سجلت تحويلات التونسيين بالخارج ارتفاعا قياسيا حيث بلغت خلال التسعة أشهر من سنة 2021 ما قيمته 6153.2 مليون دينار متجاوزة ما تم تحقيقه خلال كامل سنة 2020 حيث بلغت التحويلات آنذاك 5.8 مليار دينار وذلك بحسب أحدث احصائيات البنك المركزي التونسي.
وتكشف دراسات عن تطور مساهمة التونسيين المغتربين في الخارج، بمعدل سنوي لا يقل عن 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، اذ تطورت التحويلات المختلفة خلال السنوات العشر الأخيرة بشكل كبير، لتبلغ نحو ملياري دينار عام 2006، بينما بلغت 3.9 مليارات دينار في سنة 2016 في حين تجاوزت 5 مليار دينار منذ سنة 2019.
وأشارت ذات الدراسات إلى أنّ تحويلات التونسيين بالخارج تمثل أحد أهم مصادر توفير العملة الاجنبية بالنسبة للاقتصاد التونسي، مشيرة إلى أنّ تحويلات المهاجرين توفر نحو 20 في المائة من الادخار الوطني.
تدعيم رصيد العملة الاجنبية
ويعتبر وزير التجارة الأسبق والخبير الاقتصادي محسن حسن في تصريح لـ"البورصة عربي" أن المداخيل المتأتية من تحويلات التونسيين بالخارج تعتبر موردا اساسيا يدعم رصيد تونس من العملة الاجنبية ويخفف الضغط على ميزان الدفوعات ويمكن من سداد خدمة الدين وتقليص اللجوء للتداين الخارجي خاصة في ظل تراجع مداخيل السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة وتباطؤ نسق التصدير.
وتعوّل تونس على مداخيل التونسيين بالخارج لتعويض تراجع مداخيل السياحة التي سجلت تراجعا في ايراداتها بالمقارنة مع السنوات الفارطة حيث بلغت مداخيل السياحة إلى حدود شهر سبتمبر 2021 حوالي 1791.7 مليون دينار فيما تم تسجيل 1683.1 مليون دينار خلال نفس الفترة من السنة الماضية اي بزيادة تقدر بـ108.6 مليون دينار وذلك بسبب تأثيرات جائحة كوفيد-19 وتراجع حركة السياحة العالمية، حيث كانت السياحة تعد أحد أهم القطاعات التي تدعم مخزون العملة الصعبة في تونس.
وبلغ احتياطي تونس من العملة الأجنبية، إلى حدود يوم 04 أكتوبر 2021، نحو21445 مليون دينار أي ما يعادل 132 يوم توريد، مقابل 21101.4 مليون دينار ما يعادل 143 يوم توريد خلال الفترة ذاتها من سنة 2020، فيما بلغت خدمة الدين الخارجي خلال التسعة أشهر من سنة 2021 ما قيمته 8446.3 مليون دينار بزيادة قدرها 1635.1 مليون دينار مقارنة بنفس الفترة من سنة 2020.
اجراءات ضرورية للحفاظ على نسق التحويلات
ويرى محسن حسن أن تطور تحويلات التونسيين بالخارج والتي أضحت المصدر الأساسي للعملة الصعبة تقتضي من الدولة اتخاذ جملة من الإجراءات للمحافظة على هذا المصدر الأساسي وتطويره.
ودعا في هذا الصدد إلى ضرورة إلغاء الرسوم والاداءات المجحفة على التحويلات البنكية للتونسيين بالخارج والتشجيع على انتصاب بنك تونسي بالخارج يساهم في تجميع وحشد مدخرات التونسيين بالخارج وتحويلها إلى تونس ودفع الاستثمار مذكرا في هذا الخصوص بأن تونس لديها بنك تونس الخارجي" TF BANK" الذي يملك ترخيصا للعمل في كامل الاتحاد الأوروبي.
كما أشار إلى أهمية فتح حسابات بالعملة الصعبة للمقيمين بالخارج والذي يمكن استعماله لمختلف العمليات المالية مثل السحب والايداع لتتم بسلاسة وبرسوم ضعيفة حتى تستفيد تونس من مدخراتهم وحتى مداخيلهم.
قنصل اقتصادي.. لتجميع مصالح التونسيين بالخارج
وشدد حسن على أهمية احداث خطة قنصل اقتصادي تتمثل مهمته في تجميع المصالح الاقتصادية للتونسيين بالخارج وتقريب المؤسسات التونسية ذات العلاقة بالتونسيين في المهجر مثل الديوان الوطني للسياحة ومركز النهوض بالصادرات ووكالة النهوض بالاستثمارات الخارجية والتي يمكن أن يمثلها القنصل الاقتصادي، هذا إلى جانب تأطير الجالية التونسية بالخارج من حيث تشجيعهم على الادخار وبعث المشاريع في تونس ودفع الاستثمار.
ويبلغ عدد التونسيين المقيمين بالخارج مليونا و400 ألف تونسي بزيادة هامة بعد الثورة حيث كان عدد التونسيين بالخارج سنة 2010 في حدود المليون مهاجر. ويقيم اغلب المهاجرين في فرنسا تليها إيطاليا ثم ألمانيا، فبلدان الخليج العربي وكندا.
جيل جديد من المهاجرين
وتضم الجالية التونسية في الخارج نخباً وكفاءات عالية، وحسب دراسة إحصائية أنجزت بإشراف ديوان التونسيين بالخارج فإن عدد الكفاءات العالية التونسية في أوروبا يفوق 90 ألف شخصا هاجر معظمهم بعد الثورة.
ويبرز محسن حسن أن تونس شهدت خلال العقدين الأخيرين موجة من هجرة الكفاءات وتكوين جيل جديد من المهاجرين إضافة إلى الجيل الثالث من التونسيين الذين حافظوا على تشبثهم وارتباطهم ببلدهم وهو ما يفسر ارتفاع تحويل مواردهم ومدخراتهم نحو تونس بالعملة الصعبة، كما أشار محدثنا إلى الدور الاجتماعي الذي تلعبه تحويلات التونسيين بالخارج إلى عائلتهم في توفير مدخول يساهم في خلق موارد شغل ورزق في تونس وقدرة شرائية إضافية فضلا عن دفع الاستثمار كمحرك أساسي للنمو.
حسام الطريقي
تم النشر في 13/10/2021
