version française ilboursa

تشريك الشركات الناشئة في الاستثمار في الطاقة وانجاز طلبات العروض أبرز ملامح تنقيح مجلة المحروقات

أعلنت وزارة الصناعة والمناجم والطاقة يوم غرة نوفمبر 2022 اعتزامها تنقيح جزئي لمجلة المحروقات وذلك بصفة تشاركية مع الوزارات المعنية في مرحلة أولى ومع مختلف مكونات المجتمع المدني الناشطة في قطاعي الطاقة والمناجم.

السيد رشيد بن دالي مدير عام المحروقات

 

يتزامن تنقيح المجلة التي صدرت في 1999 مع تحديات قطاع المحروقات في تونس التي اتسمت بتراجع في أنشطة البحث والاستكشاف (3 آبار استكشافية و4 تطويرية منذ سنة 2010 إلى الآن) وانخفاض طبيعي للإنتاج بالحقول وتزايد الاستهلاك مما أدى إلى تفاقم عجز الميزان الطاقي بنسبة تفوق 50 بالمائة مع ارتفاع الأسعار العالمية للنفط والغاز وضغوطات على السوق العالمية للطاقة.

 وكشف رشيد بن دالي مدير عام المحروقات بالوزارة في حوار "للبورصة عربي" ان مشروع تنقيح المجلة جزئيا يرتكز على جملة من المبادئ الأساسية واهمها تشريك الشركات الناشئة للاستثمار في قطاع الطاقة الى جانب إمكانية القيام بطلبات العروض عند اسناد رخص الاستغلال للحقول او الابار النفطية. كما تحدث المسؤول عن التنقيح الجذري والعميق وضرورة التفكير جديا في جاذبية تونس في مجال الطاقة التي لم تعد جاذبة وفق مختلف الدراسات والتقارير الدولية. الحوار.

أعلنت وزارة الصناعة والطاقة والمناجم مؤخرا عن تنقيح جزئي لمجلة المحروقات هل من فكرة هذه المجلة وأهميتها؟

هي اساسا مجلة تعنى بالاستثمار في قطاع المحروقات في تونس وتنظم كيفية الدخول الى تونس من اجل القيام بالعمليات الاستثمارية في مجال المحروقات. الركيزة الاساسية للمجلة باعتبار المخاطر في القطاع فان الدولة التونسية لا تعتمد على مواردها الذاتية فيما يخص الاستكشاف لأنه ينطوي على العديد من المخاطر الاستثمارية والمالية وهي ترغب بان المستثمرين هم يتولون القيام بالاستثمارات اللازمة.

والشركات العالمية وحتى التونسية التي لها من القدرات المالية تدرك جيدا مدى أهمية الاستثمار في المجال خاصة عند الاستكشاف بضخ أموال كبيرة في الدراسات الجيولوجية والتنقيب وتصل الى حدود 10 أعوام من الاستكشاف وقد لا تتحصل على النتائج المرجوة وبالتالي يعد من المخاطر في المجال.

ويقدر معدل الاستثمار في مجال المحروقات في تونس للتوفق الى بئر نفطية يصل على الأرض الى نحو 20 مليون دولار (أي حوالي 60 مليون دينار) وفي حال التوجه الى الاستكشاف في عرض البحر فان الاستثمار يتجاوز 50 مليون دولار (زهاء 150 مليون دينار). واختارت تونس باعتبار كل هذه المخاطر والاستثمارات الكبيرة القيام بخيار استراتيجي بالدخول مع المؤسسة الأجنبية لما يحصل هناك استكشاف والاستغلال عن طريق المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية.

في حال عدم حصول استكشافات ما هي منافع تونس؟

في الواقع هناك منافع في الغرض تتمثل في ان الاستثمارات والتمويلات ساهمت في توفير مواطن شغل ولو لفترة محدودة وضخ أموال وحصول نشاط تجاري في المجال.

ولكن الأهم من ذلك في صورة عدم حصول استكشافات هناك معلومات ومعطيات هامة تتعلق بتوفر معطيات هامة تهم باطن الأرض في تونس للتعامل معها واثراء المعطيات. وفي حال حصول استكشاف فان الدولة التونسية تدخل مع المؤسسة الأجنبية في راس المال بنسبة 50 بالمائة وفي نهاية المطاف تفرض تونس الاداءات والمعاليم الجبائية. وتصل هذه المعاليم بالنسبة الى الاكتشافات والاستغلال في مجال النفط تصل الى 75 بالمائة وبالنسبة الى الغاز اقل بقليل.

