version française ilboursa

رئيس مجلس المنافسة : حان الوقت لتعديل قانون المنافسة والأسعار

دعا رضا بن محمود رئيس مجلس المنافسة إلى إدخال تغييرات على قانون المنافسة والأسعار باتجاه مراجعة نظام العقوبات في مجال الممارسات المخلة بالمنافسة وجعله أكثر نجاعة والحرص على تنفيذ الأحكام فيما يتعلق بإيقاف الممارسات الضارة بالمنافسة من السوق.

وأكد في حوار "للبورصة عربي"، أن السنوات الأخيرة في تونس تميزت باحتدام المنافسة على المستوى الوطني والدولي نجمت عنها العديد من الممارسات التي تعتمدها المؤسسات الاقتصادية سعيا منها للاستحواذ على أكبر نسبة ممكنة من حصص السوق.

 كما نجمت هذه التغيرات التجارية والاقتصادية تحولات هامة في مستوى هيكلة السوق (تميز بعض الأسواق باحتكار القلة وهيمنة بعض المؤسسات على الأسواق).

هل من فكرة عن مجلس المنافسة ؟

مجلس المنافسة هو هيئة قضائية مستقلة تأسس بداية من سنة 1991 (لجنة المنافسة) وبتنقيح قانون المنافسة والأسعار سنة 1995 أصبح مجلس المنافسة وتوسعت صلاحياته وتركيبته.

وللمجلس صلاحية مزدوجة تتمثل في تقديم الاستشارات وإصدار الأحكام الاستعجالية أو في الأصل.

 ويتكون من 15 عضوا ويقوده رئيساً مباشرا ونائبين و4 قضاة عدليين و4 شخصيات ذات كفاءة في ميادين الاقتصاد والقانون والمنافسة والاستهلاك و4 شخصيات مارست أو تمارس نشاطها في قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات والفلاحة وحماية المستهلك.

كما يضم جهاز تحقيق يتكون من مقرر عام ومقررين يقومون بأعمال التحقيق والبحث في الممارسات المخلة بالمنافسة.

 ويصدر آراء استشارية تتعلق بمشاريع النصوص القانونية والترتيبية فضلاً عن جميع المسائل التي تتعلق بالمنافسة.

ويبدي رأيه في مطالب التركيز الاقتصادي الخاضعة لإذن مسبق ومطالب الإعفاءات مثل عقود الاستغلال تحت التسمية الأصلية أو ما يعبر عنه "الفرانشيز" وللمجلس أيضـاً مهمـة البت في الممارسات المخلة بالمنافسة، إذ يبت في الدعاوى المتعلقة بالممارسات المخلة بالمنافسة على غرار الاتفاقات،والاستغلال المفرط لمركـز الهيمنة على السوق، والاستغلال المفرط لوضعية التبعية الاقتصادية.

 ويمكن استئناف قراراته وتعقيبها أمام المحكمة الإدارية.

ويتم تلقي الدعـاوى مـن طرف الوزير المكلف بالتجارة والمؤسسات الاقتصادية، والجمعيات القائمة بصفة قانونية، وغرف التجارة والهيئات التعديلية، ويمكن للمجلس أن يبادر من تلقاء نفسه (آلية التعهد التلقائي) القيام بالتحقيقات أو أن يطلب من الجهات المختصة بالوزارة المكلّفة بالتّجارة بإجراء التّحقيقات اللازمة.

أما على المستوى القضائي، فيمكن لمجلس المنافسة، في حالة ثبوت الممارسات المخلة بالمنافسة في السوق، فرض عقوبات مالية يمكن أن تصل إلى 10 بالمائة من مجموع المبيعات في السوق الداخلية لآخر سنة مالية بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية ولا تتجاوز 100 ألف دينار بالنسبة للهيئات والذوات التي ليس لها رقم معاملات.

  وكوسيلة من وسائل الإكراه، فإن للمجلس صلاحية غلق المؤسسات بصفة مؤقتة لفترة لا تتجاوز 3 أشهر وله أيضاً أن يحيل ملف القضية إلى النيابة العمومية قصد القيام بالتّتبعات الجزائية.

كيف يقيم مجلس المنافسة واقع المنافسة في تونس خلال السنوات ؟

 تميزت السنوات الأخيرة باحتدام المنافسة على المستوى الوطني والدولي نجمت عنها العديد من الممارسات التي تعتمدها المؤسسات الاقتصادية سعيا منها للاستحواذ على أكبر نسبة ممكنة من حصص السوق في مختلف المجالات والقطاعات وتتمثل هذه التصرفات في العديد من عمليات التوسع الهيكلي (التركيز الاقتصادي) وتنويع الأنماط والأساليب التجارية وخاصة منها عقود التمثيل التجاري وعقود الاستغلال تحت التسمية الأصلية والتي تعتمد في مجملها على بنود التمثيل التجاري الحصري وبنود عدم المنافسة.

ونجمت عن هذه التغيرات التجارية والاقتصادية تحولات هامة في مستوى هيكلة السوق (تميز بعض الأسواق باحتكار القلة وهيمنة بعض المؤسسات على الأسواق).

