version française ilboursa

تونس تخوض حربا على الاحتكار وتتعقب المضاربين

أثارت عملية حجز كمية 30 ألف طن من الحديد المخزن في مصنع لإنتاج الحديد المعد للبناء في منطقة بئر مشارقة من ولاية زغوان، في جدلا واسعا في تونس حول تنامي عمليات الاحتكار في تونس وأهمية مكافحة شبكات المضاربة في تونس بين من يعتبر أن ما يقوم به رئيس الجمهورية قيس سعيد حربا على المحتكرين والمضاربين وضربات موجعة للوبيات المحتكرين ومن صنف ما أتاه سعيد بالشعوبية التي يمكن أن تضر بالنسيج الاقتصادي الوطني وضربة قاصمة لمناخ الاستثمار في تونس وترهيب لرجال الأعمال.

وكان رئيس الجمهورية قد تحول مساء السبت إلى أحد مصانع انتاج الحديد المعد للبناء في منطقة بئر مشارقة بزغوان أين عاين كمية من الحديد المخزن تقدر بما يزيد عن 30 ألف طن، وأمر رئيس الجمهورية بحجز هذه الكمية وبيعها كما توعّد سعيّد بمحاربة كل أشكال الاحتكار والمضاربة في جميع المجالات والقطاعات.

خزن الحديد ممارسة احتكارية لا لبس فيها

اعتبر الخبير الاقتصادي ووزير التجارة الأسبق محسن حسن أن ما قام به صاحب المصنع من تخزين كمية كبيرة من الحديد هي ممارسة احتكارية لا لبس فيها مخلة بالمنافسة وجب التصدي لها،

واضاف في تصريح لـ"البورصة عربي" أن تخزين مادة الحديد يأتي في إطار اتفاق بين المؤسسات المصنعة للحديد في تونس على المماطلة في تزويد السوق بهذه المادة الحيوية مع مواصلة الضغط على وزارة التجارة للترفيع في سعر البيع وهو ما يعد عملية تركيز إقتصادي و ممارسات تقييدية للمنافسة وهي أحد أبرز مظاهر المنافسة غير الشريفة.

واستدرك في المقابل إلى أنه من الغير المعقول تحميل مؤسسات خاصة، يعرف جلها صعوبات ظرفية ناجمة عن تراجع نشاطها جراء أزمة الكوفيد، كلفة ارتفاع أسعار المواد الأولية على الصعيد العالمي وتحديد أسعار بيع من قبل سلطة الإشراف، لا تغطي حتى سعر الكلفة، معتبرا أن هذا التوجه يتنافى تماما مع مبادئ إقتصاد السوق الذي انتهجته تونس منذ عقود.

ودعا محسن حسن وزارة التجارة وتنمية الصادرات إلى مراجعة أسعار البيع المحددة بعد دراسة كلفة الإنتاج بدقة بالتعاون مع الهياكل المهنية المختصة، وتحمل التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لهذا الارتفاع، مشيرا إلى ضرورة تطوير سياسة العرض والطلب والإسراع بهيكلة شركة الفولاذ ماليا واجتماعيا وفنيا حتى تلعب دورها التعديلي في القطاع بعد عودة نسق الإنتاج إلى مستوى مقبول.

حرب على مسالك "التجويع"

وأطلق رئيس الجمهورية منذ 25 جويلية الماضي حملة لاستهداف المحتكرين والمضاربين في كل المجالات بدأت من خلال زيارة غير معلنة إلى مخازن تبريد مواد فلاحية بكل من الجديدة وطبربة بولاية منوبة وتوعد آنذاك باستهداف مسالك "التجويع" كما وصفها وبشن حرب على المضاربين في كل المجالات وأنه لا سبيل للعبث بقوت التونسيين.

وأعلنت وزارة التجارة وتنمية الصادرات اثر ذلك أنّه تم إعداد تطبيقة تهدف إلى متابعة عمليات التصريح بنشاط مخازن التبريد وتسجيل حركية معاملاتهم اليومية بالمنتوجات المخزنة والموزعة بالنسبة للأشخاص الطبيعيين والمعنويين المستغلين لمخازن التبريد، وذكرت الوزارة أنّ كلّ ممارسة لنشاط الخزن خارج الأطر القانونية ودون التصريح والانخراط بالتطبيقة الإعلامية يعرض مرتكبه للتتبعات القانونية بما في ذلك حجز البضائع المخزنة.

