version française ilboursa

بوصلة تونس تتجه نحو الصين لدعم مشاريعها

 

تسارع نسق الزيارات الرسمية بين مسؤولين رفيعي المستوى من الحكومة التونسية ونظرائهم من جمهورية الصين الشعبية في العامين الأخيرين تُرجمت بإبرام عدة صفقات بالغة الأهمية بالنسبة الى تونس الساعية الى تعصير البنى التحتية مع مزيد تمتين التعاون الاقتصادي بين البلدين.

وشهدت العلاقات التونسية الصينية تقاربا كبيرا في الفترة الأخيرة ما يوحي بتغيير بوصلة تونس نحو الشرق وتحديدا باتجاه الصين لا سيما في مجالات استراتيجية لتونس بإبرام صفقات اقتصادية وتنموية بعيدا عن الشريك الاقتصادي والتجاري الأول الاتحاد الأوروبي.

وعرف التقارب التونسي الصيني ذروته إثر الزيارة التي اداه الرئيس قيس سعيد إلى جمهورية الصين الشعبية خلال الفترة الممتدّة من يوم 28 ماي 2024 إلى يوم 1 جوان 2024 تلبية لدعوة من شي جينبينغ، رئيس جمهورية الصين، اثمرت توقيع العديد من اتفاقيات التعاون لبين البلدين.

وبعد ثلاثة أشهر فقط تحول رئيس الحكومة التونسية كمال المدوري في زيارة رسمية الى الصين من 02 إلى 06 سبتمبر 2024 والتقى خلالها بعدة مسؤولين من اجل مزيد توطيد العلاقات وبلورة الاتفاقيات الممضاة بين رئيسي الدولتين

التركيز على قطاعات استراتيجية

ومنذ ذلك التاريخ تتالت الزيارات الرسمية بين مسؤولي البلدين وتحديدا تحول عدد من اعضاء الحكومة التونسية الى الصين لإبرام صفقات، كان اخرها تحول وزير النقل التونسي رشيد العامري الى العاصمة بيكين ليقف على اخر الاستعدادات لتسليم الصين ل 300 حافلة ضمن صفقة أطلقتها تونس وفازت بها احدى شركات الصينية مع إعلانه ان الصين قد تفوز بصفقة أخرى مماثلة لتصنيع 420 حافلة أخرى.

والمح الى إمكانية فوز الصين بصفقة دولية لاقتناء تونس 30 عربة مترو يتعهد الجانب الصيني تسلميها في أوقات قياسية

وقال وزير النقل التونسي في تصريحات إعلامية أن الصين أبدت تجاوبا كبيرا مع تونس بشأن العديد من المسائل التي تخص قطاع استراتيجي لتونس وهو النقل بجميع مكوناته لافتا الى ان هذا التعاون سيشمل في الفترة القادمة النقل الحديدي والنقل الذكي.

ومن جانبه تولّى وزير الصحة التونسي مؤخرا، مصطفى الفرجاني بمناسبة زيارة اداها إلى جمهورية الصين الشعبية، خلال جلسة عمل مع نائب رئيس اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح ليو سيشي، وبحضور عدد من إطاراتها، توقيع مذكرة التفاهم الخاصّة بالمدينة الطبية الأغالبة بولاية القيروان.

وأعرب مصطفى الفرجاني عن "تطلع الجانب التونسي للمرور للمراحل العملية لتنفيذ هذا المشروع الرائد في أقرب الآجال الممكنة، بما يعكس عمق العلاقات التونسية -الصينية في مختلف المجالات".

وثمّن أيضا الاهتمام الذي أولاه الجانب الصيني للمشروع الرئاسي الرائد "المدينة الطبية الأغالبة بالقيروان" باعتباره قطبا تنمويا ذا أبعاد وطنية وإقليمية وذلك في إطار رؤية استراتيجية طويلة المدى تدعم قطاع الصحة والتنمية

ومن جانبه أكد نائب رئيس وكالة التعاون الإنمائي الدولي الصينية "ليو جونفينغ"، خلال لقائه بوزير الصحة مصطفى الفرجاني، استعداد بلاده لتنفيذ عدد من المشاريع الكبرى في تونس. وأعلن المسؤول الصيني أن الاستعدادات جارية للبدء في بناء مركز الأورام السرطانية في محافظة قابس، مّما يعكس التزام الصين القوي بدعم التنمية في تونس في مختلف المجالات.

وشمل التعاون أيضا المجال الرياضي بتعهد الجانب الصيني بإعادة بناء أبرز وأقدم ملاعب كرة قدم البلاد الملعب الأولمبي بالمنزه (تونس العاصمة) الذي يعود تشييده الى ستينات من القرن الماضي بكلفة تجاوزت 400 مليون دينار.

