بات القلق والتوتر يسيطران على الاف العائلات التونسية التي تعيش منذ ما يزيد عن الشهرين صعوبات مضنية في الحصول على المواد الغذائية الاساسية فُقدت من الأسواق والمحلات التجارية بشكل مفاجئ، رغم تطمينات مسؤولي وزارة التجارة على وفرة الإنتاج والمخزون.
ويتذمر عدد كبير من المواطنين من عدم توفر العديد من المواد الأساسية المدعمة وخاصة الزيت النباتي المدعم السميد والارز، مع تسجيل في ارتفاع اسعار الخبز منتقدين عجز وزارة التجارة والحكومة على لعب دورهما في توفير هذه المواد الأساسية خاصة للفئات الضعيفة مستغربين من العجز في السيطرة على المضاربات والاحتكار المتجذران في مختلف المسالك.
وبالتوازي مع اختفاء هذه المواد ونفادها من السوق التي تُعد أساسية لألاف الاسر التونسية لطهي الاكل لكون سعرها المناسب والمُدعَم من موازنة الدولة، يتعمد بعض التجار مخالفة التسعيرة الحكومية والرفع العشوائي في سعر هذه المواد، على غرار البيض والزيت النباتي والدقيق والأرز، وحتى الخبز.
وتصاعدت المخاوف في الفترة الأخيرة من اعتزام الحكومة الحالية اصلاح منظومة دعم هذه المنتوجات واعتماد الأسعار الحقيقية باعتبار ان ميزانية الدولة لم تعد تتحمل دعم هذه المواد، ما سيجعل الأسعار تقفز اكثر مع إمكانية تسجيل نفادها من مسالك التوزيع القانونية.
وتشهد عدد من المحلات التجارية في عدد من مناطق البلاد خاصة الداخلية منها طوابير من المواطنين امام المخابز من اجل الحصول على الخبز في مشهد لم يتعود عليه التونسيون منذ العديد من العقود ما يعكس وفق رأيهم الوضعية الصعبة التي وصلت اليها البلاد.
نقص ملحوظ
ومنذ بداية العام 2022 سجّلت محلات المواد الغذائية نقصًا لافتا في مواد السميد والزيت النباتي، إضافة إلى ارتفاع أسعار البيض بشكل ملفت وهو ما أزعج المواطنين وعمق مخاوفهم على قوتهم اليومي. وتشهد السوق التونسيّة منذ مدة نقصاً واضحاً في توفر بعض المواد الأساسية، مثل السميد والفرينة والبيض والزيت (المدعم وغير المدعم) رافقه ارتفاع هام في الأسعار.
إشكالية الأسعار المتدنية
وأقر مسؤول بوزارة التجارة أنّ بعض المواد الأساسية المدعمة تشهد ضغطا على غرار الزيت النباتي المدعم أو المعجنات بسبب الاستعمالات المهنية وتوجيهها لغير الأغراض المخصصة لها. وشدّد على أنّ الدولة لم تُقلَص من نفقات الدعم وحافظت على نفس الكميات المعتادة لتزويد السوق، ملاحظا في المقابل، أنّ الأسعار المنخفضة تجعل المواد الأساسية المدعمة مستهدفة من قبل المهنيين والصناعيين.
وتابع بالقول" لو خُصصت المواد للاستهلاك العائلي فقط لما تم تسجيل أي نقص" مشيرا الى ان عدد كبير من المطاعم أصبح ينافس المواطنين في التزود بهذه المواد لثمنها الزهيد ما ألهب المضاربة بها في السوق السوداء. وخلافا لما يُروج فقد أكد المسؤول الذي فضل عدم الكشف عن هويته، على أنّه لم يتمّ إقرار أي زيادة في أسعار المواد الأساسية المدعمة في الوقت الراهن.
وجوب اصلاح منظومة الدعم
وفي ظلّ الارتفاع الملحوظ لأسعار المواد الغذائية على المستوى العالمي وتراجع سعر صرف الدينار التونسي إزاء العملات الأجنبية وارتفاع تكاليف النقل البحري، فقد بات من الضروري اليوم وفق المسؤول، العمل على التسريع بإصلاح منظومة الدعم وتحويلها لمستحقيها، مضيفا أنّ المالية العمومية لم تعد تحتمل تأثير النفقات المخصصة للدعم بعد أن ارتفعت من حوالي 2000 مليون دينار خلال سنة 2007 إلى أكثر من 4000 مليون دينار خلال سنة 2021.