الزيت المدعم تحت وطأة الاحتكار

وسجلت عدة مواد غذائية مؤخرا نقصا حاد في التزويد نتيجة لعمليات الاحتكار والمضاربة من أبرزها مادة الزيت المدعم التي شهدت هذه السنة حوالي 5 انقطاعات وقد حمل رئيس الغرفة الوطنية لمعلّبي الزيوت الغذائية مختار بن عاشور في تصريح لـ"البورصة عربي" مسؤولية انقطاع هذه المادة لوزارة التجارة والديوان الوطني للزيت نافيا أيّة مسؤولية لمصانع تعليب الزيت المدعّم في هذه الانقطاعات المتكررة أو الاتهامات التي تطالهم باحتكار هذه المادة أو التلاعب بقوت المواطنين.

واعتبر رئيس الغرفة الوطنية لمعلّبي الزيوت الغذائية أن هذه الانقطاعات المتكررة للزيت المدعم، عملية ممنهجة بهدف رفع الدعم عن هذه المادة، داعيا السلط المسؤولة إلى الاعتراف بسعيها نحو رفع الدعم والعمل فعليا على ايجاد حلول بديلة للمواطن، وأضاف أنه من غير المعقول أن يصل سعر اللتر الواحد من الزيت إلى مستويات قياسية في الوقت الذي تم تسعيره بـ 900 مليم وهو ما يؤثر بصفة ملحوظة على المقدرة الشرائية للتونسيين ويهدد قوتهم خاصة بالنظر لأهمية هذه المادة.

المياه المعدنية آخر عمليات الاحتكار

ومثلت المياه المعدنية آخر المواد التي طالتها عمليات المضاربة والاحتكار حيث سجل التونسيون نقصا واضحا في توزيع قوارير المياه المعدنية وذلك تزامنا مع ذروة استهلاك المياه في شهر أوت وخاصة مع دعوة رئيس الجمهورية قيس سعيّد التخفيض في أسعار المياه المعدنية في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها تونس.

وأقرت الغرفة النقابية الوطنية للمياه المعلبة التابعة للاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية تخفيضات في أسعار البيع عند الإنتاج للمياه المعلبة بنسب متفاوتة لا يقل حدّها الأدنى عن 5 بالمائة في جميع الحالات وذلك تفاعلا مع دعوة رئيس الجمهورية إلا أن كبار المنتجين قرروا تخفيض وتيرة توزيع القوارير في السوق لما يمكن أن يتسبب فيه هذا التخفيض في خسائر لهم حسب ما علم "البورصة عربي".

وقامت فرق المراقبة الاقتصادية بالإدارة الجهوية للتجارة بأريانة في إطار التصدّي لعمليات المضاربة والاحتكار، مؤخرا بمداهمة مخزن عشوائي بمنطقة سيدي ثابت، حيث حجزت أكثر من 11 ألف قارورة مياه معدنية من اجل الاحتكار والمضاربة، وسيتم توجيه هذه الكميات نحو المسالك المنظمة.

يبدو ان الكر والفر بن الهياكل الوزارية والمضاربين سيتواصل لفترة طويلة نظرا لما أصبح يتمتع به المضاربون والمحتكرون من وسائل لوجستية هامة وعتيدة تجعلهم يتأقلمون مع مختلف الوضعيات ويفلتون من عمليات الرقابة امام النقص الفادح في وسائل عمل أجهزة الرقابة وخاصة جهاز المراقبة الاقتصادية الذي يفتقر الى العتاد البشري والوسائل اللوجستية لمزيد محاربة الاحتكار في تونس.

ولكن على الرغم من هذا النقص تم تسجيل نجاحات محترمة امام "حيتان " الاحتكار لفي تونس وان هذه الحرب لن يكون مداها قصير.

حسام الطريقي

تم النشر في 31/08/2021