب جرد نقوم به حاليا حوالي 12 ألف سينضافون إلى هذه القائمة، كما أن تقرير مكتب الدراسات Ernest & Young أشار الى أن 63 بالمائة من المؤسسات الصغرى والمتوسطة ستندثر بعد الكوفيد، هذا وجب التنويه إلى أن المؤسسات الصغرى والمتوسطة تمثل حوالي 95 بالمائة من النسيج الاقتصاد التونسي.

كما أشار ذات التقرير إلى أن عديد المؤسسات التي بقيت صامدة بعد الكوفيد لن تتجاوز السنتين وذلك بحكم اقدام أصحابها على بيع ممتلكاتهم ومكاسب عينية لوضعها على ذمة مؤسساتهم إلا أن الانتاجية شبه منعدمة وهو ما يرجح امكانية اعلان افلاسهم في ظرف سنتين.

وكنا قد قدمنا دراسة سنة 2020 حذرنا فيها من أن 54 بالمائة من المؤسسات الصغرى والمتوسطة ستفلس جراء تداعيات الكورونا، كما توقعنا الوصول إلى نسبة بطالة تقارب 30 بالمائة بعد سنة 2021.

ما هي اهم "الامراض" التي تعاني المؤسسات الصغرى والمتوسطة ؟

اشير اولا إلى أن مشاكل المؤسسات الصغرى والمتوسطة بدأت منذ 2011 وبقيت تتراكم لتتعمق أكثر مع ازمة الكوفيد-19 هذه المشاكل وتضاعفها وتزيد من تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية.

وحسب اعتقادي بدأت المشاكل الحقيقية لأصحاب المؤسسات منذ اصدار قانون البنك المركزي لسنة 2016 والذي حدد قيمة المبلغ خارج الرصيد ((dépassement الذي يمكن أن تمنحه فروع البنوك لأصحاب المؤسسات بـ5 ألاف دينار فقط بعد ان كان مسموحا له أن يتحصل على مبالغ تتجاوز الـ10 ألف دينار سابقا لتسيير بعض الشؤون الطارئة أو خلاص المزودين.

واصبحت المؤسسات الصغرى والمتوسطة تعمل و"تحارب" اليوم فقط لتتمكن من مواصلة العيش عبر خلاص ديونها والتزاماتها مع المزودين خاصة وأن أصحاب هذه المؤسسات لا يملكون رأس مال كبير يمكنهم من مواجهة المخاطر العالية ولا يسمح لهم بالحصول على تمويل من البنوك.

يجمع اصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة أن مكمن الداء اليوم يتمثل في مشكلة الشيكات هل من تفسير؟

فعلا اليوم بات دفتر الشيك هو الطريقة الوحيدة لتمويل أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة، فمثلا المزود لا يفتح حساب لصاحب مؤسسة لاقتناء البضائع والمستلزمات إلا بشيك ضمان ليتمكن من خلاصها بالمؤجل.

المشكل هنا أنه مع تحديد قيمة المبلغ خارج الرصيد ((dépassement الذي يمكن أن تمنحه فروع البنوك فان صاحب المؤسسة لم يعد قادرا على تغطية المصاريف وخاصة تغطية الشيكات التي يصدرها وقد تعمقت أزمة عدم خلاص الشيكات مع الحجر الصحي ومنع المؤسسات الصغرى والمتوسطة من العمل وتمسك المزودين والبنوك بخلاص شيكاتهم بسبب الخوف من الوضع الاقتصادي في البلاد وهو ما أوصلنا لمرحلة الانسداد التي لم يوجد لها حل لأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة مع البنوك.

لو تقدم لنا بعض الاحصائيات حول المتورطين في قضايا الشيك دون رصيد

وزارة العدل تقول ان العدد لا يتجاوز بضعة آلاف وهنا هي تتحدث عن القضايا التي تم البت فيها نهائيا ولكن أوكد لك بناء على احصائيات موثقة فإن هناك حوالي 2 مليون قضية شيكات في المحاكم التونسية واكد بعض الخبراء ان القضاة لو قاموا بالبت في القضايا المتعلقة بالشيكات في تونس ليلا ونهار لن يستطيعوا اكمالها.

