version française ilboursa

توقع خسائر للاقتصاد التونسي بنحو 450 مليون دينار جرَاء الإضراب العام في المؤسسات العمومية

ينفذ الاتحاد العام التونسي للشغل (اقوى منظمة نقابية في تونس) اليوم الخميس 16 جون 2022 إضراباً عن العمل في القطاع العام تحديدا في المنشات والمؤسسات العمومية رداً على رفض الحكومة مطالبه بزيادة اجور العمال والموظفين، في خطوة تشدد الضغط على حكومة نجلاء بودن في بلد يعاني أساساً من أزمة سياسية ومالية خانقة.

يدخل اليوم الخميس آلاف الموظفين العاملين في 159 مؤسسة عمومية في اضراب عن العمل بدعوة من الاتحاد العام التونسي للشغل بعد تعذر التوصل لاتفاق بين الحكومة والمنظمة الشغيلة بخصوص عدد من المطالب النقابية.

ومع تمسك الاتحاد بجملة المطالب التي رفعها وعلى رأسها فتح المفاوضات الاجتماعية لسنوات 2021، 2022، 2023 وإلغاء المنشور عدد 20 الخاص بالمفاوضات وإلغاء المساهمة الاجتماعية التضامنية بنسبة 1 بالمائة، رفضت الحكومة بدورها التنازل عن أي من هذه المطالب.

ويجزم خبراء اقتصاديون أن هذا الاضراب كغيره من الإضرابات العامة السابقة ستكون له تكلفة اقتصادية باهظة وتداعيات مالية واقتصادية خطيرة سواء بشكل مباشر من خلال خسارة يوم عمل من الناتج الداخلي المحلي وتراجع المداخيل الجبائية أو بشكل غير مباشر من خلال التأثير على مناخ الاستثمار وخاصة على مسار التفاوض بين الحكومة وصندوق النقد الدولي.

كلفة اقتصادية باهظة للإضراب

ويقدر الخبير الاقتصادي ورئيس قسم الدراسات بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الجليل البدوي، في تصريح لـ"البورصة عربي"، خسائر الاضراب العام بحوالي 450 مليون دينار وهو ما يعادل تكلفة يوم عمل من خلال قسمة مجموع الناتج الداخلي الخام (120 مليار دينار) على حوالي 255 يوم (دون احتساب أيام السبت والآحاد والأعياد الوطنية والدينية) مضيفا أن الاضراب سيؤثر على عدة قطاعات حيوية مثل النقل وتنقل العمال لمراكز الإنتاج، إضافة للاضطراب على مستوى الإنتاج والخدمات.

كما أن تقديرات أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا شكندالي لا تختلف كثيرا عن تقديرات البدوي مستدركا أنه لا يمكن حصر التكلفة الجملية للإضراب والذي سيكون له تداعيات اقتصادية هامة بما أنه سيشل الحركة الاقتصادية خاصة على مستوى النقل البري والبحري والجوي وهو سيؤدي إلى تعطيل المرفق العام وتراجع انتاج المؤسسات العمومية الوطنية.

تأثيرات غير مباشرة

ويضيف الشكندالي في تصريح لـ"البورصة عربي" أنه وإلى جانب التكلفة المباشرة للإضراب فإنه سيكون له تأثيرات غير مباشرة وخاصة أنه يتزامن مع الانطلاق في اعداد أجور شهر جوان، ومن الوارد أن يكون للإضراب تأثير على خلاص أجور الموظفين باعتبار أن القباضات المالية ستشارك في هذا الاضراب وبالتالي ستتعطل تعبئة الموارد الجبائية.

ويشير المتحدث إلى أن الاضراب له تأثيرات كبيرة على مناخ الاستثمار والترويج لصورة غير مطمئنة للمستثمرين الأجانب وحتى التونسيين باعتبار تعطيل الاضراب لكل مؤسسات الدولة الحيوية، لا سيما وانها تستعد لاحتضان تظاهرة ترويجية كبيرة وهي الدورة العشرين لمنتدى تونس للاستثمار يومي 23 و 24 جوان 2022

الحكومة دفعت نحو الوصول للإضراب

يـأتي الاضراب العام في تونس قبيل أيام قليلة من زيارة مرتقبة لوفد من صندوق النقد الدولي إلى تونس يومي 20 و21 جوان المقبل وهو ما جعل موقف الحكومة محسوما باتجاه رفض كل مطالب اتحاد الشغل حسب عبد الجليل البدوي وذلك لإيصال رسالة لصندوق النقد بأن حكومة بودن جادة وملتزمة بكل تعهداتها مع الصندوق وهي على استعداد لتنفيذ كل شروطه وخاصة ما يتعلق بكتلة الأجور.

