version française ilboursa

جدل في تونس بخصوص الاصلاحات الاقتصادية الموجعة

أثارت الوثيقة المُسَربة والصادرة عن حكومة نجلاء بودن التي تعتزم من خلالها القيام بجملة من الإصلاحات الاقتصادية والمالية وصفها عدد كبير من المختصين ومكونات المجتمع المدني بكونها موجعة وستزيد من متاعب عموم التونسيين.

تضمنت هذه الوثيقة المتكونة من أكثر من 50 صفحة حزمة من الإصلاحات في مقدمتها التفويت في المؤسسات والمنشات العمومية واعتماد الأسعار الحقيقية لسعر المحروقات ورفع الدعم عن الكهرباء والغاز وخاصة تجميد الأجور.

وبالتوازي مع نشر هذه الوثيقة، يحتدم الجدل الاقتصادي والاجتماعي في تونس بخصوص ما تضمنته الأحكام الجديدة الواردة بقانون المالية والميزانية الجديدين وما خلَفه من انتقادات واسعة من عديد المنظمات وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل وعدد من المختصين وتداعيات الإجراءات على الاقتصاد التونسي وخاصة صعوبة دفع الاستثمار الخاص ومزيد اهتراء القدرة الشرائية التونسيين.

وفي الاثناء يُصاب الراي العام التونسي بصدمة جديدة تتعلق بمضامين الوثيقة الحكومية وما تضمنتها من إجراءات موجعة جدا التي تعتزم الحكومة الحالية عرضها على صندوق النقد الدولي قصد "ترويضه" للوصول إلى اتفاق تتحصل بموجبه تونس على قرض بقيمة 4 مليار دولار حوالي 12 مليار دينار (وهو نفس المبلغ المرسم بالميزانية ضمن خامة القروض الخارجية)، والحصول على الضوء الأخضر من الصندوق للخروج على الأسواق المالية الدولية لتعبئة الموارد الضرورية لتمويل الموازنة الجديدة.

إجراءات مُؤلمة

وتتضمن الوثيقة الحكومية الجديدة جملة من الإجراءات التي وصفها عدد من المحللين بكونها صادمة وقد يكون في حال تطبيقها كلفة اجتماعية باهظة ستزيد من مصاعب عموم التونسيين، مرجحين حصول انفجار اجتماعي وغضب شعبي كبير.

وتحتوي هذه الوثيقة الذي يمثل في الواقع برنامج الحكومة في الاربع سنوات القادمة 2022/2026، على جملة من "الإصلاحات للخروج من الأزمة" كما يحلو للحكومة التونسيّة تسميتها.

وتتعلق أبرز الإجراءات المزمع تطبيقها بتجميد الزيادة في الأجور في القطاع العام بين سنة 2022 و2024 إلى جانب تجميد الإنتداب في الوظيفة العموميّة والقطاع العام والتخلي عن الديون العموميّة المتخلّدة بذمة الشركات الحكومية الى جانب مراجعة سياسة الدولة في علاقة بمساهماتها في رؤوس أموال الشركات الحكومية "غير الاستراتيجية" وصولا إلى التفويت فيها بداية من 2022.

الى ذلك الرّفع التدريجي في الدّعم على المحروقات إلى أن تبلغ سعرها الحقيقي المعمول به عالميا في افق سنة2026 علاوة على الترفيع في معاليم استغلال الكهرباء والغاز ووضع منظومة الكترونية تسمح بالتسجيل والتصرف في التحويلات المالية للفئات المعنية بتلقي التعويض عن رفع دعم المواد الأساسية ابتداء من سنة 2023

كما توضّح الوثيقة مصادر تمويل عجز الموازنة لم يتم الإعلان عنها سابقا كوعود بتمويل من المملكة العربيّة السعوديّة بقيمة 2900 مليون دينار أي 1 مليار دولار والضمان الأمريكي مشروطة بالإتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وتحتوي الوثيقة على 50 صفحة باللغة الفرنسية، ويتناول جزءها الأوّل "تشخيص الوضع الاقتصادي وأسباب تدهوره"، أمّا الجزء للثاني فقد تضمن "الحلول" الممكنة للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد وذلك من خلال الانتدابات ورفع دعم المحروقات على سبيل المثال.

