version française ilboursa

عبد الباسط الغانمي : أصبح من الضروري مراجعة قانون الاستثمار بعد مضي حوالي خمس سنوات من دخوله حيز التنفيذ

قال المدير العام لوكالة النهوض بالاستثمار الخارجي عبد الباسط الغانمي إن اليوم وبعد مضي حوالي خمس سنوات من المصادقة على المنظومة القانونية المتمثلة في قانون الاستثمار، انه أصبح من الضروري مراجعتها وتطويرها في إطار رؤية إستراتيجية واضحة تتماشى مع أولويات تونس التنموية الرامية إلى تحسين مناخ الأعمال وتنشيط دور القطاع الخاص.

وأكد في حوار له مع موقع البورصة عربي انه يتوفر لتونس فرصة للتموقع لاستقطاب الاستثمارات الدولية خاصة منها الأوروبية في قطاعات حيوية على غرار الصناعات الصيدلانية وقطاع الأدوية اثر جائحة كورونا. كما قامت الوكالة بمراجعة أولوياتها وإعادة بلورة سياسة ترويجية قطاعية تتماشى مع المستجدات العالمية الراهنة في علاقة بجائحة فيروس كورونا. الحوار.

ما هي قراءتكم التحليلية لتراجع حجم الاستثمارات الخارجية إلى تونس بـ28.8 بالمائة خلال سنة 2020؟

بالفعل، تراجعت الاستثمارات الدوليّة المتدفقة على تونس مع نهاية سنة 2020 بنسبة 28.8 بالمائة، وهذا المنحى التنازلي يعود بالأساس إلى تأثر البلاد بالتداعيات الناجمة عن جائحة كورونا على غرار بقية دول العالم، باستثناء اقتصاديات الصين التي شهدت ارتفاعا في استثماراتها.

وهذا التراجع كان متوقعا، حيث قدّر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في تقريره الأخير لسنة 2020 عن الاستثمار العالمي أن تنخفض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر العالمية بنسبة تصل إلى 40 بالمائة سنة 2020.

وتجدر الإشارة أنّه تمّ تسجيل انخفاضا في الاستثمارات الخارجية قبل بداية الأزمة الصحية وقد أشرنا إلى ذلك منذ السداسي الثاني لسنة 2019، أين بدأنا نسجل تراجعا لتدفقات الاستثمارات الخارجية مع نهاية سنة 2019 تعمّق أكثر مع الأزمة الصحية.

ويمكن القول أنّ مردّ هذا التراجع حاليا يعود بالأساس إلى الوضع الوبائي الذي يعيشه العالم من اضطرابات في سلاسل الإنتاج وسلاسل التوزيع وتحجير السفر وغيرها.

هل تعتقدون أن نتائج السنة الماضية تترجم أن موقع تونس لم يعد موقعا جاذبا لتدفق الاستثمارات الخارجية؟

بالرغم من تراجع حركة تدفق الاستثمارات الخارجية مع نهاية سنة 2020، فإنّ تونس لا تزال تمتلك قدرة تنافسية ما يمكنها من استقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، حيث شهدت نفس السنة إحداث 517  عملية استثمار بقيمة 1213,8 مليون دينار محدثة بذلك 9630 موطن شغل جديد.

وفي هذا السياق، أعتقد أنّ الأرقام تترجم جاذبية الوجهة التونسية التي وجب تدعيمها من خلال مزيد تحسين مناخ الاستثمار وتحسين القدرة التنافسية خاصة في مجالي البنية التحتية واللوجستيك، وهي عوامل يأخذها المستثمر الأجنبي بعين الاعتبار عند نيّته القيام ببعث مشروعه في بلد ما.

