version française ilboursa

بعد 3 أشهر من صدور مرسوم مقاومة الاحتكار: هل نجحت تونس في التقليص من خطورة الظاهرة؟

في الوقت الذي تكابد تونس صعوبات كبيرة لتوفير المواد الأساسية الموردة وخاصة منتوجات الحبوب والطاقة جراء تبعات الحرب الجائرة رحاها بين أوكرانيا وروسيا وما نجم عنها من ارتفاع جنوني في جميع أسعار المواد الأولية العالمية، تتواصل بعض مظاهر الاحتكار والاتجار بقوت التونسيين متغلغلة في عدد من الولايات وفي مسالك التوزيع.

وعند اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فيفري 2022 انتعشت السوق السوداء في تونس بتسجيل مضاربات لافتة في مواد جد حساسة كالفارينة والعجين الغذائي والزيت النباتي المدعم ما ألهب الأسعار بشكل كبير مع اختفاء المنتوجات.

وقد خلَفت هذه الوضعية استياء كبيرا لدى التونسيين الذين احتجوا على صمت الحكومة وسكوتها عن تنامي المضاربات الاحتكارية وعجزها عن إيقاف نزيف لهيب الأسعار وارتفاع نسب التضخم بشكل مرعب ومقلق. وضعية حتَمت الإسراع بإصدار في 20 مارس من هذا العام لمرسوم يقاوم الاحتكار والمضاربات غير المشروعة في خطوة لتطويق هذه الظاهرة التي ارهقت المواطنين.

ولئن رحَب المختصون والمواطنون بهذا المرسوم والارتقاء بالاحتكار الى جريمة مكتملة الأركان، ولكن السؤال الأهم، هل أعطى هذا المرسوم على نتائج ملموسة وناجعة إثر مرور حوالي 3 أشهر من صدوره وتنزيله على ارض الواقع؟

تراجع ملحوظ

واكد حسان التويتي مدير عامة المنافسة والأبحاث الاقتصادية بوزارة التجارة وتنمية الصادرات في تصريح للبورصة عربي"، أن مرسوم المتعلق بمقاومة الاحتكار والمضاربة غير المشروعة ساهم في تراجع مظاهر الاحتكار والمضاربة في تونس بنسبة حوالي 30 بالمائة في المدة الوجيزة الأخيرة.

ولاحظ أن صدور مرسوم مقاومة المضاربة غير المشروعة ومكافحة الاحتكار الصادر في 20 مارس 2022، اعطى نتائج جد إيجابية وبعث برسالة واضحة للمهربين والمضاربين بارتقاء الاحتكار الى الجريمة في حق البلاد والمواطن تستوجب عقوبات ردعية.

وأبرز ان صدور المرسوم ساهم وفق ما تمت معاينته على مختلف مسالك والطرقات من تقليص محاولات الاحتكار والمضاربات وأيضا التهريب. وتصل العقوبات السجنية التي تضمنها المرسوم من عشر سنوات الى السجن المؤبد وخطايا مالية تصل إلى 500 ألف دينار مع مصادرة كل ممتلكات المهربين وأرباحهم وأرصدتهم البنكية المُحقَقة من عمليات الاحتكار والمضاربة.

وعزا المسؤول أن هذه النسبة (30 في المئة) تمت معاينتها من عدة مؤشرات من خلال إقبال بعض المتدخلين تقدموا إلى مختلف المصالح الإدارية لتنظيم أنشطتهم التجارية والانصهار في القطاع المنظم عبر التصريح بوضعية المخازن والاستفسار عن ممارسة النشاط بطرق مشروعة.

وأضاف ان قبل صدور مرسوم مقاوم الاحتكار كان بعض المتدخلين يتاجرون بالمواد المدعمة على قارعة الطريق في الطرقات، ولكن عند صدور المرسوم غابت هذه المظاهر بشكل لافت في الأشهر الأخيرة.

وكشف المسؤول في سياق متصل عن إيقاف حوالي 100 شخص تنطبق عليهم احكام مرسوم مقاومة الاحتكار إثر تنفيذ عمليات وصفها بالنوعية بمداهمة قوات الامن لعدد من المخازن العشوائية تتضمن بضاعة جلها مواد غذائية معدة للتهريب إلى دول مجاورة مثل ليبيا.

