version française ilboursa

تضخم عدد الموظفين في تونس يُعمَق اختلالات الميزانية وقد يكون حجرة عثرة للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي

تسبَب رفض رئيس الجمهورية قيس سعيد القانون عدد 38 لسنة 2020 المتعلق بتشغيل أصحاب الشهادات العليا والذين طالت بطالتهم لأكثر من عشر سنوات ازمة اجتماعية جديدة في البلاد واحتقان كبير في صفوف المعنيين بهذا القانون الذي صادق عليه مجلس نواب الشعب المجمدة اعماله منذ 25 جويلية 2021. 

ولئن اختلفت الآراء والقراءات السياسية والاجتماعية بشأن هذا الملف لكن الخبراء الاقتصاديين اجمعوا على ان تفعيل هذا القانون سيعود بالضرر على التوازنات المالية للبلاد نظرا للعديد الكبير من المشمولين بهذا القانون وكذلك يمكن ان يكون حجر عثرة في التفاوض مع الصندوق النقد الدولي الرافض منذ عدة سنوات مسالة تضخم عدد الموظفين.

وأعاد طرح هذا الملف موضوع العدد المتزايد للموظفين في تونس بعد سنة 2011 الذي أرهق الميزانية بالمقارنة مع المردودية والنجاعة وخاصة جودة الادارية فلي تونس في علاقة بالاستجابة الى طلبات المواطنين وخاصة ردة الفعل المطلوبة مع المستثمرين.

الانتدابات متواصلة

كشفت الميزانية التعديلية لعام 2021 التي أصدرتها وزارة المالية التونسية عن آخر رقم رسمي ومحين للموظفين في البلاد والبالغ 661 الفا و703 موظفين في مختلف الوزارات بمصالحها المركزية والجهوية وبالمؤسسات الحكومية الملحقة ميزانياتها ترتيبيا بميزانية الدولة.

وتبلغ كتلة أجور الموظفين 20.3 مليار دينار ما يعادل حوالي 40 في المئة من اجمالي الموازنة العام لتونس التي تعد تونس حوالي 12 مليون نسمة منهم أكثر من أربعة ملايين نشيطين

ولطالما شكَل ملف العدد الكبير للموظفين في القطاع العام والوظيفة العمومية في تونس عنصر صراعات سياسية واقتصادية ونقابية بين منتقد لهذا العدد المتنامي بالمقارنة مع القدرات المالية المتهالكة للدولة وبين مناصر لوجوب مواصلة سياسة الانتدابات تحقيقا لاحد المطالب لما بعد سنة 2011 وهي ضرورة توفير التشغيل. 

الإذعان للمطالب الاجتماعية

سقطت الحكومات المتعاقبة بعد 2011 بين مشكلتين أساسيتين، المطالب الاجتماعية والاصلاحات الهيكلية للاقتصاد التونسي، بالنظر إلى تجارب الدول، فإن الإصلاحات الهيكلية عادة ما تتطلب وضعا اجتماعيا مستقرا.

 هذه الحقائق دفعت مختلف الحكومات إلى الإذعان للمطالب الاجتماعية والتي تتمثل أساسا في التشغيل، وإهمال التنمية والإصلاحات الأساسية للاقتصاد التونسي وذلك عبر خلق مواطن شغل في القطاع العام باعتباره أسهل الحلول. 

 عام بعد عام، تضخم عدد الموظفين العموميين وتراجع نمو الاقتصاد التونسي لترتفع نسبة التضخّم وينهار الدينار ويظهر تحدّ جديد يتمثل في ارتفاع هائل لكتلة الأجور.

لكن متاعب الحكومات التونسية لم تتوقف عند هذا الحد، فمع تزايد الطلب على القروض الخارجية، فرض صندوق النقد الدولي مجموعة من الإصلاحات أهمها التحكم في كتلة الأجور والعودة بها إلى مستوى 14في المئة من الناتج الداخلي الخام.

وانتقد الصندوق في عام 2014 كتلة الأجور في تونس معتبرا إياها الارفع في العالم وانه يتحتم التحكم فيها مع استعادة نسق النمو.

هدف صعب التحكم فيه

ومع قدوم كل حكومة جديدة وخاصة عند شروعها في المفاوضات مع صندوق النقد الدولي تلتزم بالعمل على التقليص من كتلة اجور الموظفين لكنها سرعان ما تصطدم بواقع سياسي (البرلمان والحسابات السياسية الضيقة) وصراع نقابي ممثلا في المنظمة الشغيلة التي ترفض مبدا التقليص من كتلة الأجور على حساب القدرة الشرائية لأجراء القطاع العام.

واخر الفشل شمل حكومة هشام المشيشي التي خططت لتسريح موظفين في الدولة، وإحالتهم إلى التقاعد المبكر، واقتراح سلسلة من الاجراءات تعوض خروجهم من القطاع العمومي والسعي.

ووفق وثيقة الخطة الإصلاحية للاقتصاد التونسي الواردة في 43 إجراء عرضها وفد حكومي رفيع المستوى على مسؤولي صندوق النقد الدولي خلال زيارة رسمية إلى واشنطن من 3 إلى 8 ماي2021، آملين في الحصول على قرض تمويلي جديد بقيمة 4 مليارات دولار لتمويل موازنة تونس لهذا العام.

وتأمل الحكومة التونسية آنذاك عبر هذه الإجراءات بالتحكم في كتلة الأجور بنسبة 15 في المئة من الناتج الداخلي الخام في 2022 مقابل 17.4 في المائة في 2020.

فيتو نقابي

اعتبر 2021 الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل حفيظ حفيظ، أن ارتفاع كتلة الأجور هو كذبة كبرى وأن الحديث عن ارتفاع عدد العاملين بالقطاع العام هو كذلك كذبة كبرى.