لقد كشفت جائحة كورونا عن صعوبات الدول الأوروبية في التزود بالمواد الصحية من الدول البعيدة ولا سيما دول جنوب شرق آسيا، كيف يمكن لتونس أن تستغل هذه النقطة وجعلها مركزا في شمال إفريقيا في صناعات الأدوية والمواد الصيدلانية؟ وهل شرعتم فعلا في التفكير في هذه المسائل؟

بالرغم من التداعيات السلبية للأزمة الصحية على نسق الاستثمارات الأجنبية، إلا أنه هناك جانب إيجابي وجب استغلاله هو فرص تحويل جزء من الأنشطة التابعة للشركات الأوروبية من آسيا إلى جنوب حوض المتوسط بالإضافة إلى اعتزام صناع القرار خاصة في الدول الأوروبية عدم التعويل على التزود من مناطق بعيدة، كدول جنوب شرق آسيا وتحديدا الصين والبحث عن مناطق قريبة على غرار دول شمال إفريقيا، وهو ما يوفر لتونس فرصة للتموقع لاستقطاب الاستثمارات الدولية خاصة منها الأوروبية في قطاعات حيوية على غرار الصناعات الصيدلانية وقطاع الأدوية.

وقد بدأنا في تلقي طلبات واستفسارات عن بُعد من عدة مؤسسات أجنبية مختصة في صناعة الأدوية التي ترغب في دراسة الانتصاب في تونس لما تحظى به من مزايا تفاضلية لتطوير أنشطتها الاقتصادية في الفضاء الأورومتوسطي.

وأرجّح أن تتزايد هذه الطلبات عقب انتهاء الأزمة الصحية تأكيدا للدراسات الاستشرافية المنجزة على المستوى الدولي ولعمليات اليقظة على الصعيد الوطني التي أقرّت أن تونس بإمكانها الاستفادة من هذه الجائحة إثر انتهائها وأن لها حظوظا وافرة في استقطاب استثمارات دولية هامة في هذا القطاع الواعد.

ومن هذا المنطلق، تركز وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي حاليا على تكثيف عمليات الاتصال المباشر بالشركات الأجنبية على حساب عمليات الترويج العام وذلك باللجوء إلى مكاتب خبرات مختصة لمساعدتنا على تحديد فرص الاستثمار التي تعتزم القيام بها الشركات الأجنبية الكبرى في القطاعات المستهدفة، وهذا ما تمّ تدعيمه مؤخرا. 

ما هي برامج وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي لسنة 2021 في مجال استقطاب الاستثمارات الخارجية؟

تقوم وكالة النهوض بالاستثمار الخارجي على مدى 25 سنة بالترويج لتونس كوجهة للاستثمار الأجنبي المباشر، ومن مهامها مرافقة المستثمرين الأجانب لحثهم على إحداث مشاريعهم وتقديم الدعم الضروري لتذليل كل الصعوبات التي يمكن أن تعترضهم. 

وتعمل الوكالة بصفة دورية على أقلمة أنشطتها مع كل المستجدات التي يفرضها الظرف المحلي أو الدولي، وتبعا لتأثيرات جائحة كورونا، راجعت الوكالة منهجية عملها وحدّدت ثلاث أولويات تتعلق بالمحافظة على الاستثمارات الأجنبية الحالية واستقطاب استثمارات جديدة.

وتتمثل الأولوية الأولى في العمل على مساعدة الشركات الأجنبية المنتصبة في تونس على استمرارية نشاطها وتيسير عمليات التصدير لتمكينها من الوفاء بتعهداتها وتسهيل عمليات التوسعة.

وترتكز الأولوية الثانية على اعتماد سياسة نشيطة بهدف استقطاب المزيد من الاستثمارات الخارجية من خلال تدعيم عمليات الاتصال المباشر بالشركات الأجنبية، خاصة على ضوء المتغيرات التي تشهدها سلاسل الإنتاج على مستوى العالم، والعمل على وضع تونس على خارطة المستثمرين الذين يعتزمون تحويل أنشطتهم أو جزء منها إلى جنوب حوض المتوسط.

ونحن الآن بصدد الاتصال بمكاتب خبرات مختصة سواء عبر المقر الرئيسي للوكالة في تونس أو عن طريق مكاتبنا في الخارج لحثّ هذه الشركات للاستثمار في تونس واعتبارها موقعا محتملا لهذه الأنشطة المتعلقة بالقطاعات ذات القيمة المضافة العالية.

