توالت الإعلانات التي تصدرها يوميا الإدارة العامة للديوانة التونسية عن حجز مبالغ متنامية من العملة الأجنبية (اليورو او الدولار) والقبض على مهربي العملة ما يعكس تفشي ظاهرة تهريب العملة في تونس الذي اضحى نشاطا قائم الذات يهدد الاقتصاد التونسي.
وفي وقت تونس بأمس الحاجة الى الموارد المالية ولا سيما العملة الأجنبية لتدعيم رصيدها من احتياطي النقد الأجنبي، تنامت تجارة العملة بطرق غير شرعية الى درجة ان أجهزة الامن الديوانة يعلنون يوميا عن حجز مبالغ من العملة الأجنبية في أماكن مختلفة من البلاد وبخاصة في المعابر الحدودية وتحديدا في المطارات.
استهداف منابع تهريب العملة
أكد هيثم الزناد المتحدث الرسمي باسم جهاز الجمارك التونسي، ان عصابات التهريب بما فيها شبكات تهريب العملة اكتسحت الاقتصاد التونسي، معتبرا ان تونس ومن خلال مختلف الاسلاك الامنية بحاجة الى تدعيم الاقتصاد الوطني لأجل حمايته في فترة عصيبة تونس في أمس الحاجة الى موارد مالية.
وقال في تصريحات اعلامية ان الديوانة التونسية استهدفت منذ مطلع العام الحالي منابع تهريب العملة التي تعمد الى تمويل البضاعة من الخارج من دون المرور عبر القنوات القانونية لتغمن القدر الكبير من الأرباح من دون ان ينتفع الاقتصاد التونسي من الضرائب الموظفة على عمليات التوريد.
وشدد على ان الجهود المبذولة من مختلف الوحدات والفرق المختصة التابعة للديوانة بالتعاون مع الجيش والحرس الوطنيين حققت نتائج ملموسة بالكشف على شبكات تهريب العملة.
وكشف انه تم منذ جانفي الى موفى جويلية من هذه السنة حجز مبالغ هامة من العملة الأجنبية بلغت 10 حوالي ملايين دينار منها مبالغ هامة في الشهرين الأخيرين بتواتر عملية الحجز، لافتا الى ان هذا المبلغ مرتفع بالمقارنة مع السنوات الفارطة.
وعن أسباب هذا الارتفاع أكد المتحدث باسم الديوانة انه ربما حرص مهربو العملة على استغلال الظرف السياسي والاقتصادي الذي تمر به البلاد وتركيز الأجهزة الأمنية على تامين استقرار البلاد وفرض النظام للقيام بعمليات تهريب العملة عبر طرق متنوعة ومختلفة.
ورجح ان الربح السريع والسهل جعل هذه "الافة" تنتشر في مختلف الاوساط الاجتماعية لتشمل قطاعات مهنية حساسة فضلا عن ارتفاع البطالة شجع العاطلين عن العمل على تعاطي نشاط تهريب العملة.
وخلص الى الجهود متواصلة لتطويق قدر الإمكان من تهريب العملة لكنه لم ينف ان الظاهرة اخذت في التوسع في الفترة الأخيرة من منطلق انها تدر ارباحا كبيرة وسهلة على الناشطين في هذا المجال المحجر قانونا.
قوانين بالية
وعلق انيس الوهابي الخبير المحاسب وامين عام اتحاد المهن الحرة في تونس ان تنامي تهريب العملة في تونس مرتبط في نظره بأمرين اساسيين، يتعلق الأول بتفاقم الاقتصاد الموازي الذي اضحى يمثل جزءا هاما من الاقتصاد التونسي وان الدولة عجزت عن احتواءه على الرغم من العديد من الإجراءات التي سنها في مختلف قوانين المالية.
وشدد على ان توسع ظاهرة تهريب العملة من تونس أصبح جزء من المنظومة الاقتصادية ونتيجة طبيعية لها وليس حدثا مستقلا بذاته. ويتعلق الامر الثاني وفق تصريح انيس الوهابي بقانون الصرف الذي وصفه "بالبالي" اذ يعود الى سنة 1976 ما خلق وفق رايه فصام تام بين القطاع المنظم والقطاع الموازي.
ولفت الى في هذا الصدد الى عجز القطاع المنظم على استيعاب التطورات الحديثة والمتسارعة على غرار العملات الرقمية في المقابل تبنى القطاع الموازي هذه العمليات وأصبح يديرها بطريقة سلسلة وبأقل كلفة من تعريفات القطاع البنكي.
ودعا الى وجوب تنقيح المنظومة القانونية والتشريعية في مجال الاتجار بالعملة بطريقة غير مشروعة بتسليط عقوبات صارمة على المخالفين مستغربا من انه في حال حجز الأجهزة الأمنية لأموال اجنبية بطريقة غير قانونية فان القانون الراهن يصنفها على انها مخالفة صرف وليست جريمة وان المعني بالأمر باستطاعته ان يقوم بإجراء صلح مع جهاز الديوانة فقط.
حلول ولكنها غير كافية
تسعى تونس لمجابهة تهريب الاموال الى السوق الموازية ومكافحة غسيل الأموال والتهريب وذلك بمراقبة تدفق الأوراق الماليّة الأجنبيّة عبر أراضيها، ووفقا لدراسة أنجزها البنك المركزي التونسي سنة 2014 فإنّ 42 في المئة من العملة الأجنبية يقع تداولها خارج الدورة المالية المنظمة.
وحرصا على مزيد تطويق الظاهرة أعلن المركزي التونسي في شهر فيفري 2021 الشروع في استغلال منصّة "حنبعل" التي تمّ أحداثها باستخدام تقنية الدفاتر الموزّعة أو ما يعرف ب"الـبلوك تشاين" وستعنى بمراقبة النقل المادي للعملات الأجنبية عبر المعابر الحدودية في تونس بصفة دائمة.
وستسمح هذه المنصة الجديد وفق تصريحات إعلامية لمحافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، بتحديد قيمة العملات الاجنبية المستوردة وغير القانونية.
ويقول كاتب عام اللجنة التونسية للتحاليل المالية التابعة للبنك المركزي ان منصة حنبعل ستحدد مصدر الاموال وهوية العابرين الحاملين لتراخيص جمركية، كما ستسمح بإعطاء فكرة محدّدة بشأن القيمة الجمليّة للعملة الأجنبيّة المورّدة، والتّي لم يتم تسوية وضعيتها طبقا لإجراءات الصرف سارية المفعول.
وأشار حشيشة الى ان المشروع الجديد سيُمكن البنك المركزي من الوقوف على كل الأموال التي تنحرف عن مسارها الطبيعي ويتم تداولها في السوق الموازية او في اعمال تهريب او تبييض إرهاب، وهو ما من شأنه ان يدعم المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وعن اسباب إطلاق المنصة، أفاد عضو لجنة التحاليل المالية انه تم رصد وتسجيل العديد من التجاوزات في متابعة النقد الاجنبي تونس من ذلك تبادل الاموال في السوق الموازية او في بعض الاحيان رصدها في تمويل الإرهاب.
وعلى الرغم من حداثة هذه المنصة الا ان عمليات تهريب العملة لا زالت تنخر الاقتصاد التونسي وتساهم في اضعافه في ظل محدودية الحلول وضعف الترسانة القانونية بدليل استشراء الظاهرة في البلاد.
مهدي الزغلامي
تم النشر في 10/09/2021