وعي بالثقل الاقتصادي للصين

وتعليقا على هذا التقارب الاستراتيجي اعتبر أستاذ معز السوسي الاقتصاد بجامعة قرطاج أن التحركات ومجموع اللقاءات منذ نحو ثلاث سنوات مؤخرا بين تونس والجانب الصيني تبرز أن هذه العلاقات تعرف دفعا على أعلى مستوى من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة وتبرز وجود وعي بالوزن الاقتصادي للصين دوليا وبالنسبة لتونس خاصة في ظل العجز الكبير في المبادلات التجارية مع الصين بعد تركيا بالتالي تونس بحاجة ماسة لتحسين قدرة التفاوض مع الصين.

وقال في هذا الخصوص" إن العلاقات التونسية الصينية لها اثر وثقل مهم جدا ودعمها وتطويرها دبلوماسيا مهم خاصة في ظل اتخاذ   تونس منذ سنتين خيارا استراتيجيا على مستوى التمويل واخذ قرار رئاسي سيادي لعدم إمضاء أي اتفاق مع صندوق النقد الدولي لتمول موازنة الدولة".

وتابع "هذا الوضع صار يفرض على تونس ربط شراكات جديدة للحصول على تمويلات بالنظر أيضا لوجود مشاريع يتم تنفيذها ضمن التعاون الفني بين تونس والصين من بينهم مشروع جسر بنزرت عبر طلب عروض دولي فازت بها شركة صينية وهو ليس انحيازا أو اصطفاف لهذا الشريك الآسيوي ".

عجز تجاري هام

بالتوازي مع هذا التعاون الاستراتيجي بين تونس والصين فان العملاق الاسيوي استأثر لوحده بنصف عجز الميزان التجاري لتونس بقيمة 9 مليار دينار من ضمن عجز تجاري اجمالي بلغ 19 مليار دينار لكامل سنة 2024.

وتعتبر الصين رابع شريك تجاري لتونس والشريك التجاري الأول على صعيد القارة الاسيوية ومن عوامل هذه الشراكة ان السيارات الصينية بدأت في فرض نفسها في السوق التونسية وتنتزع نصيبا هاما من سوق السيارات في البلاد.

أما على مستوى الاستثمارات الصينية المباشرة في تونس فإنها تعد ضعيفة بالمقارنة مع الاستثمارات الأوروبية، إذ لم تتجاوز قيمتها الـ 10 مليون دولار (31 مليون دينار) خلال سنة 2023، حسب بيانات وكالة النهوض بالاستثمار الأجنبي علما وأن حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في العالم بلغ 130 مليار دولار (منها 40 مليارا في القارة الافريقية). ويبلغ عدد الشركات الصينية المنتصبة في تونس 21 شركة (من جملة حوالي 3700 شركة أجنبية) وتُشغّل حوالي 1200 تونسيّا وتونسية.

آفاق سياحية واعدة

تخطط تونس لاستقطاب أكثر من 100 ألف سائح صيني في افق سنة 2026 مقابل 30 ألف حاليا بحسب تصريح اعلامي لأحمد بالطيب رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحية موضحا أنّ تونس وجهة حضارية وتتوفر على مقومات السياحة في مختلف جوانبها الصحراوية والعلاجية والثقافية بالإضافة إلى إتقان شعبها عديد اللغات.

وللغرض ابرمت الجامعة مطلع فيفري 2025 اتفاقية مع الرابطة الدولية للابتكار في التعليم بين الصين وشمال إفريقيا، والتي تمثّل أكثر من 200 مؤسسة صينية في كل ما يتعلّق بالتدريب

ولاحظ أنّ السوق الصينية هي من الأهمية بمكان، لا سيما أنها تدعم استمرارية الحركة السياحية في تونس وقدوم الزوار الصينيين دون ارتباط بالسياحة الموسمية. يشار الى أن الصّين هي المصدر الأول للسياح في العالم خلال سنة 2023 بنحو 87 مليون سائح أنفقوا قرابة 200 مليار دولار في الدّول التي زاروها.  

ماذا عن الاتحاد الأوروبي؟

أمام تحول بوصلة تونس الاقتصادية والإنمائية الى الصين يتساءل عدد من المتابعين عن افاق او مستقبل العلاقة بين تونس والاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي التجاري الأول لتونس.

وفي هذا الإطار يعتقد معز السوسي أستاذ الاقتصاد بجامعة قرطاج أن هذا التوجه نحو الصين لا يجب أن يدفع تونس للاستغناء عن علاقاتها وشراكاتها مع الشريك الاستراتيجي ألا وهو الاتحاد الأوروبي الذي مازالت تونس تحقق معه نسبة 65 بالمائة من المبادلات وفائض مع فرنسا وايطاليا مثلا.

وشدد على ان تونس يجب أن تحافظ على أسس سياساتها الدولية الحكيمة دون الاصطفاف لطرف دون آخر كما أن هذا لا يمنع من تحسين قدرة التفاوض ان كان مع الصين أو الشركاء الأوروبيين أيضا.

وخلص معز السوسي بالتأكيد: ''يجب على تونس أن تكون واعية بحجمها وبقدراتها وبحجم شركائها ويجب أن تعي أنّ الشريك الأوروبي مهم جدا وأنّه الحليف الاستراتيجي الأوّل ولابد من المحافظة عليه أيضا''.

م.الزغلامي

 

تم النشر في 05/03/2025