وشدَد على أن مسألة تقليص الأجور هي مسألة غير مطروحة وغير قابلة للنقاش، مشيرا إلى أن المنظمة الشغيلة تطالب بالحفاظ على دورية النقاشات حول الزيادة في الاجور كل ثلاث سنوات ضمن جولة مفاوضات اجتماعية جديدة.

وأوضح المسؤول النقابي أن الحديث عن ارتفاع كتلة الأجور والتلميح إلى الضغط عليها والتقليص في عدد الموظفين هو كلام تم طرحه في الحكومات السابقة لكنه لم يُنفَذ.

وكشف أن اهم وزارات في تونس تستحوذ على العدد الأكبر من الموظفين وهي وزرات التربية والتعليم والصحة وتعد حيوية لا يمكن المس من موظفيها بل إنها تشكو نقصا في الموارد البشرية وفق اعتقاده.

اثقال موازنة البلاد

أظهرت دراسة للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (هيكل تابع لرئاسة الجمهورية) حول أزمة الوظيفة العمومية في تونس أن عدد الموظفين في القطاع الحكومي تضاعف 16 مرة منذ الاستقلال، إذ ارتفع من حوالي 36 ألفا عام 1956 إلى أكثر من 660 ألفا عام 2021.

وبينت الدراسة، التي صدرت مؤخرا، أن عدد موظفي القطاع الحكومي تضخم بعد عام 2012 بسبب عمليات التوظيف العشوائية لصالح المنتفعين من العفو التشريعي مما فتح المجال لانتدابات استثنائية لأهالي شهداء الثورة وجرحاها وكذلك تسوية وضعية عمالة المناولة والحظائر (آليات عمل هشة تعتمدها الحكومة من قبل 2011) والمقدر عددهم بحوالي 54 ألفا.

وتسبب تضخم عدد موظفي القطاع الحكومي في إثقال موازنة البلاد بكتلة أجور اعتبرها صندوق النقد الدولي من بين الأضخم في العالم بسبب استئثارها بـ 17في المئة حاليا من الناتج المحلي الإجمالي لتونس.

غياب رؤية اصلاحية 

وقال رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية ان هناك زيادة بحوالي 20 ألف موظف جديدة تم انتدابهم في الوظائف الحكومية وفق ما كشفت عنه الميزانية التعديلية لعام 2021 منهم نحو 6 الاف عامل في الحضائر تمت تسوية وضعيتهم ليتم ادراجهم في حجم كتلة الأجور المتهالك والذي ينذر بعواقب وخيمة على المالية العمومية التونسية.

وبتعمقه في المسالة شدد أكد تزايد الانتدابات في الوظائف الحكومية سيرهق موازنة الدولة ويرغمها على إيجاد الحلول العاجلة لتوفير الأجور التي تمثل لوحدها زهاء 40 في المئة من حجم الموازنة العامة إما عن طريق اللجوء الى الاقتراض الخارجي مثلما حصل في كل السنوات الفارطة او طلب التمويل المباشر من البنك المركزي التونسي الامر الذي يحجره القانون المنظم للبنك.

ضعف التفاوض 

واعتبر ان مواصلة الانتدابات من دون رؤية إصلاحية سيشكل في اعتقاده حجر عثرة للحكومة التونسية في تفاوضها مع صندوق النقد الدولي الذي يوصي بضرورة التخفيض من كتلة الأجور والنزول بها الى مستوى اقل من 14 في المئة مقابل حوالي 18 في المائة حاليا.

ومن جانب اخر استغرب رضا الشكندالي اختلال التوازنات الاقتصادية والمالية لتونس جراء كتلة الأجور موضحا ان كتلة الأجور ما انفكت تنتفخ من سنة الى أخرى مقابل التراجع الهام وغير المبرر للناتج الداخلي الخام التونسي ما سيزيد بحسب رايه في تعمق الإشكاليات المالية للبلاد.

وعن موقفه من موقف الاتحاد العام التونسي للشغل من مواصلة انتهاج الحكومة لسياسة التشغيل لا سيما في القطاعات الحيوية على غرار الصحة والتعليم والامن، تفهم أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية حرص المنظمة النقابية الدفاع عن الاجراء والموظفين وتعزيز الإدارة التونسية بالكوادر.

ولكنه بالمقابل انتقد الحكومات المتتالية ضعف تفاوضها مع المركزية النقابية ورضوخها بالتالي الى المطالب بوجوب مواصلة التشغيل وأنها المتسبب الأول في تضخم عدد الموظفين في تونس.

غياب النجاعة والمردودية

وبخصوص مدى نجاعة ومردودية الإدارة التونسية في الاستجابة لمشاغل التونسيين وكما المستثمرين، أبرز المتحدث ان الخدمات متردية جدا ولا تتناسب تماما مع العدد الكبير للموظفين.

وتابع بالقول" إنتاجية الموظفين في تونس ضعيفة جدا لان المسالة مرتبطة بمنظومة كاملة او بمناخ محدد يجب ان يتوفر انطلاقا من توفير جملة من الشروط على غرار وجود مشروع عمل للموظف يشتغل عليه".

كما لفت الى ظاهرة التغيب عن العمل التي تفقد ملايين ساعات العمل وبروز شعارات يتهكم بها المواطنون على خدمات الإدارة من قبيل "عُد غدا أو المنظومة المعلوماتية غير متاحة الان" للتهرب من العمل.

وخلص الى مسالة عدم التوزيع العلمي والمدروس للموظفين في الجهات مستدلا في ذلك على ان العديد من المشاريع داخل البلاد متعطلة بسبب عدم توفر الكوادر والاطارات الادارية للإشراف على تنفيذ المشاريع.

 مهدي الزغلامي

تم النشر في 25/11/2021