اليوم فر اكثر من 10 ألاف صاحب مؤسسة خارج حدود الوطن أغلبهم نحو الجزائر فيما تجاوز عدد الموقوفين على الشيكات حوالي 8 آلاف موقوف

لم يفهم المشرع التونسي لليوم ان العقوبات السجنية من شأنها أن تزيد نسبة الجريمة الاقتصادية ولا تخفض فيها وهنا يمكن الاستشهاد بالتجربة الفرنسية حيث وضع مجلس الشيوخ الفرنسي سنة 1990 قانون لرفع العقوبات السجنية للجرائم الاقتصادية وبالخصوص الشيك دون رصيد وقد ساهم هذا القانون في تقلص جريمة الشيك دون رصيد بـ16 بالمائة في العام الأول ثم 26 بالمائة في العام الثاني.

كما أن رفع العقوبة السجنية يساهم في انهاء ظاهرة البنوك الموازية حيث يعمد اليوم عديد المتحيلين إلى اقراض اصحاب المؤسسات التي تعاني صعوبات بنسبة فوائض عالية ويمكن العودة للمحاكم ومتابعة القضايا في هذا الشأن.

اعتبرتم أن مجلة الصرف تقف حجر عثرة أمام المستثمرين وأصحاب المؤسسات، ما هو مقترحكم في هذا الشأن؟

اليوم قوانين الصرف تسير وفقا لمجلة الصرف التي تم سنها سنة 1979 استلهاما من مجلة الصرف الفرنسية التي صدرت سنة 1945 أي منذ الحرب العالمية الثانية، وهي بالتالي مجلة قديمة لا تستجيب لمتطلبات المرحلة الراهنة وأشير هنا بالخصوص إلى أن التشريع في مجال الصرف لا يعترف بالعملة الرقمية بل أنه حين يتم حجز مبلغ بالعملة الأجنبية يعتبر حامله مخالفا للقانون.

الجمعية الوطنية للمؤسسات الصغرى والمتوسطة قدمت مجموعة من الحلول التي تساهم في ايقاف النزيف والخروج من الأزمة المالية لو تقدمها لنا؟

فعلا قدمنا مجموعة من الحلول اللازمة والعاجلة لعل اهمها الإسراع بسن إجراءات العفو الجبائي على المؤسسات الصغرى والمتوسطة ورفع العقوبات السجنية على المعاملات الاقتصادية وخاصة مسألة الشيكات فضلا عن ضرورة إزالة القيود الإدارية وتبسيط الإجراءات البيروقراطية على المستثمرين والمصدرين وإلغاء كراس الشروط والرخص.

ليس هناك ارادة سياسية لتشجيع اصحاب المؤسسات والباعثين الشبان فمثلا لو تتابع حجم البنوك في تونس والتي هي في حدود 23 بنك و7 بنوك غير مقيمة هي لا تساهم مجتمعة سوى بـ0.2 بالمائة في المشاريع الصغرى الجديدة التي يبعثها الشباب

في حين أن المغرب تمول 90 بالمائة من قيمة المشاريع الصغرى الجديدة، وتركيا تمول 100 بالمائة في حين يصل التمويل في بعض الدول الأوروبية إلى 120 بالمائة ذلك أنها مشاريع مجددة يمكن أن تستوعب طالبي الشغل وتحرك الاقتصاد

الاقتصاد التونسي لازال إلى اليوم مكبلا بكراسات الشروط والرخص فحتى في فترة الكوفيد وحين كانت أولوية الأولويات هي مكافحة الوباء الا أن الدولة بقيت تفرض في قوانين صارمة حتى لمن يجلب أجهزة الأوكسيجين والتنفس من الخارج.

أجرى الحوار: حسام الطريقي

تم النشر في 27/10/2021