version française ilboursa

توجه تونس نحو '' نادي باريس '' بين الواقع و التخمينات

توقع التقرير الأخير "لبنك أوف أمريكا" حول وضعية المالية العمومية في تونس، أن تصل فجوة التمويل الخارجي إلى 1.9 مليار دولار أي ما يعادل 5.6 مليار دينار  خلال  الربع الأخير من السنة الحالية مما قد يؤدي إلى تأخر تونس في خلاص ديونها ونقص محتمل في مواردها الذاتية.

كما بين البنك أن الدعم المالي الإقليمي لتونس غير مضمون على المدى القصير ، وهو ما تأكد في آخر زيارة لرئيسة الحكومة نجلاء بودن إلى المملكة العربية السعودية بما يثبت أنه لا يمكن التعويل على التعاون المالي الثنائي، لأن أي  دعم ثنائي سيمنح لتونس في المستقبل يتطلب إعادة هيكلة محتملة للدين العمومي من خلال التوجه لنادي باريس مما سيعمق من الأزمة الاقتصادية للبلاد

كما لاحظ البنك أن تحويل هذه الفجوة إلى سيولة نقدية من شأنه أن يضاعف حجم تمويل البنك المركزي مقارنة بسنة 2020 ما من شأنه أن يسرع في تقليص الاحتياطي الوطني من النقد الأجنبي.

وحذر عدد من المتابعين للشأن الاقتصادي التونسي من إمكانية توجه تونس لنادي باريس بعد أن تجاوزت ديونها سقف 100 مليار دينار وهو ما يقترب من السيناريو اللبناني حيث لم تعد الدولة قادرة على الإيفاء بتعهداتها الخارجية. من جانب آخر اعتبر خبراء اقتصاديون أن اللجوء لنادي باريس يعتبر غير مطروح الآن وتهويل غير منطقي رغم الظرف الاقتصادي الصعب والدقيق لتونس وذلك لأن الحكومة الحالية لم تقدم فعليا توجهاتها عبر قانون المالية لسنة 2022 وتواصل المفاوضات مع صندوق النقد وبقية المانحين الدوليين.

متى تدعى البلدان إلى "نادي باريس"؟

تدعى البلدان العاجزة عن تسديد ديونها إلى "نادي باريس" الذي تجتمع فيه الدول المقرضة  وعددها 22 دولة ويلتقي أعضاء "نادي باريس" كل ستة أسابيع في "بيرسي"، ويترأس هذا الاجتماع  الذي يحضره مسؤولون من 22  دولة  مسؤول رفيع المستوى. وتأسس نادي باريس في سنة 1956 لمعالجة ديون الأرجنتين في تلك الفترة وتم لتلاقي في باريس لأجل ذلك تمت تسميته بنادي باريس.

ويتناقش المجتمعون العديد من القضايا المالية المتعلقة بالدول المدينة والتي أثقلت الديون كاهلها ربما نتيجة حروب أو صراعات أو أزمات اقتصادية ويكمن الهدف العام لـ"نادي باريس" في مساعدة الدول المدينة على سداد ديونها والخروج من أزماتها المالية وتحسين أحوالها الاقتصادية والحيلولة دون إفلاسها.

و تتم جدولة ديون تلك الدول من قبل النادي بتوصية ضرورية من صندوق النقد، وبالتالي، لا بد أن تكون الدولة عضوا في الصندوق وأبرمت اتفاقا معه، وقبل جدولة ديونها بواسطة النادي، ستكون قد مرت بالعديد من الإجراءات التقشفية وبعض الإصلاحات الأخرى، ويتم اللجوء لـ"نادي باريس" لإعادة جدولة الديون أو شطب جزء منها أو إلغائها بالكامل كملاذ أخير غالبا قبل التعثر في السداد.

تونس تسير بخطى ثابتة نحو "نادي باريس"

ويجزم الخبير الاقتصادي ووزير التجارة الأسبق محسن حسن بأن تونس تسير بخطى ثابتة نحو "نادي باريس" وذلك حسب المؤشرات الاقتصادية التي تقدمها الميزانية التكميلية لسنة 2021 واللجوء المفرط للاقتراض الخارجي والداخلي وارتفاع الدين العمومي العام الذي تجاوز عتبة الـ100 مليار لأول مرة.