 كما شهدت العلاقة بين المؤسسات الاقتصادية تغيرات هامة (المساحات الكبرى/المزودين أصحاب العلامات التجارية/المستغلين تحت العلامة الأصلية...)  نجم عنها في عديد الحالات وجود بعض المؤسسات في وضعية تبعية اقتصادية وما يمكن أن ينجر عنها من تعسف في استغلال هذه الوضعيّة من الأطراف القوية.

وفي هذا الإطار فإنّ لمجلس المنافسة دور مهم في التصدي لمختلف الممارسات المخلة بالمنافسة الناجمة عن هذه المتغيرات الاقتصادية والتجارية وذلك من خلال دوره القضائي (التصدي للتعسف في استغلال الوضع المهيمن والتعسف في استغلال وضعية التبعية الاقتصادية والاتفاقات المخلة بالمنافسة).

كيف يتموقع المجلس كآلية تعديل في المشهد الاقتصادي التونسي؟

بالنظر إلى مهامه، فإنّ لمجلس المنافسة دور فاعل في إعادة التوازن الاقتصادي وحماية النظام العام الاقتصادي وتحسين مناخ الأعمال واستقطاب الاستثمار، ولئن كان تدخل المجلس محكوما بحماية حرية المنافسة والحفاظ على آليات السوق وتحقيق رفاه المستهلك، فإنّ مهمته تمتد في جانب منها إلى حماية المؤسسات المستهدفة من الممارسات الحائدة عن القـانون، وإلى حماية المستهلك من الانعكاسات السلبية لتلك الممارسات.

وقد أثار دور مجلس المنافسة في المدة الأخيرة اهتمام العديد من الأطراف في المجال الاقتصادي وخاصة الطرف الحكومي إذ تم التأكيد في العديد من المناسبات على ضرورة تطوير أداء المجلس عبر تدعيمه بالوسائل الكفيلة لمحاربة الاحتكار والاقتصاد الرّيعي وقد تجسد ذلك في خطاب  التكليف لرئيس الحكومة عندما   المجلس في برنامج عمله وفي الوثيقة الإستراتيجية للقطاع التجاري التي تعدّها الحكومة والتي تؤسس لقطاع تجاري داعم للاقتصاد الوطني ومواكب للتحديات وقادر على استباق المتغيّرات الوطنية والدّولية والتّكيف معها والاستفادة من فرص الانفتاح.

 لقد أعطى قانون المنافسة والأسعار للمجلس القيام صلاحيات التعهد التلقائي في المجال، كيف وظف المجلس هذه الصلاحية ؟

وجب التوضيح أن آلية التعهد التلقائي قد اندرجت في إطار تعزيز استقلالية مجلس المنافسة وتدعيم آليات الرصد والتقصي والتتبع لمختلف الممارسات المخلة بالمنافسة، وذلك إطار تنمية اليقظة في مجالات المنافسة لدى مجلس المنافسة، علاوة على تفعيل الصلاحيات التي أهل بمقتضاها المشرع الجهاز المكلف بالتحقيق لدى مجلس المنافسة.

 أما على المستوى الإجرائي والعملي، فإن التعهد التلقائي، يتم اتخاذه من قبل الجلسة العامة للمجلس، وذلك بعد أن يقدم المقرر العام تقريرا في شأن الممارسات المرصودة، والسوق المرجعية ذات الصلة والأطراف المعنية بالمؤشرات لممارسات مخلة بالمنافسة.

وفي إطار ترسيخ حياد أعمال التحقيق، فإنه لا يعهد بملف في إطار التعهد التلقائي لذات الجهة التي تولت الأعمال والتحقيقات الأولية قبل اتخاذ قرار التعهد التلقائي.

كما وجب التأكيد أن مجلس المنافسة، قام بتفعيل آلية التعهد التلقائي في جانبها الأصلي والاستعجالي، اذ ساهمت هذه الأخيرة في إيقاف بعض المتدخلين الاقتصاديين العمل بممارسات مخلة بالمنافسة، ومنه تقليص تداعياتها على توازنات السوق المعنية، وفي هذا المضمار يذكر ملف الزيادة في تعريفات العيادات الطبية الخاصة التي تم إقرارها في قطاع المصحات الخاصة في ماي 2018 والتي تعهد بها مجلس المنافسة استعجاليا بمقتضى قراره الصادر استعجاليا في 25 أكتوبر 2018، حيث علّق العمل بالاتفاق الحاصل في شأن الزيادة في التعريفات المتعلّقة بالأعمال والخدمات الطبيّة المخالفة للاتفاقيات المبرمة بين الصندوق الوطني للتأمين على المرض والغرفة النقابيّة الوطنيّة للمصحّات الخاصّة.

أما فيما تعلق بالإحصائيات المتوفرة لدى مجلس المنافسة، في شأن تفعيل هذه الصّلاحية، فقد تعهد خلال الفترة 2006/2020 بحوالي 46 ملف تعهد تلقائي، شملت قطاعات توزيع الصحف والمشروبات الغازية والنقل الجوي والاتصالات وتعليم السياقة ووكالات الأسفار إلى جانب العيادات الطبية الخاصة وتوزيع المحروقات/الإشهار وتوزيع مواد التنظيف والتوزيع بالمساحات التجارية.

