version française ilboursa

بلال سحنون : هذا ما نقترحه من حلول للرفع من حجم التداول و الإستثمار في السوق المالية

رغم الوضع الاقتصادي الصعب الذي عرفته تونس خلال سنة 2021 والذي تزامن مع وضع سياسي غير مستقر زاده غياب التمويلات الخارجية تعقيدا، حافظت السوق المالية في تونس على استقرار نسبي تجسم بالخصوص في تحقيق ارتفاع طفيف في مؤشر بورصة تونس "تونانداكس" بـ2.34%، كما بلغ مجمل الرسملة في البورصة 23.3 مليار دينار. إلا أن تحسن الأداء النسبي لا يجب أن يحجب حجم الصعوبات الكبيرة التي تعرفها السوق المالية عموما وبورصة تونس بالخصوص.

ويُحدَد بلال سحنون المدير العام لبورصة تونس هذه المصاعب أساسا في ضعف حجم التداول في البورصة التونسية بالمقارنة مع نظيراتها العربية والذي يرجعه أساسا لغياب التنوع في مجالات الاستثمار في السوق المالية الذي ظل منحصرا في القطاع البنكي، كما جدد سحنون دعوته إلى ضرورة أن تستقطب البورصة المؤسسات العمومية التي يمكن أن تحدث نقلة في السوق المالية حسب رأيه.

ويعود بلال سحنون في حوار مع "البورصة عربي" على أبرز المشاريع الجديدة التي تعمل عليها بورصة تونس واهم المؤشرات التي سجلتها السوق المالية التونسية مع بداية سنة 2022.

سنة 2021 ورغم الأزمة الاقتصادية سجلت بورصة تونس مؤشرات إيجابية رغم أن الأداء بقي في العموم ضعيفا، لو تعطينا فكرة عن مجمل الأداء وحجم الرسملة ورقم المعاملات خلال كامل السنة.

سنة 2021 كان في العموم عاما إيجابيا من حيث المؤشرات بالنسبة للسوق المالية التونسية التي ساهمت خلال سنة 2021 في تمويل الاقتصاد الوطني بأكثر من 900 مليون دينار، سواء عن طريق الترفيع في رأسمال الشركات المدرجة بالبورصة أو عن طريق إصدارات رقاعية، كما ساهم الوسطاء في إنجاح عمليات الاكتتاب في 3 قروض رقاعية خرجت بها الدولة عبر رفع أكثر من مليار دينار أغلبها من مؤسسات التمويل الجماعي، إضافة إلى ارتفاع بسيط لمؤشر بورصة تونس تونانداكس بـ 2.34 بالمائة بعد إغلاق في مستوى سلبي بـ 3.3 بالمائة في سنة 2020.

ورغم النتائج الإيجابية إلا أن الأداء عموما بقي ضعيفا خلال سنة 2021، من خلال رسملة جملية بقيمة 23.3 مليار دينار، والتي لا تمثل إلا 20 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، منها 23 بالمائة فقط من المستثمرين الأجانب بعد أن كانوا في سنة 2020 يمثلون 25 بالمائة. أما رقم المعاملات الجملي في بورصة تونس خلال عام 2021، فقد بلغ 2.6 مليار دينار، مقارنة بـ 2.8 مليار دينار لعام 2020.

هل كان للأوضاع السياسية الاستثنائية خلال سنة 2021 تأثير على أداء بورصة تونس؟

فعليا ليس هناك تأثير كبير للأوضاع السياسية في تونس خلال سنة 2021 على أداء بورصة تونس خصوصا مع المحافظة على الاستقرار التشريعي والقانوني حيث لم يتم سن أداءات أو نوع جديد من الجباية على المؤسسات خلال قانوني المالية لسنتي 2021 و2022 كما تم تسجيل استقرار أمني، الأمر المؤثر الوحيد حسب اعتقادي هو عدم وضوح الرؤية السياسية وتعدد الفترات الانتقالية وعدم الاستقرار السياسي.

ماذا عن أداء مؤشر توننداكس والتعاملات في بداية العام الحالي في ظل تواصل تعثر الوضعين الاقتصادي والسياسي ؟

ج: منذ بداية سنة 2022 إلى اليوم حافظت بورصة تونس على نسقها الإيجابي الذي انهت به العام الفارط وواصلنا النسق الإيجابي، وهو ما سيمكننا من تدارك ضعف أداء البورصة خلال سنة 2021 إذا ما قارنا الأداء بالبورصات العربية مثل البورصة السعودية التي حققت تطورا بـ 30 بالمائة ومصر بـ 12 بالمائة، المغرب 18 بالمائة وحوالي 28 بالمائة في الأردن خلال سنة 2021.