وحذر حسن في تصريح "للبورصة عربي" من المخاطر الكبرى التي يمكن أن تنجر عن الدخول لنادي باريس عبر إعادة جدولة الديون ووضع شروط مجحفة للمانحين وفرض إصلاحات موجعة ستكون لها كلفة اقتصادية وخاصة اجتماعية كالدعوة للتخفيض في الأجور وخوصصة المؤسسات العمومية والتقليص من النفقات في الشأن الاجتماعي ونفقات الدعم.

واستدرك أن مخاطر التوجه لنادي باريس تبقى نسبية ذلك أن الحلول تبقى بيد التونسيين الذين يتوجب عليهم تجاوز خلافاتهم السياسية الداخلية لتجنب السيناريو اللبناني وضرورة تنظيم حوار وطني واقتصادي لإنقاذ تونس، مشددا  على أنه لا طائل اليوم من استمرار الصراعات السياسية وخاصة ضرورة تجنب الدخول في معركة مع الاتحاد العام التونسي للشغل والتي ستكون تداعياتها خطيرة على الجميع.

"نادي باريس" مجرد أحلام وأماني لدى البعض؟

من جانبه اعتبر الخبير الاقتصادي فتحي زهير النوري في تصريح لـ"البورصة عربي" أن هذا التقرير لا يعدو أن يكون مجرد تخمينات وهي أماني وأحلام لدى البعض وأن ما ورد في تقرير "bank of america" مخطوط بـ"حبر تونسي" حسب تعبيره، لافتا إلى أن تونس ورغم الأزمة الاقتصادية العميقة التي تعيشها لم تصل لمرحلة التوجه إلى "نادي باريس" وإعادة جدولة ديونها.

في المقابل نبه النوري الذي شغل منصب عضو في مجلس إدارة ابنك المركزي التونسي، من المخاطر التي تتهدد تونس داخليا ومن اللجوء إلى تمويل الفجوة المالية في الميزانية بالاعتماد على البنك المركزي الذي سيضخ سيولة لسد هذه الفجوة وهو ما ستكون له عواقب وخيمة ستمس التوازنات المالية للبلاد من خلال التأثير على سعر الفائدة وسعر الصرف وتقليص الاحتياطي الوطني من النقد الأجنبي.

وقال الخبير الاقتصادي أن السلط التونسية تعتمد سياسة التعتيم حول توجهات ميزانية الدولة لسنة 2022 ولم تقدم الحلول التي يمكن أن تلجأ لها في تمويل العجز مضيفا أن تونس استنفذت كل آليات الاقتراض الداخلي الذي تجاوز 8 مليار دينار من رقاعات خزينة قصيرة وطويلة المدى و3 اكتتابات وطنية في سنة واحدة وقروض وطنية ولم يبق إلا الالتجاء لضخ السيولة عبر البنك المركزي وبالتالي الإجهاز نهائيا على استقلاليته إضافة إلى التداعيات الخطيرة على مستوى التضخم وخاصة الدخول في عجز مضاعف على مستوى الميزانية فضلا عن عجز مالي.

ودعا فتحي زهير النوري الحكومة التونسية إلى ضرورة اعتماد الشفافية ومصارحة التونسيين بحقيقة الوضع الاقتصادي والانكباب على إيجاد حلول تشاركية وذلك من خلال الإعلان عن توجهات ميزانية 2022 والحلول التي يمكن اعتمادها، محذرا من إمكانية إعلان قيس سعيد يوم 17 ديسمبر عن اللجوء إلى البنك المركزي لضخ سيولة نقدية قصد سد العجز الكبير في ميزانية الدولة وهو ما اعتبره محدثنا الكارثة الكبرى التي تتهدد الاقتصاد التونسي والتي تعتبر أخطر من الدعوة لـ"نادي باريس".

أمير البجاوي

تم النشر في 08/12/2021