وحسب البدوي فإن الحكومة لم تكن جدية في مفاوضاتها مع اتحاد الشغل بل إنها دفعت نحو الوصول للإضراب رغم كل خسائره، آملة من وراء ذلك في فتح الأبواب أمام تمويلات سواء مباشرة من صندوق النقد أو بشكل غير مباشر عبر الخروج على الأسواق المالية الدولية.

كما أكد محدثنا أن صندوق النقد بدوره يدرك كل المستجدات في تونس وهو يبعث برسالة أنه غير واثق في الحكومة ويدرك أن الاتحاد لن يتنازل عن مطالبه وعلى رأسها المفاوضات الاجتماعية، وأن الحكومة تسعى للوصول لاتفاق ثم يمكن أن تتجه لاتفاق مع الاتحاد كما حصل مع الحكومات السابقة.

المفاوضات مع صندوق النقد على المحك

من جانبه عاد رضا شكندالي على التقرير الأخير لوكالة "فيتش" الذي بين أن خروج اتحاد الشغل عن مسار الحوار والتوافق مع الحكومة سيؤثر على المفاوضات مع صندوق النقد وبالتالي فالإضراب سيزيد في تعكير الأجواء وتعطل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وهي التداعيات الكبيرة التي يمكن أن يعمقها الاضراب العام.

وشدد على أن المنظمة الشغيلة أعلنت رفضها للإصلاحات التي تقدمت بها الحكومة وهي أصلا غير قابلة بمسار التفاوض مع الصندوق على هذه الشاكلة وبالتالي فإن خروج الاتحاد من دائرة الحوار والتوافق سيكون له تكلفته خاصة وأن المنظمة الشغيلة هي لاعب أساسي في تنفيذ الإصلاحات الخاصة بالدعم وإصلاح المؤسسات العمومية وكتلة الأجور.

وعلق محدثنا أن الاتحاد وصل إلى اعلان الاضراب العام كوسيلة نضالية أخيرة للدفاع عن المقدرة الشرائية للتونسيين خاصة في هذا الظرف الذي نشهد فيه تراجع مذهل للمقدرة الشرائية للتونسيين مع ارتفاع كبير للأسعار داعيا الحكومة لوضع سياسات اقتصادية واضحة تؤدي إلى تماسك المقدرة الشرائية مضيفا أن هذه الرؤية الواضحة لم ترد في البرنامج الاقتصادي للإصلاحات الذي قدمته الحكومة والذي بقي برنامج شعاراتي حسب تعبيره.

وكانت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني اعتبرت في نهاية ماي الماضي، أن الخلافات بين الاتحاد والحكومة تعرقل مفاوضات البلاد مع صندوق النقد الدولي، مؤكدة أنه "من الصعب جداً" إقرار إصلاحات سياسية واقتصادية دون دعم المركزية النقابية.

شلل

ومن المفترض أن يلتزم بالإضراب العاملون في قطاعات النقل والمواصلات والاتصالات وخدمات البريد والمؤسسات التعليمية، بما فيها المدارس والجامعات، كما ستتوقف حركة الملاحة في سائر مطارات البلاد وحركة النقل البحري، في وقت تستعد فيه تونس لموسم سياحي. ورداً على إصرار الاتحاد على المضي قدماً بالإضراب، قال المتحدث باسم الحكومة، وزير النقل نصر الدين النصيبي يوم أمس الأربعاء، إنه سيتم تسخير عدد من الموظفين من أجل تأمين الحد الأدنى من الخدمات للمواطنين.

يشار الى ان الاتحاد العام التونسي للشغل قد نفذ منذ الحقبة الاستعمارية وصولا الى اليوم العديد من الإضرابات العامة أشهرها اضراب 26 جانفي 1978 والذي سقط فيه العديد من الضحايا واضراب العام يوم 13 جانفي 2011 واضرابان عامان عند اغتيال المناضل اليساري شكري بلعيد في 6 فيفري 2013 والنائب بالمجلس الوطني التأسيسي في 25 جويلية 2013 جويلية محمد البراهمي واضراب عام اخر في سنة 2019

أمير البجاوي

تم النشر في 16/06/2022