سيطرة لوبيات الاحتكار
ويجزم لطفي الرياحي رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (مستقلة) بان هناك نقص كبير في التزود بالمواد الغذائية الأساسية في تونس ما تسبب في حصول ضغط لافت على المحلات التجارية رافقه حالة من التوتر والغضب من عموم التونسيين الذين أنهكوا من فترة لأخرى بغياب بعض المنتوجات.
واكد "للبورصة عربي" ان النقص الحاصل في التزود وايصال المنتوجات الى المواطن سببها الرئيسي سيطرة لوبيات الاحتكار على مسالك التوزيع ما يحول دون التزود بشكل طبيعي.
وفسر هذه المسالة بان مصالح المراقبة الاقتصادية بوزارة التجارة تواصل في حجز الاف الاطنان من المواد الغذائية في عدد من المخازن والمسالك ما يعكس من وجهة نظره ان المواد متوفرة ولكنها تقفع في ايدي المحتكرين لأجل المضاربة بها وارباك السوق.
وطالب لطفي الرياحي بضرورة اصلاح منظومة مسالك التوزيع وتشديد الرقابة عليها حتى تصل المواد الى مستحقيها. وخلص الى ان السبيل الوحيدة لإنهاء حرب تموقع المضاربين هو الإسراع بن قوانين تُجرَم الاحتكار وتمنع المضاربة بقوت التونسيين.
ارتفاع المواد الأولية في الأسواق العالمية
ومن جهتها لم تنف وزيرة التجارة فضيلة الرابحي، تسجيل البلاد لاضطراب في التزود بالمواد الأساسية، ومن بين هذه المواد هي مادة المعجنات والزيت النباتي والسكر.
وقالت في تصريحات اعلامية، أن اللهفة والضغط وارتفاع الطلب دفع الى تسجيل اضطراب في التزود بهذه المواد، الأمر الذي دفع الوزارة الى القيام ببرنامج مكثف لتوزيع المواد المعنية. وأضافت الوزيرة في ذات السياق أنه وقع مؤخرا توريد 4 آلاف طن من مادة الارز لسد النقص الذي وقع في السوق.
أما بالنسبة للزيت النباتي المعلب اشارت الى أن تونس تقوم بتوريد 60 في المئة من حاجياتها " لكن المشكل يكمن في ارتفاع الأسعار العالمية والذي تطور من 800 دولار للطن الى 1500 دولار للطن ".
واعتبرت فضيلة الرابحي أن من بين الأسباب التي أدت الى تسجيل نقص في بعض المواد هو ارتفاع كلفة الدعم وارتفاع سعر البترول الذي وصل سعره الى 92 دولار في الوقت الذي اعتمدت فيه الحكومة على فرضية سعر 75 دولار في قانون المالية لسنة 2022.
ممارسات غير قانونية
واعتبرت ان الاحتكار وزيادة الطلب وارتفاع أسعار البترول والمواد الأولية في العالم هي أبرز أسباب النقص في بعض المواد الاستهلاكية الأساسية في تونس ونفادها. ولم تنف وجود ممارسات غير قانونية على غرار الاحتكار والمضاربة اللذان يساهمان في نقص الكميات وارتفاع الأسعار، مؤكدة أن مصالح الوزارة حريصة على مراقبة مسالك التوزيع وتعديل الأسعار والضرب على ايادي المحتكرين.
ودعت وزيرة التجارة المواطنين إلى التبليغ عن جميع الممارسات غير القانونية مثل الترفيع في الأسعار أو المضاربة أو الاحتكار، عبر الاتصال بالمصالح المختصة لردع المخالفين وضمان وصول المواد المدعمة لمستحقيها وبأسعارها القانونية. وخلصت بطمأنة المستهلك التونسي بمحافظة المواد الاستهلاكية المدعمة على أسعارها العادية وانه لن تقع زيادة في أسعار المواد المدعمة في 2022.
مهدي الزغلامي
تم النشر في 17/02/2022