يحل اليوم الخميس رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة بتونس ليلتقي رئيس الجمهورية قيس سعيد حسب ما أعلن الدبيبة أمس في رد على تساؤلات النواب في جلسة مساءلته أمام مجلس النواب في مدينة طبرق. وتأتي هذه الزيارة لإذابة الجليد بين البلدين ومحاولة اعادة فتح المعابر الحدودية بين البلدين الذي تواصل منذ 8 جويلية 2021 بسبب تفشي سلالة "دلتا" المتحورة من فيروس كورونا في ليبيا.
وقامت حكومة الوحدة الوطنية باتخاذ قرار برفع القيود على حركة التنقل وفتح المعابر وعودة الرحلات الجوية مع تونس اعتبارا من 17 أوت المنقضي وذلك في خطوة أحادية الجانب اعتبارا لتراجع حدة انتشار وباء كورونا ونجاح البلدين في حملات التلقيح للمواطنين ضد الفيروس حسب تبرير السلط الليبية.
إلا أن السلط التونسية تمسكت بتواصل اغلاق المعابر وفرض برتوكول صحي يقضي بضرورة الالتزام بحجر صحي اجباري في احد النزل لمدة 10 أيام. وتختلف الآراء بين مؤيد لتواصل اغلاق الحدود في ظل استمرار تفشي وباء كورونا في تونس وليبيا على حد سواء وحتى لدواعي سياسية بدعوى المعاملة بالمثل، وبين من يدعو للاسراع بفتح الحدود وانهاء معاناة التونسيين والليبيين العالقين على الحدود وخاصة تنشيط حركة التجارة البينية التي تضررت جراء الغلق الذي امتد لأكثر من شهرين.
اغلاق الحدود.. قرار صائب؟
واعتبر الخبير في الشأن الليبي رافع الطبيب في تصريح لـ"البورصة عربي" أن اصرار تونس على تواصل اغلاق المعابر هو قرار صائب يندرج ضمن التوجهات الجديدة للدبلوماسية التونسية لما بعد 25 جويلية والتي تعيد مسألة السيادة الوطنية بقوة إلى سلم أولويات هذه الدبلوماسية لتصبح العلاقة بين البلدين أكثر ندية وتقوم على المعاملة بالمثل مذكرا في هذا الخصوص بأن ليبيا أعلنت اغلاق الحدود مع تونس من جانب واحد وأن عودة فتح الحدود يجب أن يكون بموافقة السلط التونسية.
وتوقع الطبيب انهيار حكومة دبيبة عن قريب وانها لم تعد تحظى بمشروعية كما أن ليبيا تشهد اليوم صعوبات اقتصادية واجتماعية وهو ما يدعو تونس إلى ضرورة مراجعة علاقتها مع ليبيا بما يضمن المصالح الاقتصادية والاجتماعية لكلا البلدين. الاقتصاد التونسي تضرر بعد غلق الحدود: في المقابل يؤكد الناشط والخبير في الشأن الاقتصادي مصطفى عبد الكبير في تصريح لـ"البورصة عربي" أن الاقتصاد التونسي تضرر جراء تواصل اغلاق الحدود بين تونس وليبيا وأن المبادلات التجارية بين البلدين شهدت شللا تاما بسبب توقف نقل مواد غذائية وفلاحية في هذه الفترة الهامة مثل التمور والرمان وعدد من المواد الاستهلاكية الأخرى مثل الجبس ومواد البناء والدهن وقطع الغيار.
ودعا عبد الكبير إلى ضرورة العمل على تسهيل المبادلات التجارية بين البلدين من خلال مبادرات في هذا الاتجاه مثل امكانية اعتماد البنك المركزي التونسي التحويل المصرفي من ليبيا ووضع إجراءات ميسرة لا تتجاوز مستوى الوثيقة المصرفية وهو ما يمكن أن يساهم في ضخ أموال كبيرة في الميزانية مع تسهيل التعاملات التجارية بين التونسيين والليبين.