معارضة شديدة من اتحاد الشغل

وجدد الاتحاد العام التونسي للشغل المنظمة النقابية المُؤثرة جدا في تونس معارضتها الشديدة والقوية لبرنامج الإصلاحات الاقتصادية المزمع اتباعه من طرف حكومة نجلاء بودن. واستنكرت المنظمة النقابية في اخر اجتماع لهيئتها الادارية بتاريخ 5 جانفي 2022،"ما يكتنف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي من غموض وسرية وتعتيم وغياب لأيّ صيغة تشاركية داخلية".

ودعا اتحاد الشغل إلى انتهاج الشفافية وحقّ النفاذ إلى المعلومة وإشراك المنظّمات الوطنية وسائر مكوّنات المجتمع المدني في تسطير مسار هذه المفاوضات بما يضمن وضوحها ونديتها وحفاظها على مصلحة الشعب والوطن والإسراع بتدقيق لتجربة المفاوضات السابقة قبل الخوض في جولة جديدة.

وأكد على رفضه لأيّ مفاوضة لم يسهم اتحاد الشغل في إعداده أهدافها وبرامجها ووسائلها ومآلاتها. وبدورهم انتقد عدد من الخبراء في الاقتصاد هذه الوثيقة ومضامينها والطريقة التي تم من خلالها عدادها رافضين عدم تشريك المنظمات الوطنية ومكونات المجتمع المدني في صياغة وثيقة اعتبروها على غاية من الأهمية لتحيد مصير الاقتصاد التونسي.

يشار الى ان صندوق النقد الدول غيَر منذ حوالي سنتين من خطابه في تعامله مع الملف التونسي مشددا على ان كل عملية إصلاحية هامة ينبغي ان تكون محل توافق وطني واسع وتشريك الأحزاب السياسية غير ان الوضع الراهن في البلاد عكس ذلك.

إصلاحات جوهرية تتناغم مع طلبات صندوق النقد الدولي

وفي تعقيبها على مجمل الانتقادات التي طالت الوثيقة الحكومية المتضمنة لبرنامج الإصلاحات الاقتصادية قالت سهام نمصية بوغديري وزيرة المالية التونسية إن الوضع الاقتصادي لتونس خلال العقد الأخير كان دون المأمول واتسم بتسجيل نسب نمو مخيبة للآمال وضعيفة جدا.

وأضافت خلال الندوة الصحفية التي تم تخصيصها لتقديم قانون المالية لسنة 2022، أن الحكومة حرصت على تسطير إصلاحات جوهرية ستكون محور عملها على المدى القصير والمتوسط مضيفة ان مضامين قانون المالية والموازنة الجديدين يمثلان مؤشر انطلاق هذه الإصلاحات.

ولم تنف الوزيرة ان هناك إصلاحات اقتصادية سيتم تفعيلها صنفتها ضرورية على غرار التحكم أكثر في كتلة الأجور وإصلاح منظمة دعم المواد الأساسية وتوجيهها نحو مستحقيها من الفئات الاجتماعية الهشة مع مزيد اصلاح الشركات العمومية.

وبينت وزيرة المالية تنه منذ تركيز الحكومة الحالية تم الاتفاق على الاشتغال مع صندوق النقد الدولي لغرض بلورة برنامج اصلاح برؤية تونسية صرفه دون املاءات او شروط مسبقة من صندوق النقد الدولي. وكشفت في هذا الإطار أن حوالي 80 من كوادر الحكومة انكبوا خلال الفترة الفارطة على إعداد وثيقة تتضمن الخطوط الكبرى لبرنامج إصلاحي كبير.

وأردفت بالقول" الإصلاحات التي اشتغلنا عليها تنصهر ضمن طلبات صندوق النقد الدولي وشرعنا في محادثات أولية مع مسؤولي الصندوق ستأخذ طابعا رسميا في مطلع العام الحالي". وختمت تصريحها بأن الإصلاحات المزمع تنفيذها لا تستوعبها موازنة الدولة لأجل ذلك تم رسم برنامج يمتد الى سنة 2026.

مهدي الزغلامي

تم النشر في 12/01/2022