version française ilboursa

تونس تستعد لإطلاق قانون صرف جديد

ينتظر الفاعلون الاقتصاديون والمستثمرون في تونس وخاصة أصحاب الشركات الناشئة صدور قانون الصرف الجديد المطلوب بشدة من طرف جل المتدخلين في الشأن الاقتصادي والاستثماري الخاص للحاجة الماسة والملحة الى قانون صرف يواكب التحولات والتطورات التكنولوجية ويقطع مع قانون قديم متكلس وصفه المختصون "بالمُتخلَف" و"المُتحجَر".

ومنذ عدة سنوات يطالب أصحاب الشركات الخاصة المقيمة وغير المقيمة السلطات النقدية وفي مقدمتها البنك المركزي التونسي بوجوب اجراء تنقيح جذري على قانون الصرف في البلاد لكي يكون مواكبا لما يجري على الساحة المالية العالمية من تحولات عميقة خاصة في مستوى التحويلات المالية.

وإثر مخاض عسير وضغوط كبيرة ومتكررة من الفاعلين الاقتصاديين والمنظمات المهنية في تونس مع توصية "ملحة" من صندوق النقد الدولي بوجوب إقرار تحوير على قانون الصرف التونسي، تحركت عجلة الإصلاح بانطلاق المشاورات بصفة بخصوص مشروع مجلة الصرف الجديدة من خلال تكثف عقد ورشات وجلسات العمل الرسمية وتشريك المنظمات الوطنية والمهنية وفي كقدمتها منظمة الاعراف

تسريع نسق المشاورات

تحت اشراف رئيسة الحكومة نجلاء بودن رمضان نظمت رئاسة الحكومة يوم السبت 25 فيفري 2023  بدار الضيافة بقرطاج ورشة العمل الثانية على اعلى مستوى بحضور وزيرة المالية سهام نمصية بوغديري، ووزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد، ومحافظ البنك المركزي السيد مروان العباسي، ورئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية السيد سمير ماجول، وممثلين عن القطاع الخاص والمؤسسات الناشئة وممثلين عن المنظمات المهنية.

ويهدف المشروع الذي يتم التكتم بشأنه وعدم عرضه للراي العام إلى مراجعة منظومة الصرف في إطار تجسيم برنامج الإنعاش الاقتصادي والإصلاحات التي أعلنت عنها الحكومة والرامية إلى الاستعادة التدريجية لتوازنات المالية العمومية وتحسين نجاعة منظومة الصرف وتبسيط إجراءاتها ودعم دورها في تحسين مناخ الأعمال والاستثمار الى جانب رفع مستوى الصادرات والادخار الوطني ورفع مستوى الاحتياطي بالعملات من خلال زيادة ثقة المدخرين والمتعاملين وإعادة الثقة لتشجيع تدفق الاستثمارات الأجنبية.

وشكل هذا الاجتماع الثاني من نوعه اثر اجتماع اول انتظم في يوم 8 فيفري 2023 في تأكيد على تسريع نسق المشاورات والانتهاء من المشروع الذي ينتظر ان يدخل حيز التطبيق في غضون السنة الحالية بحسب ما جاء في وثيقة الميزان الاقتصادي لتونس لهذا العام.

مواكبة التطور التكنولوجي في المعاملات المالية

وأكدت وزيرة المالية في كلمة بالمناسبة أهمية هذا المشروع لتلبية الأهداف والبرامج الوطنية للإصلاح وأن الهدف من مراجعة مجلة الصرف هو رفع العوائق التي لا زالت قائمة قصد تمكين المتدخلين الاقتصاديين من العمل بكل أريحية سواء كان ذلك بالبلاد التونسية أو بالخارج. كما سيمكن الإصلاح من مواكبة التطور التكنولوجي في المعاملات المالية في ظل اقتصاد رقمي معولم وإدماج النشاط الاقتصادي في محيطه العالمي ورقمنة المعاملات المالية الخارجية وبما يعطي إشارة إيجابية للمستثمرين بالبلاد التونسية وبالخارج.