وتعتبر انطلاقة سنة 2022 إيجابية بالنظر إلى أن رقم معاملات الشركات المدرجة بالبورصة تحسن بـ13 بالمائة وهو مؤشر مشجع إضافة إلى تمكن هذه الشركات من الصمود أمام جائحة كورونا والتعاطي مع الوضع العام سواء في تونس أو في العالم

كم هو عدد المؤسسات والشركات المنتظر ادراجها خلال هذه السنة؟

لا يمكن فعليا توقع عدد معين للشركات التي سيتم ادراجها فذلك مرتبط بالوضع العام إضافة لوضع الشركات التي تعتزم الدخول في البورصة. فمثلا خلال سنة 2021 توقعنا ادراج 6 شركات إلا أننا لم نتمكن إلا من ادراج شركة وحيدة هي "سمارت تونيزيا" أما في سنة 2022 فقد بدأ العام إيجابيا من خلال ادراج أسهم الشركة التونسية للسيارات مع العمل على ادراج قريب لـ " ترجي هولدينغ" التابع لفريق الترجي الرياضي التونسي قريبا.

اين وصل مشروع ادراج "ترجي هولدينغ" في البورصة ومتى يتم الاعلان رسميا عن هذا الادراج؟

لا يمكن الحديث عن موعد رسمي إلا بعد تلقي مصالح بورصة تونس لملف متكامل بخصوص أي شركة، ونتمنى أن يتم إتمام الملف سريعا لأن النموذج الاقتصادي لهذا الملف إذا ما نجح وبني على قواعد صحيحة يقبلها السوق سيكون نموذجا متبعا من طرف عديد الجمعيات الرياضية الأخرى والتي ستصبح قادرة على تعبئة موارد ذاتية من خلال مشاركة الأحباء ومستثمري الجهة للاستثمار وبعث مشاريع رياضية في الجهات تعجز الدولة على بعثها لضعف الميزانيات المخصصة لذلك.

بالمقارنة مع البورصات المماثلة في دول عربية ودول نامية تعتبر بورصة تونس ذات حجم تداول صغير. ماهي الحلول التي تقترحونها للرفع في حجم التداول ورفع الاستثمار في السوق المالية؟

للأسف المقومات التي توجد في بورصة تونس هي مقومات سوق مالية متطورة سواء من الناحية التنظيمية أو من ناحية النصوص التشريعية أو منصات التداول والمنظومات المعلوماتية فمثلا منصة "اوبتيك" المتطورة التي تعمل بها البورصة التونسية لا توجد إلا في بعض البورصات المتقدمة في أوروبا وبعض الدول العربية وأمريكا اللاتينية، ما ينقصنا اليوم هو حجم التداول المرتفع والذي لن يتحقق إلا عبر تنوع المنتوج وحجم رسملة كبيرة يتجاوز 50 بالمائة من الناتج الداخلي الخام وادراج ثلاث شركات كبيرة على الأقل يتجاوز حجم رسملتها 1.3 مليار دولار.

بالعودة إلى غياب التنوع في مجالات الاستثمار في البورصة والتي عادة ما تقتصر على بيع الأسهم لبعض المؤسسات، ما هو مقترحكم في هذا الخصوص؟

صار الوقت مناسبا لتنويع المنتوج عبر ادماج كل مجالات الاقتصاد والقطاعات الحيوية مثل الطاقة والنفط والاتصالات والفلاحة والسياحة، فقد حافظت البورصة التونسية على نفس الخارطة والتي تحتل فيها البنوك والمؤسسات المالية أكثر من نصف حجم الرسملة مع غياب تام للقاطرات التي تمثل قطاعات حيوية ومنتجة.

ويمكن في هذا الصدد أن اعطي مثالا بارزا حول أهمية دخول شركات ضخمة في مجال الطاقة مثلا وأشير هنا إلى دخول شركة "أرامكو" المتخصصة في النفط والغاز الطبيعي للبورصة السعودية، حيث تمكنت من تغيير كل مؤشرات السوق المالية في السعودية، وهنا أتسأل لماذا لا يكون لنا "أرامكو تونسية" مثل المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية التي يمكن أن تساهم في تطوير تمثيلية قطاع البترول في البورصة التونسية وجلب أنواع جديدة من المستثمرين وتحسين حوكمة القطاع.