وتركّز الوكالة على عمليات الاتصال المباشر في إطار توجهاتها الإستراتيجية التي اعتمدتها منذ الثلاث سنوات الأخيرة في إطار برنامج تعاون وثيق مع مؤسسة التمويل الدولية (IFC) التابعة لمجموعة البنك الدولي والتي مكّنت من القيام بعديد العمليات الترويجية في ثلاث بلدان (كندا واليابان والصين) وساهمت في استقطاب مشاريع بقيمة 40 مليون دولار وإحداث 11 ألف موطن شغل.

وستواصل الوكالة هذا التعاون المثمر مع مؤسسة التمويل الدولية لاستقطاب مستثمرين أجانب جدد مستهدفة في ذلك الأسواق غير التقليدية لتونس، هذا دون أن تحيد الوكالة في أنشطتها عن مواصلة الترويج في بلدان الاتحاد الأوروبي بالتركيز على أهمّ مصادر الاستثمار في تونس. 

أما الأولوية الثالثة فتتعلق باعتماد الاتصال الرقمي للترويج للمزايا التفاضلية لتونس وإبراز قدرتها التنافسية وللتعريف بالفرص المتاحة للاستثمار باستهداف قطاعات معينة مثل قطاع النسيج التقني وقطاع الصناعات الصيدلانية والقطاع الرقمي وذلك من خلال تنظيم ورشات وملتقيات عن بُعد ومن خلال اعتماد الوسائل الحديثة للترويج. 

يرى العديد من المختصين بأن تعويل تونس أساسا على استقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة في قطاعات تقليدية على غرار النسيج والملابس والصناعات المعملية لم يعد مجديا وأن هناك قطاعات تكنولوجية أكثر نجاعة وذات قيمة مضافة عالية، ما هي القطاعات الجديدة التي تعتزم تونس المراهنة عليها مستقبلا وما هي الإستراتيجية المعتمدة في الغرض؟

أنجزت الوكالة في سنة 2019 دراسة تمّ من خلالها تحديد 4 قطاعات تمتلك فيها تونس مزايا تفاضلية وتتمثل أساسا في قطاع مكونات السيارات وقطاع مكونات الطائرات والقطاع الرقمي وقطاع الصناعات الغذائية، غير أنّ الأزمة الصحية التي شهدها العالم أحدثت تغيّرا على ترتيب القطاعات الأكثر جذبا للاستثمار وأفرزت فرصا جديدة.

وعلى هذا الأساس، قامت الوكالة بمراجعة أولوياتها وبلورة سياسة ترويجية قطاعية تتماشى مع المستجدات العالمية الراهنة ومع توجّهات الدّولة ضمن مخططاتها التنموية في مرحلة ما بعد كورونا وذلك بالتوجّه نحو القطاعات ذات الأولوية والتي تتميز بطابعها الاستراتيجي من حيث القدرة التنافسية العالية، ونعني بذلك القطاع الرقمي والميكاترونيك والصناعات الصيدلانية والنسيج التقني والأنشطة المتعلقة بالتطوير التكنولوجي والتجديد، إضافة إلى قطاعي الفلاحة والصناعات الغذائية.

وبقدر حرصنا على التعريف بفرص الاستثمار في هذه القطاعات الواعدة، فإنّ الوكالة تعمل في ذات الوقت على منح مكانة متميزة للقطاعات التقليدية التي وإن تراجع نشاطها بصفة متباينة في هذه المرحلة الاستثنائية المتعلقة بكوفيد 19، فإنّها حافظت على قدرتها التنافسية من خلال محتواها التكنولوجي المرتفع، ونذكر منها صناعة مكونات الطائرات والصناعات الميكانيكية والكهربائية التي شكّلت مفاتيح النجاح في تنامي عملية تدفّق الاستثمارات الأجنبية إلى تونس.

