version française ilboursa

تونس في ضائقة مالية كبيرة ومخاوف من سيناريو مظلم لإنهاء 2021

لئن اختلفت القراءات الدستورية والتحاليل السياسية في تونس بخصوص قرارات الرئيس قيس سعيد منذ 25 جويلية الى يوم 22 سبتمبر 2021 والدخول في سجال دستوري متباين، فان جل الخبراء الاقتصاديين وأساتذة الاقتصاد في تونس اجمعوا بل يتفقون على ان الوضعية المالية لتونس حرجة جدا.

وما انفك هؤلاء الخبراء يطلقون صفارات الإنذار للرئيس والراي العام في البلاد بان تونس مقدمة على سيناريو مظلم في الأشهر القادمة مع إمكانية تعكر الوضعية أكثر في 2022. وتعرف تونس أعنف ازمة اقتصادية ومالية منذ استقلالها من خلال استحالة خروجها على الأسواق المالية الدولية للاقتراض لتمويل موازنة العام الحالي.

الدليل القاطع على هذه الوضعية فشل وزارة الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار مؤخرا في تعبئة مبلغ 120 مليون دينار عبر اصدار رقاع الخزينة ولم تفلح سوى في الحصول على 60 مليون دينار.

مؤشر يترجم الحالة المتردية التي وصلت اليها البلاد في ظل ازمة سياسية خانقة وتعطل تكليف رئيس حكومة يكون ملما بالملفات الاقتصادية الحارقة التي تنتظره في هذه الفترة الحرجة من اجل الشروع في عملية الإنقاذ.

وضع يجعل البلاد على صفيح ساخن وينتظرها خريف وشتاء ساخنين من ناحية الانفجار الاجتماعي المحتمل على خلفية الإشكاليات المالية المنتظرة لإنهاء السنة في ظل تعطل أبرز رافعات النمو الاقتصادي الا وهما شلل الاستثمار الخاص وتعطل جهاز التصدير مع إصابة الرافعة الثالثة بالوهن والضعف وهي الاستهلاك بالتهالك بسبب اهتراء القدرة الشرائية للتونسي على ضوء الموجة غير العادية للارتفاع الصاروخي لأسعار جل المنتوجات الأساسية والاستهلاكية.

وتنتظر تونس خلال أشهر اكتوبر ونوفمبر وديسمبر استحقاقات مالية هامة يتعين الإيفاء بها الا على مستوى توفير أجور الموظفين وثانيا تعهدات تسيير نفقات الدولة وثالثا البحث عن موارد مالية يبدو انها لم تعد في المتناول.

منحى تصاعدي للأسعار

ويؤكد الخبراء ان نسق ارتفاع الأسعار في تونس في تزايد مستمر و أن هذا النسق المتصاعد سيرتفع في المدة القادمة أكثر بحكم وضعية الأسواق العالمية والتجارة الخارجية التي تعرف ارتفاع ملحوظ لأسعار المواد الأولية بسبب الانتعاشة الاقتصادية الملموسة في عدة مناطق من العالم. وسجلت نسبة التضخم في تونس خلال شهر اوت الماضي مستوى 6.2 في المئة وتسجيل ارتفاع في اغلب أسعار المواد تقريبا.

تقلص فاتورة الدعم

بالرجوع الى تنفيذ موازنة البلاد خلال النصف الأول من العام الحالي وفق وزارة الاقتصاد والماليّة ودعم الاستثمار فقد اتسمت أعباء الموازنة بارتفاع نفقات التأجير بنسبة 6 في المئة، لتبلغ 10 مليار دينار، ونفقات التسيير بنسبة 15.8في المئة، أي ما يعادل 3.3 مليار دينار، ونفقات التصرّف بنسبة 4.5 بالمائة.

هذا وتراجعت نفقات الاستثمار بنسبة 39 في المئة اواخر جوان 2021 دون أن تتجاوز 1400 مليون دينار اذ تمثل هذه النفقات فقط 8 في المئة من إجمالي نفقات الدولة.

وفي سياق متصل فقد انخفضت الاعتمادات الموجهة للدعم بنسبة 15 في المئة، مع موفى النصف الاول 2021، ولم تتجاوز قيمتها 1400 مليون دينار مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2020.

ثغرة مالية في موازنة 2021

صعوبات تونس المالية لن تنتهي بل ستزيد من تعقيد الوضعية الى درجة ان العديد من المحللين الاقتصادين والمختصين أطلقوا صيحات فزع متتالية بشأن الوضعية المالية المحرجة جدا لتونس.

وكشفوا في تصريحاتهم في هذا الصدد وجود ما وصفوه ب "ثقب" مالي بقيمة 10 مليار دينار في ميزانية 2021 يتضمّن أجور الـ 4 أشهر المتبقية من السنة ونفقات التسيير.

وأوضحوا أنّه يوجد غياب في الرؤية في ميزانية الدّولة خاصة مع غياب مشروع ميزانية تصحيحية لتعديل الفرضيات التي اجمعوا على انها مغلوطة خاصة على مستوى احتساب سعر برميل النفط (45 دولارا للمشروع الأصلي) والحال ان معدل سعر البرميل حاليا في حدود 70 دولارا.  

علما وان كل زيادة بدولار واحد فان كلفته على الميزانية سيكون في حدود 120 مليون دينار أي ان ميزانية الدعم ستحتاج نحو 3200 ماليون دينار إضافية.

وستحتاج تونس منذ بداية شهر سبتمبر وإلى غاية نهاية السنة في حاجة إلى زهاء 19 مليار دينار، اذ سيتمّ توفير حوالي 9 مليار دينار من الاداءات وبالتّالي فإنّه يوجد ثغرة بقيمة حوالي 10 مليار دينار في موازنة 2021 وهو مبلغ يعدّ مهما ما يطرح التساؤل بشأن الموارد التي سيتمّ من خلالها تغطية هذه الثغرة.

ويشدّد مختلف الخبراء الاقتصاديون على أنّ مبلغ 10مليار دينار يتضمّن مصاريف أجور الأربع أشهر المتبقية من السنة والتي يبلغ كلّ شهر منها تقريبا 1700 مليون دينار بالإضافة إلى المصاريف الأخرى، مشيرين إلى وجود شحّ كبير جدا في الموارد المالية الخارجية خاصة وأنّ الامكانية الوحيدة الموجودة للتمويل هي مع صندوق النّقد الدّولي وقد تعطّلت المفاوضات بعد اجراءات 25 جويلية 2021.

وإلى اليوم صندوق النقد الدّولي يجهل الطّرف الذّي سيتفاوض معه في ظلّ غياب الحكومة، وبالتالي لا توجد أي بوادر انفراج مع الممولين الخارجيين.

مهدي الزغلامي

تم النشر في 27/09/2021