تم مؤخرا الإعلان عن تنقيح جزئي لمجلة المحروقات لماذا هذا التنقيح الجزئي؟

تم احداث مجلة المحروقات في سنة 1999 وتعتبر مكسب كبير لتونس وهي مجلة جامعة لكل التشاريع والقوانين في مجال الاستكشاف والتنقيب والاستغلال، ولكن بعد مرور هذه الفترة فان كل نص قانوني يحتاج الى تنقيح او تعديل ومراجعة.

ولقد لاحظنا مظهرين اثنين في السنوات الأخيرة، ويتعلق المظهر الأول تراجع الإنتاج الوطني من النفط من معدل 80 ألف برميل يوميا قبل 2010 الى حوالي 35 ألف برميل حاليا. وفي هذه الوضعية لن نبقى مكتوفي الايدي واشتغلنا على كيفية اعادة التحفيز في المجال لتدارك الوضع الامر الذي يتطلب اعداد دراسة لتطوير المجلة.

ويتمثل المظهر الثاني في بروز نوعية جديدة من الشركات التي تدخل في الاستثمار اذ انه في السابق هناك شركات عالمية كبيرة ذات مصداقية وامكانيات مالية محترمة للاستثمار في هكذا قطاع.

وما حصل في العشرية الأخيرة بروز الشركات الناشئة ورغبتها في الاستثمار في العديد من المجالات ومن ضمنها قطاع المحروقات عبر مهندسين وخبراء اشتغلوا في السابق في كبرى الشركات العالمية في المجال ولها أيضا القدرة لرفع الموارد المالية، الامر الذي يستوجب عدم اقصائها من الاستثمار في المحروقات ووجوب تغيير النظرة اليها ما يستدعي تنقيح القانون.

هل هناك توجهات ومقترحات أخرى في تنقيح مجلة المحروقات؟

مجلة المحروقات 1999ولم يقع تنقيحها منذ حوالي 22 عاما بالشكل المطلوب على الرغم من اجراء بعض التنقيحات البسيطة ولكن تمنينا ادراج عدد من المسائل خصوصا في المفاهيم والقراءة السخية للنص القانوني.

ومن ضمن التنقيحات المقترحة من طرف الخبراء والمجتمع المدني الاعتماد على طلبات العروض عند الإعلان رغبة تونس في استغلال قطعة ارض شاغرة وفيها مأموليه او عند اسناد رخص الاستغلال. والادارة تفاعلت إيجابيا مع هذا المقترح وجعله كخيار للدولة على أساس امتياز انتهت صلوحيته ورخصته.

لماذا تم الذهاب الى تنقيح جزئي لمجلة المحروقات وليس جذري وهيكلي؟

التنقيح الجزئي هو تحسين مباشر للمجلة وسيمس بضعة فصول ما سينجر عنه حتميا مس فصول أخرى ولكن الأهم هو الجوهر وهو التركيز على المفاهيم الدقيقة بالحسم فيها لتفادي التأويلات والثغرات القانونية الى جانب ادخال الشركات الناشئة وضمان النجاعة المالية والتقنية سيتم مزيد توضيحه أكثر علاوة على إقرار مبدا طلب العروض.

وقد اخذت الفصول الجديدة شكلها النهائي إثر سلسلة من الاجتماعات مع المختصين والمجتمع المدني ومن المنتظر عرضها على الوزارات المعنية ثم نظر مجلس الوزراء ومن المرجح في صورة الموافقة على الصيغة النهائية للتنقيح الجزئي لمجلة المحروقات ان تتم المصادقة عليها في الثلاثي الأول من سنة 2023

هل للوزارة مشروع تنقيح جذري وعميق لمجلة المحروقات؟

التنقيح الجذري للمجلة يعني تنقيح ثقيل بمعنى انه قد يفضي الى خيارات معينة للدولة التونسية اذ ان جل الدراسات واخرها دراسة قام بها البنك الدولي استنادا الى الخبراء، قد اجمعوا على مبدا وحيد وهو انه باعتبار تراجع الإنتاج وباعتبار تراجع الاستكشاف، فإن تونس لم تعد جاذبة للاستثمار في هذا المجال.