واشار محدثنا إلى أن تونس خسرت هذه السنة 75 بالمائة من حجم المبادلات التجارية مع ليبيا مقارنة بالسنة الفارطة مضيفا أن ليبيا تمثل سوقا مهمة للغاية بالنسبة لتونس لتسويق منتجاتها الصناعية والاستهلاكية، وان هناك تنافسا كبيرا بين عدد من البلدان لافتكاك مكانة تونس إذا ما تواصل الاغلاق. و تعتبر ليبيا احد الأسواق الهامة فهي الشريك الثاني لتونس بعد الاتحاد الأوروبي اذ يصل رقم المبادلات التجارية بين البلدين الى حدود 3.5 مليار دولار لكن هذا التعاون الاقتصادي تعثر خلال السنوات القليلة الماضية الامر الذي أدى انخفاض رقم المبادلات بين البلدين.
ويشير عدد من المختصين الاقتصاديين إلى تراجع نسق الصادرات الليبية بحوالي الثلثين منذ الازمة الصحية واغلاق المعابر بين البلدين لتصل لحدود 1.2 مليون دولار وهو ما فتح الباب لدول منافسة خاصة مع تعطل مشروع منطقة للتبادل التجاري الحر بين تونس وليبيا والذي كان من المفترض إنشاؤه بمعبر "ذهيبة" الحدودي بهدف الحد من اتساع حجم التجارة الموازية كان ايضا عاملا مهما في تراجع التعاملات البينية.
عقود إعادة الاعمار.. اي نصيب لتونس؟
من جانبه اعتبر رافع الطبيب أن تونس تعد طرفا خاسرا في العلاقة التونسية الليبية على شاكلتها الحالية والتي تعطي لتونس بعض الاتفاقيات التجارية المتعلقة بتبادل عدد محدود من المنتجات الغذائية والاستهلاكية وأن اغلاق المعابر لا يتكلف كثيرا على الجانبين عكس ما يروج له خصوصا وأن التهريب لا زال متواصلا على الحدود والذي يعد المصدر الرئيسي للحركة على الحدود مع تواصل سيطرة ميليشيا "القصب" التي تتمركز في منطقة الزاوية على تهريب المحروقات بين البلدين.
وذكّر محدثنا بأن حكومة دبيبة وزعت مشاريع الاعمار الكبرى على الاتراك والألمان والاسبان فيما لم تشرك تونس في مشاريع التنمية الكبرى واكتفت بامضاء بعض الاتفاقيات المتعلقة بتبادل المنتجات الغذائية رغم تحمل تونس الفاتوة الأغلى جراء الصراعات في ليبيا وانهيار الدولة. وفي هذا الخصوص يعتبر عبد الكبير أن تونس هي التي قصرت في مسألة عقود إعادة الاعمار بالنظر لدور تونس المحوري في معالجة الأزمة الليبية لكنه بالمقابل اشار إلى أن تونس يمكن أن تستفيد من موقعها الاستراتيجي ومن كفاءاتها في اعادة الاعمار في ليبيا فحتى الدول الأوروبية التي ستحصل على عقود كبرى لاعادة الاعمار ستضطر لاستعمال موانئنا ومطاراتنا وطرقاتنا للوصول إلى ليبيا وستعول خاصة على الكفاءات التونسية.
دخول الليبيين للتداوي.. أحد المشاكل العالقة
وينادي عبد الكبير بضرورة أن يتم تجويد البرتوكول الصحي وتحويره ليضمن من جهة صحة التونسيين والليبيين واعادة نسق المبادلاات التجارية وتنقل الأشخاص من جهة أخرى مشيرا بالخصوص إلى ضرورة الغاء اشتراط الحجر الصحي بـ10 أيام والاقامة بنزل يتكلف في حدود 4000 دينار خاصة وأن غالبية الليبيين يدخلون لمدة لا تتجاوز يومين للتداوي.
وتعتبر مسألة دخول الليبيين إلى تونس للتداوي أحد أهم المشاكل العالقة التي عمقها اغلاق المعابر بين البلدين، ويقول عبد الكبير أن هناك اشكالا حقيقي في مسألة تلقي الليبيين للعلاج في تونس بسبب اغلاق المعابر وهو ما من شأنه أن يسبب خسائر كبيرة للقطاع الطبي الخاص من مصحات وعيادات وصيدليات ويفتح الباب امام دخول دول اخرى على الخط لجلب الليبيين للتداوي في بلدانهم.
حسام الطريقي
تم النشر في 09/09/2021