كما أكدت الوزيرة على أهمية مراجعة منظومة الصرف في تطوير نشاط المعاملات المالية مع الخارج استئناسا بالتجارب الدولية الرائدة في هذا المجال و مراجعة الإطار التشريعي المنظم لنشاط الصرف اليدوي لتوجيه قطاع الصرف غير المنتظم نحو المسالك الرسمية وتعزيز المنظومات الوطنية للدفع والتحويل الإلكتروني وإقرار مبدأ التحرير بتأكيد تحرير العمليات الجارية وتحرير عمليات الاستثمار الأجنبي في تونس وتحرير استثمارات التونسيين بالخارج على أن يتم ذلك بصفة تدريجية وذلك في اطار تحقيق التوازنات المالية ودفع الاستثمار واستعادة نسقه .

من جانبه، أكد محافظ البنك المركزي أهمية هذه البرامج التي تعمل عليها الدولة مع مختلف هياكلها وخاصة منها البنك المركزي في دعم المعاملات المالية في تونس ومع الخارج في تطوير المالية العمومية وفي تحسين مناخات التنمية الاستثمار والأعمال مبرزا عمل البنك مع شركاءه على تطوير هذه المجالات وخدمة المؤسسات المالية والشركات الناشئة من أجل تحقيق القيمة المضافة وخلق القدرة التنافسية وطنيا ودوليا ومواكبة التشريعات والتكنولوجيات المعتمدة في هذه الميادين.

تبسيط الإجراءات

على الرغم من التحفظ الكبير حول فحوى ومضمون مجلة الصرف الجديدة التي هي بصدد وضع اللمسات الأخيرة عليها، فإن الخطوط العريضة وفق ما تحصلت عليه "البورصة عربي" من معلومات في هذا الخصوص تبرز ان قانون الصرف الجديد، يتضمن جملة من التوجهات تتعلق أساسا بالمساهمة في تحسين مناخ الأعمال لحفز المبادرة واقتحام الأسواق الخارجية، وبخاصة تجاوز العوائق التي تجابهها المؤسسات وقطاع الأعمال في ما يخص المعاملات بالعملة الأجنبية وذلك من خلال تجسيم الإصلاحات العملية التي تمت دراستها ضمن مجالس مناخ الأعمال.

وستشمل هذه الإصلاحات بالخصوص مراجعة الآجال وتبسيط الإجراءات المتعلقة بفتح الحسابات بالعملة الأجنبية بالنسبة للمستثمرين والسماح وفق شروط للوسطاء المرخص لهم المقيمين باعتمادهم كضامن للبنوك الأجنبية وللفروع المفتوحة في الخارج بما يسمح بتنفيذ التمويل المطلوب من قبل المؤسسات المتعاملة مع الأسواق الخارجية. 

وستسمح الإجراءات الجديدة للصرف بتحرير التحويلات المالية العائدة بعنوان التخلي عن الطلبيات وإرجاع السلع في حالة عدم استكمال عمليات التصدير وإلغاء رصيد تحويلات مالية جراء خطأ أو عدم توفر بالحساب البنكي أو إشكال في عملية الدفع الإلكتروني.

كما سيتم العمل على إقرار حوافز لفائدة المستثمرين قصد إيداع مدخرات ومداخيلهم لدى البنوك التونسية وكذلك استقطاب القطاع غير المنظم نحو مسالك التمويل الرسمية. وسيتضمن الإطار التشريعي الجديد للصرف ايضا تشجيعات لفائدة البنوك من أجل استقطاب موارد الادخار والتحويلات بالعملة وفق شروط تفاضلية موحدة. 