كما ان جباية القطاع في تونس كانت مخصصة للآبار المنتجة لا سيما وان المجلة عند ارسائها كان حينها جل الابار النفطية منتجة وبكميات كبيرة اذ وصلت تونس في الثمانينات الى انتاج 100 ألف برميل يوميا. ولكن اليوم الأمور تغيرت بشكل كبير إثر التراجع اللافت للإنتاج ومجال الاستكشاف والتنقيب شريطة ان تظهر تونس ان هناك مساحات لا تزال قابلة للاستكشاف والتنقيب وفق ما ذهبت اليه هذه الدراسات ما يستوجب إعادة النظر في الاداءات والمعاليم المفروضة.

وكدولة فان تونس عليها ان تُظهر ان لها إمكانيات في الاستكشاف والتنقيب سيما وان الدراسات تؤكد ان مخزون لم يستكشف بعد ولكن اشكال قانوني قد يبرز ويتمثل في ان الاستكشاف هل يجب ان ينجز من طرف الشركات العالمية الكبيرة ومدى التوفيق بين الجاذبية من جهة والتحفيز لجذب هذه الشركات من جهة اخرى. كما ان الشركات الأجنبية تبحث دوما عن الجاذبية ومناخ الاعمال الملائم والاستقرار السياسي والاجتماعي في البلاد.

وفي اعتقادي فان التنقيح الجذري والعميق سيشمل بالتأكيد مجال جباية القطاع الامر الذي يستوجب قرارات على اعلى مستوى (قرار ساسي) عبر تحديد الضرائب الموظفة على قطاع المحروقات إما بالترفيع فيها او خاصة التقليص منها على ضوء مدى جاذبية البلاد وتراجع الإنتاج. كما تستوجب الوضعية انجاز دراسات هل ان لتونس القدرات الاستكشافية وبروز ابار منتجة لمزيد فرض ضرائب ام لا. واعتقد ان تونس حاليا في مفترق الطرق بين مزيد تطوير الحقول والابار القديمة ومزيد تكثيف الاستكشافات والتنقيب في أماكن جديدة غير تقليدية.

انحصرت الاستكشافات في العقود الماضية على الجنوب التونسي, اين يمكن مزيد تكثيف التنقيب على النفط في تونس؟

اخر حقل ينتج النفط اليوم في اتجاه الشمال هو حقل السواسي في الساحل وحقل طام صميدة في القصرين ولكن في بقية المناطق ليس هناك حقول خاصة الشمالية منها. وتستوجب المسالة انجاز دراسات في الغرض ما يتطلب كذلك إمكانيات مالية هامة الى جانب عدم استكشاف كامل للمناطق البحرية في الشمال التونسي (بنزرت وطبرقة) التي لم تستكشف بعد

وتتطلب المسالة إعادة النظر في باطن الأرض التونسي وإقناع المستثمرين الأجانب واستقطابهم بان لتونس إمكانيات طاقية واهم نقطة في نظري هي مراجعة الجباية الذي يستوجب قرار سياسي.

على ذكر تراجع الجاذبية لتونس هل تعتقد ان المناخ العام في البلاد وارتفاع منسوب المطلبية وخاصة كثرة الاعتصامات أثر على نفور المستثمرين في القطاع؟

هذا امر مؤكد ولا جدال فيه وان اعتصام الكامور شكل منعرجا خطيرا ومثل خسارة كبيرة لقطاع المحروقات في تونس اذ ان عدة شركات منتصبة في تونس مستعدة لمغادرة تونس على الرغم من ان لها أنشطة في البلاد وشركات كبيرة أخرى أبدت رغبتها في مغادرة تونس بصفة ضمنية وغير مباشرة بسبب تردي المناخ الاجتماعي وأنها غير مستعد لمواصلة النشاط والتخوف من بضعة اشخاص يغلقون الحفريات الاستكشافية.

ومع الأسف فان ارتفاع الاحتجاجات والاعتصامات جعلت العديد من الشركات تعيد حساباتها بصفة جدية في مغادرة تونس بين المغادرة الفورية وبين من ينتظر انتهاء اجال الرخصة لعدم تجديدها ومغادرة البلاد وإيجاد مناخ اعمال أفضل. وفي نظري يتعين مزيد الانصات الى مشاغل هذه الشركات وإعادة الثقة إليهم واتخاذ القرارات العاجلة الضرورية.

حاوره مهدي الزغلامي

تم النشر في 14/11/2022