كما نعوّل أيضا في الوضع الراهن على استقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة في قطاع النسيج والملابس، خاصة النسيج التقني، الذي رغم الصعوبات يبقى أوّل قطاع في تونس من حيث عدد الشركات الصناعية الناشطة والذي يعد حوالي 1100 شركة ذات استثمار أجنبي، ما يمثل أكثر من 40٪ من إجمالي المؤسسات الصناعية الأجنبية المنتصبة في تونس. 

إجمالا، تشكل أزمة جائحة كورونا تحديا جسيما، لكنها مع ذلك تتيح فرصة فريدة للقطاعات الواعدة لإحداث تحول في منوالها الإنتاجي وتعزيز قدرتها التنافسية، كما تدعّم القطاعات التقليدية التي تعد جزءا هاما في الاقتصاد التونسي.

صادقت تونس في 2016 على قانون الاستثمار هل تعتقدون بعد مضي حوالي 5 سنوات أنه يتعين إجراء تنقيح في الغرض وما هي أهم مجالات التنقيح؟

وضعت تونس عديد البرامج الإصلاحية المشجعة للاستثمار الأجنبي لعلّ من أهمّها مراجعة المنظومة القانونية وتطويرها وإقرار إطار قانوني تحفيزي جديد للاستثمار هدفه تبسيط الإجراءات القانونية اللازمة لإحداث المشاريع والتقصير من عدد الأنشطة التي تتطلّب تصريحا حكوميا وتمكين الشركات الأجنبية من توظيف أجانب يتمتعون بالكفاءة وتسهيل ذلك، فضلا عن تيسير تحويل أموالهم إلى خارج تونس. هذا إضافة إلى المصادقة على مشروع "القانون الأفقي" لتحفيز الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال.

واليوم وبعد مضي حوالي خمس سنوات من المصادقة على المنظومة القانونية، في اعتقادي أصبح من الضروري مراجعتها وتطويرها في إطار رؤية إستراتيجية واضحة تتماشى مع أولويات بلادنا التنموية الرامية إلى تحسين مناخ الأعمال وتنشيط دور القطاع الخاص في دفع الحركة الاقتصادية، مع الأخذ في الاعتبار تطلعات جميع الشركاء وإعادة ثقة المستثمرين في الوجهة التونسية خاصة في فترة ما بعد الكورونا.

كما يجب أيضا السعي إلى وضع إستراتيجية قطاعية تتلاءم مع متطلبات المرحلة الراهنة والتأكيد في هذا الباب على إعطاء الجهات الداخلية ما تستحقه من اهتمام من خلال إبراز مكامن الثروة فيها وميزاتها التفاضلية.

ما هي أهم الإصلاحات المبرمجة في سنة 2021 في مجال تحسين مناخ الأعمال وتعزيز جاذبية تونس؟

تواصل تونس اليوم مراجعة برامج الإصلاحات لمزيد تحسين مناخ الاستثمار خاصة تلك المتعلقة بمجابهة تداعيات جائحة كورونا من خلال العمل على توفير الدعم للمؤسسات الأجنبية من جهة، والسعي إلى تعميم الرقمنة والتكنولوجيات الحديثة بصفة تدريجية في جميع المؤسسات والهياكل المرتبطة بالاستثمار بهدف تبسيط مختلف الإجراءات المستوجبة لبعث مشاريع استثمارية في تونس من جهة أخرى، فضلا عن السّعي إلى تحسين البنية التحتية بهدف تيسير بعث مشاريع استثمارية في تونس.

وتجدر الإشارة في هذا الخصوص، إلى أنّ تونس تستعد للإعلان عن الانطلاق في تنفيذ خطة الإنقاذ الاقتصادي في إطار التعاطي مع التداعيات الاقتصادية والاجتماعية بعد أزمة الكورونا وتأمين عودة النشاط الاقتصادي والشروع في الإصلاحات الكبرى.

مهدي الزغلامي

تم النشر في 08/03/2021