version française ilboursa

ترشيد الدعم وتوجيهه نحو مستحقيه ظل شعارا أجوفا لنحو عشر سنوات

لا يزال ملف إصلاح منظومة دعم المواد الأساسية في تونس يثير الكثير من الجدل وخاصة الغموض حول طرق الإصلاح لمسالة أسالت الكثير من اللغط حول طرق ومواعيد إصلاح المنظومة على امتداد العقد الأخير.

على امتداد العشرية الأخيرة تعاقبت 9 حكومات على تونس استأثر ملف إصلاح الدعم صدارة أولوياتها بإعلانها عن خطط وبرامج إصلاحية تحت شعار وحيد وهو توجيه لدعم نحو مستحقيه ولكن مع مرور الوقت وتتالي الأزمات السياسية خاصة وتدهور الوضعية الاقتصادية والمالية للبلاد تم إرجاء في العديد من المناسبات عملية إصلاح منظومة دعم المواد الأساسية.

ويرى العديد من الخبراء الاقتصاديين أن تأخر عملية الإصلاح يعود إلى عدة أسباب لعل أبرزها عدم تحلي الحكومات المتعاقبة بالجراء والقوة في اتخاذ القرارات اللازمة لملف لا يزال يراوح مكانه بل تعاظمت فاتورة الدعم لتصل إلى مستويات مفزعة واستئثارها بنسب تصل إلى حوالي 2.3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.

وبالرجوع إلى إعلان نوايا رؤساء الحكومات المتعاقبة عن موعد إصلاح هذه المنظومة التي نخرت المالية العمومية فان رئيس الحكومة هشام المشيشي أعلن في 21 جانفي 2021 بمناسبة نيل 11 وزيرا لثقة البرلمان،  إن الحكومة ستنتقل في النصف الثاني من العام الحالي من مرحلة دعم المواد إلى دعم المداخيل في إطار سياسة عامة لإصلاح منظومة الدعم، متوقعا أن يقلّص دعم المداخيل 25 في المائة من نسب الفقر في البلاد.

كما تعهد بإصلاح منظومة الدعم بالاستغناء عن دعم المواد الأساسية وتوجيه الدعم نحو مستحقيه من الفئات الضعيفة في شكل تحويلات مالية مباشرة. ورصدت تونس هذا العام نفقات بـ3400 مليون دينار للدعم، من بينها 2400 مليون دينار لدعم الغذاء و401 مليون دينار لدعم المحروقات و600 مليون دينار لدعم النقل.

فاتورة باهظة

شهدت نفقات الدعم تطورا هاما خلال السنوات الأخيرة لتمر من 730 مليون دينار سنة 2010 إلى 2654 مليون دينار سنة 2020 وهو ما يمثل حوالي 2.3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام.

ويعود ذلك إلى عدة أسباب أهمها المحافظة على أسعار البيع للعموم للمواد المدعمة مع الارتفاع المستمر لكل مدخلات الإنتاج ( المواد الأولية، الأجور، الطاقة) وارتفاع أسعار الحبوب والزيت النباتي في الأسواق العالمية.

ويستند تقييم الحكومة لسياسة الدعم في تونس إلى جملة من الأسباب لعل أهمها أن الدعم يعد مكسبا اجتماعيا ساهم في حماية القدرة الشرائية للطبقات الضعيفة والمتوسطة  واحتواء نسبة التضخم (70 بالمائة من الدعم موجه نحو الفئات الفقيرة والمتوسطة) وتحسين النفاذ إلى الغذاء والخدمات بأسعار معقولة إلى جانب حماية القدرة الشرائية للمستهلك في فترات الأزمات العالمية على غرار أزمة سنة 2008 .

تنامي التبذير والتهريب

ومن سلبيات منظومة الدعم في تونس كلفة مالية عالية من الممكن استغلال جزء منها للتنمية وتدهور التوازنات المالية لبعض المؤسسات العمومية وتداعيات ذلك على توازنات الجهاز البنكي إلى جانب ضعف مردودية المؤسسات الخاصة العاملة في القطاعات المدعومة ( ضغط على هوامش الربح و تحميلها جزء من كلفة الدعم...).

ومن العوامل السلبية الأخرى تنامي بعض الظواهر على غرار التبذير والتهريب بالنظر إلى الفوارق السعرية مع دول الجوار (ليبيا أساسا ) علاوة على استفادة بعض الشرائح الاجتماعية غير المستحقة للدعم.

وفي دراسة للمعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع البنك الدولي سنة 2012 أظهرت أن 9 بالمائة فقط من الفئات الفقيرة تنفذ إلى لمواد المدعمة و 61 بالمائة للفئات المتوسطة و 7 بالمائة الفئات الميسورة.

ومن النقاط السلبية في منظومة الدعم في تونس، عدم تنفيذ البرنامج الدوري لتعديل أسعار البيع للعموم التي حافظت على مستواها المسجل سنة 2008 مقابل ارتفاع تكاليف الإنتاج (أجور، طاقة...) والأسعار العالمية للحبوب والزيت النباتي في السوق العالمية.

وتم تسجيل تفاقم التشوهات السعرية (سعر السميد اقل من سعر الشعير والأعلاف وسعر البز اقل من بعض المواد الكمالية) وارتفاع متواصل في تكاليف الدعم بنسق لا يتماشى وإمكانيات ميزانية الدولة علاوة على ارتفاع المتخلدات بعنوان دعم المواد الأساسية أدى إلى بعض صعوبات في تمويل شراءات المؤسسات  العمومية (ديوان الحبوب والديوان الوطني للزيت...)

وترجع سياسة دعم المواد الأساسية إلى أربعينيات القرن الماضي حيث احدث الصندوق العام للتعويض بمقتضى الأمر العلي المؤرخ في 28 جوان 1945، غير أن الصيغة الحالية للصندوق تعود للقانون عدد 26 لسنة 1970 المتعلق بأنظمة الأسعار و زجر المخالفات في المادة الاقتصادية.

وتندرج أهداف الصندوق العام للتعويض في إطار الثوابت التي تنبني عليها السياسة التنموية في تونس والتي تهدف إلى تجذير قيم التضامن والتكافل بين مختلف الفئات الاجتماعية وتحقيق السلم والعدالة الاجتماعية وذلك عبر إعادة توزيع الدخل الوطني .

مهدي الزغلامي

تم النشر في 12/03/2021