برنامج لمقاومة الاحتكار

بالتوازي مع صدور المرسوم الرئاسي لمقاومة الاحتكار، شرعت وزارة التجارة بالتعاون مع بقية الوزارات الأخرى في تنفيذ برنامج وطني لمقاومة الاحتكار ، يتضمن عمليات رقابية مشتركة بالمرور من المراقبة العادية الى المرقبة الشاملة والمعمقة.

ولفت المتحدث إلى استهداف العمليات الاحتكارية في العمق، من خلال التركيز على مراقبة المخازن العشوائية ومصادر الاحتكار التي برزت في فترة اتسم فيها الظرف العالمي بارتفاع الاسعار وما تبعه من تداعيات على السوق المحلية بتسجيل إشكاليات في التزود بمشتقات الحبوب المدعمة وبعض المواد الأساسية.

واكد ان برنامج مقاومة الاحتكار اعطى نقلة نوعية وكمية ضمن العمل الرقابي من حيث تطور تدعيم الفرق الرقابية بحوالي 87 بالمائة وتدعم التغطية الميدانية في حدود 68 بالمائة ما أدَى إلى تسجيل زيادة في نسبة الكشف عن التجاوزات بنسبة 45 بالمائة في الأشهر الأولى من العام الحالي بالمقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية.

طرق ملتوية لإخفاء البضاعة

كما لفت التويتي الى تسجيل العديد من النجاحات على مستوى احباط التلاعب بالمواد المدعمة من خلال الكشف عن وحدات عشوائية لتعليب الزيت النباتي المدعم بسحبه من السوق وتعليبه وترويجه على أساس زيوت غير مدعمة مستغلة ظرفية ارتفاع أسعار الزيت النباتي غير المدعم نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ونتيجة ارتفاع أسعار المواد الأولية.

وأشار في الغرض الى انه تم تفكيك العديد من الوحدات العشوائية في محافظات ساحلية وخاصة في الوسط. وتم تفكيك شبكات التلاعب بمادة الفارينة المدعمة بتورط وسطاء ومضاربين وبعض النشطاء في هذا المجال.

ولاحظ في هذا الإطار انه عند حصول إشكاليات في التزود بهذه المادة يحصل تهافت كبير عليها ببروز شبكات للتفويت في المادة اذ عوض توجيهها لصنع الخبز المدعم تم تحويل وجهتها الى استعمالات مهنية أخرى من خلال احباط أكثر من 50 عملية في ظرف شهرين وتفعيل العقوبات الإدارية المصاحبة للغرض.

ومن جانب اخر عاد حسام التويتي على الكشف عن العديد من المحاولات الاحتكارية في المنتوجات الفلاحية خاصة في الأيام الأولى من شهر رمضان الفارط في منتوجات الفلفل والبطاطا والطماطم. وشدد في هذا الصدد على ان كل منتوج ترتفع أسعاره بشكل غير طبيعي، يسيل لعاب عديد ما وصفهم بالمتطفلين وغير المهنيين باقتناء هذه المنتوجات والمضاربة بها لاحقا بأسعار مشطة.

وتطرق أيضا من جانب اخر الى تكثيف العمليات الرقابية خاصة على المخازن العشوائية المرتبطة بشبكات التهريب إثر ملاحظة تهريب العجين الغذائي الى دول الجوار بسبب الفوارق السعرية الكبيرة بين تونس ودول الجوار مع ارفاع أسعار الحبوب في الأسواق العالمية.

وتم للغرض الكشف عن تهريب العجين الغذائي بأشكال متنوعة ومختلفة على غرار مخابئ للعجين الغذائي وسط التبن وفي فواضل عصر الزيتون وسط منتوجات الخضر والغلال وكذلك في حافلات نقل المسافرين. وخلص بالتأكيد على انه عند تكثيف الرقابة على المخازن العشوائية تقلصت عديد المظاهرة المتصلة بالاحتكار والتلاعب بالأسعار.

مهدي الزغلامي 

تم النشر في 20/06/2022