تعتبر سنة 2023 محورية في مسار بناء رؤية تونس 2035 والانطلاق في رسم منوال تنموي جديد يمكن من كسب الرهانات المستقبلية وبلوغ الأهداف المنشودة.
وفق وثيقة مشروع الميزان الاقتصادي التي تحصل عليها "البورصة عربي" فان سنة 2023 تكتسي طابعا خاصا باعتبارها السنة الأولى في تنفيذ المخطط التنموي 2023/2025 والذي يتضمن برنامجا متكاملا للإصلاحات الهيكلية المعمقة يؤسس لهيكلة اقتصادية جديدة تستجيب للخيارات التنموية وتواكب التحولات على المستويين الدولي والوطني.
وينتظر ان تكون 2023 سنة صعبة باعتبار الوضع العالمي غير المستقر وتعدد المخاطر بما أدى الى تراجع نسق النمو والمبادلات العالمية مع ارتفاع نسب التضخم وما قد يصحبه من مزيد تشديد السياسات النقدية في أهم البلدان المتقدمة. اما على الصعيد الوطني فينتظر أن يتأثر الاقتصاد التونسي بصعوبات تتجسم أساسا ببروز تداعيات موجة الجفاف وتأثيرها الحاد على الإنتاج الفلاحي وقطاع الصناعات المعملية الغذائية إضافة إلى تواصل الانخفاض الطبيعي لمخزونات النفط والغاز.
كما تكمن خصوصية السنة القادمةّ في تعدد التحديات وعمق التعقيدات والتي تتمثل بالخصوص في انخفاض نسق النمو الكامن نظرا لضعف المجهود الاستثماري خلال السنوات الأخير والتأخر في تنفيذ الاصلاحات الهيكلية وتفاقم إشكالية النقص في الموارد المائية والشُح المائي وتبعاته على منظومات الإنتاج الفلاحي علاوة على تعقد الإشكاليات التي أثرت انتظامية انتاج ونقل الفسفاط ودخول حيز الاستغلال للشبكة الحديدية السريعة ومشاريع الطاقات المتجددة وعديد المشاريع العمومية المهيكلة.
1.6 بالمائة نمو متوقع لسنة 2023
اظهر مشروع الميزان الاقتصادي ان منوال النمو للعام المقبل يفترض تطور الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.6 بالمائة وهو نسق يستند إلى فرضيات حذرة وواقعية تأخذ في عين الاعتبار طبيعة المرحلة على المستوى الوطني ولكن بالخصوص ارتفاع المخاطر الضمنية على الصعيد الدولي بحسب معدي المشروع.
ويعزى هذا المستوى من النمو إلى تباطؤ النشاط في قطاع الصناعات المعملية الموجهة للتصدير بالنظر إلى تراجع الطلب الخارجي من قبل الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري لتونس إضافة إلى تواصل تراجع انتاج قطاع المحروقات فيما ينتظر أن يتم تسجيل نمو معتدل لجل القطاعات المنتجة الأخرى. وعلى هذا الأساس، سيبلغ الدخل الفردي 13688.9 دينار في عام 2023 (4277.8 دولار) مع الإشارة إلى أن تونس مصنفة ضمن الدول ذات الدخل المتوسط شريحة دنيا خلال 2022 حسب تصنيفات البنك الدولي.
ويرتكز منوال النمو لسنة 2023 على أساس ارتفاع القيمة المضافة للقطاع الفلاحي بنسبة 1.3 بالمائة بالأسعار القارة استنادا إلى جملة من الفرضيات تتمثل في إنتاج حوالي 19 مليون قنطار من الحبوب مقابل 17 مليون قنطار خلال موسم 2021/2022 وانتاج 1240 ألف طن من زيتون الزيت مقابل 1180 ألف طن في الموسم الحالي وانتاج نحو 372 ألف طن من التمور مقابل 368 ألف طن في الموسم الحالي الى جانب انتاج 480 ألف طن من القوارص مقابل 345 ألف طن منتظرة خلال سنة 2022
ومن المنتظر أيضا ارتفاع القيمة المضافة للقطاع الصناعي بنسبة 1.5 بالمائة بسبب تباطؤ القيمة المضافة للصناعات المعملية الموجهة للتصدير بعلاقة مع تراجع الطلب الخارجي والتراجع الطبيعي لمخزونات المحروقات في ظل غياب الاستكشاف والبحث والتجديد. وبالمقابل توقع مشروع الميزان الاقتصادي نمو القيمة المضافة في قطاع الخدمات بنسبة 1.8 بالمائة أي بنسق أرفع من نسق تطور الناتج المحلي الإجمالي بفضل التحسن النسبي للإنتاج في جل القطاعات المنتجة تقريبا.
وينتظر أن يسترجع القطاع السياحي سالف حيويته السنة القادمة موازاة مع مواصلة تنويع العرض السياحي لتحسين تموقع تونس كوجهة سياحية فضلا عن تطوير السياحة البيئية والثقافية والصحراوية وسياحة المؤتمرات والعلاج الطبيعي بمياه البحر وسياحة الاستشفاء وتنمية السياحة البديلة بمنطقة الجنوب الشرقي.