أكدتم في عديد المناسبات على أهمية ادراج المؤسسات العمومية في البورصة لتطوير حجم التداول وحجم الرسملة، هل لازلتم متمسكون بهذا المقترح؟

نعم دعوت ولا زلت متمسكا بضرورة دخول مؤسسات عمومية كبرى للبورصة ذلك أنها ستمكن من الانتقال من سوق مبتدئة إلى سوق ناشئة خاصة وأن ترقيم وتصنيف الأسواق سيحدد نوعية المستثمرين وصناديق الاستثمار العالمية التي ستختار الاستثمار في بلد معين.

اليوم البورصة بحاجة لدخول مؤسستين كبيرتين بحجم رسملة يفوق 1.3 مليار دولار على الأقل لتنتقل في تصنيف الأسواق المالية ولا يمكن أن نجد شركات بهذا الحجم في القطاع الخاص (يمكن أن نجد مجموعات اقتصادية خاصة) لذلك فإن الحل الوحيد هو في القطاع العام والمؤسسات العمومية وهو ما يتطلب أولا إرادة سياسية وتفهما من الشركاء الاجتماعيين.

وهنا أجدد التأكيد ان دخول المؤسسات العمومية لا يعني البتة خوصصتها كما يتم الترويج لذلك بل سيتم تحسين حوكمة تسيير هذه المؤسسات وتطوير أدائها ورقم معاملاتها.

في هذا الخصوص لو عدنا لإدراج المؤسسات العمومية في البورصة يرى البعض أن دخول شركة الخطوط التونسية أعطى مثالا سيئا حول هذا الأمر؟

فعلا شركة الخطوط التونسية لم تعطي مثالا حسنا إلا أن ادراج 3 بنوك عمومية في البورصة أعطى مثالا يمكن اتباعه بالنسبة لبقية المؤسسات العمومية خصوصا وأننا غيَرنا نظام حوكمة البنوك العمومية بأنظمة شبيهة بالبنوك الخاصة من خلال فتح اعلان ترشح لتسمية رؤساء مديرين عاميين ووضع برنامج أهداف واضح كما وضعنا نفس المتطلبات والافصاحات للبنوك الخاصة والعمومية، وهنا اشير إلى ضرورة أن ترفع سلطة الاشراف يدها عن تسيير هذه المؤسسات وان لا تخلط بين دورها كمساهم وأن لا تتدخل في التسيير، فالدولة يمكن لها أن تشرع وأن تضع الاستراتيجيات وأن تعدل السوق ولكنها لا تحسن التسيير وإدارة التسويق وعمليات البيع.

وبالنسبة لاتحاد الشغل أعتقد أنه يريد أن يجد مؤسسات رابحة وذات حوكمة رشيدة من خلال فرض افصاح دوري 6 مرات في السنة ومصادقة مراقب الحسابات وتقديم 4 مؤشرات ثلاثية لأنشطة المؤسسة.

وبالعودة لمثال شركة الخطوط الجوية التونسية، أؤكد أن ادراجها بالبورصة مكن من تحديد مكامن الخلل في هذه الشركة مثل العدد الكبير من الموظفين الذي تجاوز المعايير الدولية التي تضبط عددا محددا من الموظفين للطائرة الواحدة، وقد ساهمت التقارير والمعطيات التي قدمتها إدارة الشركة في تشخيص المشاكل في "الناقلة الوطنية" وتقديم الحلول والتوجه نحو الإصلاح وهو ما يمكن ملاحظته اليوم.

ماهي المؤسسات العمومية القادرة الآن على الدخول في البورصة وإفادة السوق المالية التونسية؟

بالإضافة إلى المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية يمكن أن أذكر الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد كما اشير أيضا إلى الشركة الوطنية لتوزيع البترول "عجيل" التي تعمل في قطاع تنافسي، خاصة وان توزيع البترول ليس بقطاع استراتيجي مثل استخراج تخزين وتكرير النفط مثلا.

