تشهد العلاقة بين تونس وصندوق النقد الدولي ضبابية كبيرة بعد توقف المفاوضات التي أطلقتها حكومة هشام المشيشي (المعفى من مهامه) يوم 25 جويلية 2021، وتعهدت خلالها بإجراء مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي تمس خصوصاً منظومة الدعم وكتلة أجور القطاع العام.
وقدم صندوق النقد الدولي دعماً مالياً مهماً خلال الفترة الممتدة بين 2016 و2020 قدر بـ2.8 مليار دولار ولم يتم صرف القسط الأخير منه بسبب عدم التزام الحكومة بتعهداتها، كما سبق ان للبنك أن أبرم اتفاقا سابقا مع تونس سنة 2013 بقيمة 1.7 مليار دولار.
ومن شان الوضع السياسي الاستثنائي الذي تمر به تونس بعد إجراءات 25 جويلية الماضي ان تزيد من تعثر كلي لهذه العلاقة بين تونس وصندوق النقد الدولي الذي يخير وفق بياناته وتصريحات مسؤوليه ان يتم تركيز حكومة جديدة ووضوح الرؤية السياسية في البلاد لإعادة إطلاق المفاوضات من جديد.
وتعرف تونس وضعا ماليا صعب جدا جعل هامش مناوراتها الخارجية ضئيل من اجل مزيد تعبئة الموارد المالية الضرورية لتمويل التزاماتها الخارجية وخاصة الداخلية.
ويوضح أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية رضا الشكندالي أن التعثر في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بدأ منذ انطلاقتها في ماي الفارط حيث لم تقدم الحكومة برنامجا واضحا يرتكز على أهداف كمية وسياسات واضحة تمكن من الوصول للأهداف واجراء الاصلاحات الضرورية واكتفت بتقديم نوايا ومجرد شعارات غير عملية.
ويضيف في تصريح لـ"البورصة عربي" أن صندوق النقد اشترط خلال هذه المفاوضات علاوة على البرنامج الممضى من طرف الحكومة والبنك المركزي أن يتم توسيع التوافق حول البرنامج الاقتصادي ليشمل المنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدني وأساسا الاتحاد العام التونسي للشغل لضمان اجراء الاصلاحات الضرورية في المجالات المتعلقة بالوظيفة العمومية ومنظومة الدعم واصلاح المؤسسات العمومية، وهو ما لم يحصل حسب محدثنا حيث اتجهت الحكومة للتفاوض قبل الوصول للتوافق مع اتحاد الشغل.
وكانت حكومة المشيشي قد انطلقت في مفاوضات أولية مع صندوق النقد الدولي بغرض الحصول على تمويلات بقيمته أربعة مليارات دولار، غير أن ضبابية الوضع السياسي وقرارات 25 جويلية التي انهت عمل الحكومة وعلقت أشغال البرلمان قد تثير مخاوف المسؤولين في صندوق النقد، وتجعله يتساءل عن مدى قدرة السلطات التونسية في الإيفاء بتعهداتها المالية واجراء الاصلاحات الضرورية.
وهو ما يؤكده رضا الشكندالي والذي يجزم بأن صندوق النقد الدولي وكل المؤسسات المالية الدولية وحتى الدول لا يمكن أن توقع اتفاقيات والتزامات مع بلدان لا تملك حكومات وأن أول شروطهم سيكون تشكيل الحكومة وعودة البرلمان لاستئناف المفاوضات.
وذكّر المتحدث بأن صندوق النقد الدولي أعلن بداية سريان التوزيع العام لمخصصات حقوق السحب الجديدة وهو ما سيمكن تونس من نصيب من تلك المخصصات سيكون في حدود 775 مليون دولار، مستدركا بأن هذه المخصصات لن تتحصل عليها تونس إلا بعد تشكيل حكومة وعودة البرلمان وفق اعتقاده.
وشدد على أن التمديد في الاجراءات الاستثنائية من شانه أن يعمق ضبابية المفاوضات مع صندوق النقد وان وضع خارطة طريق واضحة المعالم بات ضرورة قصوى لطمأنة المانحين الدوليين محذرا في هذا السياق بأن امكانية تخفيض التصنيف الائتماني لتونس من طرف وكالتي "ستندارد أند بورز" أو "فيتش رايتنغ" سيتسبب في اشكال كبير قد يواجه تونس وقد يصل لحدود تعليق منح القروض والتمويلات اللازمة بسبب المخاوف من قدرة تونس على الوفاء بتعهداتها والتزاماتها المالية.
وتحتاج ميزانية الدولة خلال السنة الحالية إلى تعبئة موارد مالية بقيمة 19 مليار دينار تتوزع بين اقتراض داخلي في حدود 6 مليار دينار، واقتراض خارجي بقيمة لا تقل عن 13 مليار دينار.
حسام الطريقي
تم النشر في 06/09/2021