يعود أخر تنقيح لقانون المنافسة والأسعار في إلى سنة 2015، هل تعتقدون أن هذا القانون بعد 5 سنوات يحتاج في بعض فصوله إلى تنقيح وفي أي مجال بالتحديد ؟

تبرز الحاجة إلى إدخال بعض التنقيحات على قانون المنافسة في اتجاه اعتماد نظام سلطة منافسة واحدة (هيئة المنافسة)، على غرار أغلب التّجارب العالمية الناجحة في المجال (كفرنسا وألمانيا والنمسا) مع اعتماد هيكلة تستجيب للمتطلبات والمستجدات الاقتصادية.

 وتتمثل الغاية من ذلك في مزيد تبسيط إجراءات مطالب الحصول على الإعفاءات كعقود الاستغلال تحت التسمية الأصلية بحيث تكون هيئة المنافسة هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن هذه الملفات ومكلفة بمتابعتها والتقليص في آجالها مراعاة لمصالح المستثمرين في المجال وكذلك الشأن بالنسبة لعمليات التركيز الاقتصادي.

 كما تبرز الحاجة إلى إدخال تغييرات على القانون في اتجاه إقرار استقلالية هيئة المنافسة (استقلالية مالية وهيكلية) ودعم شفافية عملها حتى تكون قادرة على القيام بمهامها على أحسن وجه على غرار ما هو معمول به على المستوى الداخلي (الهيئات التعديلية) وحتى على المستوى الدولي.

  كما يتطلب الوضع الحالي دعم وتوسيع  سلطات هيئة المنافسة في جانبها الاستشاري والقضائي، من خلال تمكين مجلس المنافسة من إرساء دائرة استئنافية صلب المجلس بدلا عن المحكمة الإدارية حاليا وذلك ضمانا لسرعة الفصل والمتابعة لقضايا المنافسة، وتعزيزا للتخصّص القضائي لهذه الهيئة في مجال المنافسة مع إحالة الطور التعقيبي إلى محكمة التعقيب لأن المادة الاقتصادية هي مادة متغيّرة ومتحركة وآجال الفصل في القضايا مهمة جدا في هذا الخصوص لأن الحصول على حكم بعد 9 أو 10 سنوات يكون أحيان غير ذي جدوى وربما تكون المؤسسة قد اندثرت في الأثناء.

 هذا إلى جانب العمل على مراجعة نظام العقوبات في مجال الممارسات المخلة بالمنافسة وجعله أكثر نجاعة والحرص على تنفيذ الأحكام فيما يتعلق بإيقاف الممارسات الضارة بالمنافسة من السوق واستخلاص الخطايا التي تفوق 15 مليون دينار.

أما على المستوى الاستشاري فيمكن إجراء تعديلات على القانون تتمثل خاصة في إرساء آلية التعهد الذاتي الاستشاري لمجلس المنافسة من خلال إبداء آرائه حول جميع المسائل المتعلقة بالمنافسة والتي من شأنها المساس بالسوق دون طلب استشارته وذلك للحفاظ على المنافسة خاصة بالقطاعات التي تشهد احتكارات   أو تكون المنافسة فيها محدودة.

من ضمن المنظمات المهنية التي خول لها قانون المنافسة والأسعار رفع قضايا تظلم لدى المجلس، منظمة الأعراف، فهل فعلا قدمت هذه الأخيرة قضايا للمجلس ؟

حصر المشرّع التّونسي قائمة المخوّلين برفع دعاوى أمام مجلس المنافسة وهم الوزير المكلّف بالتجارة والمؤسسات والمنظمات المهنية والنقابية وهيئات المستهلكين وغرف الصناعة والتجارة والهيئات التعديلية والجماعات المحلية.

 كما لم يشترط المشرع في رفع قضايا المنافسة إجبارية تكليف محامي وذلك لتسهيل القيام بالدّعاوى.

 أما فيما يخص تقديم المنظمات المهنية والنقابية لدعاوى أمام مجلس المنافسة فإنه بداية من سنة 2003 وإلى حدود سنة 2020 تم تسجيل ما يقارب 65 قضية (58 قضية أصلية و07 قضية استعجالية) تم الحكم بالإدانة في 8 منها.

 وتعتبر الدعاوى المرفوعة من طرف المنظمات المهنية ضئيلة مقارنة ببعض الأطراف الأخرى التي خولها القانون لرفع الدعاوى كالمؤسسات الاقتصادية لكنها تعد محترمة إذا ما تمت مقارنته بأطراف أخرى كالجماعات المحلية وربما يعود السبب في ذلك إلى أن حجم السوق الوطنية الذي يعتبر صغيرا علاوة على نقص التوعية بقانون المنافسة وذلك بالرغم من المجهودات التي قام بها المجلس في الغرض من نشر قراراته بموقع الواب بصفة محينة، وتأمين بمعية الوزارة المكلفة بالتجارة العديد من الملتقيات والندوات للتعريف بسياسة وقانون المنافسة.

مهدي الزغلامي

تم النشر في 03/02/2021