كما ينتظر أن تشهد السنة القادمة تطور النشاط في قطاع النقل بجميع مكوناته وخاصة النقل الحديدي نتيجة دخول خط الشبكة الحديدية السريعة طور الاستغلال والنقل البري بعلاقة مع الترفيع في أسطول الحافلات.
الاستثمار
اكدت وثيقة المشروع في محور الاستثمار ان الجهود ستتكثف خلال السنة المقبلة من أجل مزيد تحفيز الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال بما يسمح بتوفير بيئة استثمارية جاذبة وملائمة لاستقطاب الاستثمارات الوطنية والأجنبية.
وستشهد الفترة القادمة تسريع نسق الإصلاحات الارمية الى حفز المبادرة الخاصة وتحرير الاستثمار بما يسهم في استرجاع ثقة المستثمرين وتوضيح الرؤية وتحرير المبادرة من أجل الرفع من القدرة التنافسية للاقتصاد وإرساء مقومات نمو ادماجي ومستدام. كما سيتم اعتماد برنامج اصلاح مقومات مناخ الاعمال سيشمل 120 اجراء تم تحديدها في إطار تشاركي مع القطاع الخاص والهياكل العمومية المعنية
واستنادا للآفاق والفرص المتاحة الناجمة عن الإصلاحات الهيكلية والاستراتيجيات القطاعية المحفزة للاستثمار وخاصة الدفع المنتظر لمختلف الإجراءات التي تم إقرارها لتحسين مناخ الأعمال، ينتظر أن يتطور الاستثمار بنسبة 14 بالمائة بالأسعار الجارية سنة 2023 ليرتفع حجم الاستثمار إلى 26731.5 مليون دينار ما يعادل 16.5 بالمائة من الناتج الداخلي الإجمالي.
كما تستند التقديرات الى تعبئة 2962 م د بعنوان الاستثمارات الخارجية المباشرة المحلي الإجمالي مقابل 2384 م د منتظرة في عام 2022
المبادلات التجارية
يعد استرجاع سلامة التوازنات المالية الخارجية من أولويات العمل التنموي خلال سنة 2023 خاصة بالنظر الى تذبذب الأسعار العالمية وبروز السياسات الحمائية إضافة إلى تفاقم الصعوبات المرتبطة بسلاسل التزويد والامدادات. ويفترض منوال النمو تطور صادرات السلع والخدمات بنسبة ّ 7.1 بالمائة بالأسعار الجارية مقابل 25.6 بالمائة مقدرة سنة 2022 وذلك بالعلاقة مع تراجع الطلب الخارجي الموجه لتونس.
وبالتوازي من المنتظر أن تشهد واردات السلع والخدمات نمو بنسبة 4.8 بالمائة بالأسعار الجارية مقابل 30.6 بالمائة منتظرة في 2022. كما يتوقع أن تتطور صادرات الفسفاط بنسبة 10 بالمائة بالأسعار الجارية خلال سنة 2023 بالعلاقة مع تطور الأسعار العالمية وتزايد الطلب الخارجي وتحسن الإنتاج الوطني.
وينتظر ان تتطور واردات مواد الطاقة بنسبة ّ 6 بالمائة بالأسعار الجارية مقابل 75.7 بالمائة في عام 2022 نتيجة التراجع المنتظر للطلب وللأسعار على المستوى العالمي. واستنادا إلى مجمل هذه التطورات ينتظر أن يسجل العجز التجاري تقلصا ب 1.5 نقطة لينحصر في حدود 15.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي مقبل 17.3 بالمائة متوقعة لكامل 2022
الانطلاق في اصلاح منظومة دعم المواد الأساسية
من المنتظر ان تشهد سنة 2023 تواصل النسق التصاعدي لتطور مؤشر الأسعار عند الاستهلاك نتيجة تزامن عدة عوامل منها بالخصوص تواصل الضغوط على الأسعار العالمية للمواد الأولية والأساسية في ظل التوقعات باستمرار تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية والتوترات الجيوسياسية على المستوى الدولي و الانطلاق في اصلاح منظومة دعم المواد الأساسية تزامنا مع منح مالية إلى جانب مواصلة تعديل أسعار المحروقات.
ووتعلق هذه العوامل أيضا بتأثير التغيرات المناخية وموجة الجفاف وضعف تساقطات الأمطار على منظومات الانتاج الفلاحي والإنتاج الفلاحي عموما والتداعيات المنتظرة على أسعار المواد الغذائية الطازجة. وينتظر أن تسهم السياسة النقدية التقييدية تزامنا مع التحكم في نسق تطور الأجور في الوظيفة العمومية في ّ التحكم في الطلب وبالتالي في الحد من تفاقم الضغوط التضخمية.
مهدي الزغلامي
تم النشر في 08/12/2022