وبالنسبة لقطاع البنوك أستغرب تواصل امتلاك الدولة لاسهم في 12 بنكا خاصا بنسب غير مؤثرة وهو ما يعطل تطور هذه البنوك، قد أتفهم تواصل وجودها في البنوك العمومية بغرض تعديل السوق إلا أن تواجدها في القطاع الخاص غير مبرر.

أين وصل مشروع التداول في المواد الأولية في بورصة تونس مثل التمور وزيت الزيتون

تقدمنا أشواطا مهمة في هذا المشروع حيث أتممنا دراسة الجدوى بالتعاون مع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وقد كانت نتائج الدراسة إيجابية خاصة وأننا اشركنا كل المتدخلين من الديوان الوطني للزيت والمجمع المهني المشترك للتمور والبنوك والوزارات المتدخلة إضافة إلى المتدخلين المباشرين في القطاع من منتجين ومصدرين ومحولين ومعلبين.

وسيتم عرض نتائج هذه الدراسة في شهر مارس، كما سيتم الانطلاق فعليا في تركيز هذا المشروع عبر العمل على 4 جوانب أساسية هي الإطار القانوني وتكوين أنواع جديدة من المتدخلين وتحديد العلاقة بين كل المتدخلين وأخيرا وضع التكنلوجيا المناسبة التي ستمكن من إنجاح هذا البرنامج.

هناك ضعف واضح في استثمار المواطنين في البورصة حيث لا يتجاوز العدد الجملي 1 بالمائة وهو رقم هزيل بالمقارنة مع الدول المتقدمة، ماذا اعدت بورصة تونس لنشر ثقافة الاستثمار في السوق المالية؟

في تونس لا يتعدى عدد المستثمرين في السوق المالية 0.6 بالمائة فيما تبلغ النسبة مثلا في فرنسا 6 بالمائة وتصل إلى 30 بالمائة في بعض الدول الأوروبية أما في الولايات المتحدة والدول الأنغلوسكسونية فيصل عدد المستثمرين في السوق المالية إلى شخصين على ثلاثة أشخاص.

 ويعود ذلك بالأساس إلى أن أنظمة الضمان الاجتماعي في هذه الدول التي تستثمر أموالها في السوق المالية وبالتالي فإن كل منخرطيها هم مساهمون في البورصة بصفة آلية، وقد كان هذا السيناريو مطروحا أمام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في التسعينات وبداية الألفية حين حقق الصندوق فوائض بمليار دينار، لو تم حينها استثمار 30 أو 40 بالمائة من هذا الفائض في السوق المالية لتمكن الصندوق اليوم من تجاوز العجز الكبير الذي يعرفه ولحققت البورصة التونسية تطورا ملحوظا.

وبالعودة لسؤالك أعتقد أن ضعف ثقافة الاستثمار في السوق المالية في تونس ترجع لعدة أسباب ثقافية واقتصادية ومنها بالخصوص ضعف المقدرة المالية وصورة الاستثمار في البورصة الذي يحمل بعدا نخبويا إذا أن هناك اعتقادا راسخا في تونس بأن الاستثمار في البورصة هو حكر على الأشخاص الذين يملكون مالا وفيرا.

كما أن السوق المالية في تونس لا تقدم منتجات مالية ديمقراطية رغم وجود صناديق الاستثمار التشاركية كما أنها لا تقدم منتجات مالية مؤمنة للمستثمر. هناك أيضا مخاطر مالية مرتفعة مع التأثير الذي تسببت فيه الرجات في حياة البورصات في العالم والتي نفرت المستثمرين وهو ما يدفع المستثمرين في تونس إلى التوجه نحو منتوج مالي تقدمه البنوك ويحقق أرباحا مضمونة في حدود 9 و10 بالمائة عوض التوجه نحو البورصة عالية المخاطر.

أما من الناحية الاقتصادية فإن الدولة التونسية تعمل وفق أولويات اقتصادية هدفها تحقيق استقرار على مستوى نسب التضخم وهو ما يفرض الرفع في نسب الفائدة للمحافظة على المقدرة الشرائية للتونسيين وتشجيع الادخار وهي توجهات اقتصادية لا تشجع الاستثمار في السوق المالية عموما والبورصة بالخصوص، لذلك فإننا كمسيرين للبورصة علينا مراعاة هذا الجانب ودعم التوجهات الوطنية الكبرى قبل التفكير في تشجيع التونسيين على الاستثمار في البورصة.

أجرى الحوار: أمير البجاوي 

تم النشر في 21/02/2022