تحرير متدرج للدينار

ومن ضمن جديد قانون الصرف جاء على لسان مروان العباسي محافظ البنك المركزي التونسي، الذي كشف في تصريحات اعلامية أن قانون الصرف الجديد "سيسمح وبصفة تدريجية بالتحرير الكلي للدينار التونسي". وأكد مروان العباسي بالمقابل، أن قانون الصرف الجديد لن يفضي حتما إلى فتح أرصدة بالعملة الأجنبية لكل التونسيين.

قانون بلغ مرحلة "الشيخوخة"

يمثّل قانون الصرف الحالي الذي يعود تاريخ إصداره إلى عام 1976 حاجزاً أمام سلاسة حركة الأموال والتحويلات الخاصة بالمستثمرين أو الباعثين الشبان، فضلاً عن وضع عقبات أمام مجاراته للتطورات والمستجدات. وعلى امتداد أكثر من 4 عقود نقّحت السلطات المالية التونسية قانون الصرف في مناسبة واحدة سنة 1993، بينما كان سوق الصرف الموازي يحتل مساحات واسعة في الاقتصاد، مستفيداً من التضييقات التي يفترض أن يستهدفها القانون الجديد.

وفي هذا الخصوص أفاد رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية بأن قانون الصرف الحالي وصل إلى مرحلة الشيخوخة، وأصبح يعطي مفعولاً عكسياً بـ"اللاصرف"، بسبب منع أغلب التحويلات المالية، بما في ذلك تحويلات التصدير التي تحتاج إلى تراخيص مسبقة من البنك المركزي التونسي إلى جانب منع مسك الأفراد لحسابات بالعملة الصعبة.

واضاف أن إصدار قانون صرف جديد سيرفع العراقيل أمام الشركات الناشئة وجيل من المستثمرين يتطلّع إلى الاندماج الشامل في الاقتصاد الجديد الذي لا يعترف بالحدود والحواجز. وأردف بالقول، أن "حديث محافظ البنك المركزي التونسي عن قانون صرف جديد هو إقرار ضمني بعدم جدوى السياسة النقدية الحالية ". وجوب توفر رصيد من النقد الاجنبي.

ومن جانبه أبرز بسام النيفر المحلل المالي أن قانون الصرف الجديد الذي من المفروض أن يضفي إلى تحرير الدينار التونسي، ولكن الأمر سيهم الشركات وليس الافراد. ويرمي القانون الجديد بحسب رأيه الى تحسين مناخ الاستثمار وإزالة جملة من العوائق في مجال الاستثمار الذي ظلت فيه تونس متأخرة مقارنة بوجهات الاستثمار الاخرى في البحر الأبيض المتوسط.

وأقر في تصريح "للبورصة عربي" بان مجلة الصرف التونسية الحالية لم تعد مواكبة للتطورات وان قانون الصرف الجديد سيسمح بإجراء العمليات المالية بطريقة مرنة وسلسة بالمقارنة مع الإجراءات المعقدة السابقة. واكد على ان قانون الصرف الجديد سيعطي ثقة أكبر للمستثمر الأجنبي المنتصب في البلاد خاصة عند تحويل أمواله الى الخارج وإزالة المخاوف المحيطة بإخراج العملة.

ولاحظ بالنسبة الى شروط نحاج القانون الصرف الجديد هو ان يكون لتونس مخزون هام من النقد الأجنبي الذي اعتبره امر مهم موضحا بالقول" لا يمكن لتونس اتخاذ هذه الخطوة في ظل ضعف للنقد الأجنبي وان هذه العملية يمكن ان تخلق نوعا من الضغوط لمدة قصيرة يمكن تجاوزها عند كسب ثقة المستثمرين".

كما يستوجب تطبيق قانون الصرف الجديد عند دخوله حيز النفاذ بطريقة سلسة من طرف المصارف التونسية وتفادي الصعوبات السابقة خاصة على مستوى اخراج أرباح الأموال الى الخارج. وسيستوجب القانون الجديد توفر نظم معلوماتية متطورة التي سيتطلبها تفعيل قانون الصرف الجديد يضيف المحلل.

مهدي الزغلامي

تم النشر في 27/02/2023