version française ilboursa

بسبب وضعيته المالية الحرجة، البنوك والمزودون الأجانب يرفضون التعامل مع الديوان التونسي للتجارة

سجلت الأسابيع الأخيرة نفاد كبير لمادة السكر في السوق التونسية وفقدانها في العديد من المساحات والفضاءات التجارية مع توفر كميات صغيرة من مادة السكر المعلبة في أكياس صغيرة تلك المعدة في ترويجها في المقاهي. وتشهد السوق التونسية شحا لافتا من مادة السكر بسبب الاضطرابات الحاصلة في التوريد الحصري لهذه المادة من طرف الديوان التونسي للتجارة الذي يعرف صعوبات مالية كبيرة.

ولئن كانت مساهمة الديوان في إيرادات خزينة الدولة بعنوان الأرباح التي كان يحققها سنويا إيجابية حيث فاقت هذه المساهمة 215 مليون دينارا خلال الفترة (1993 – 2004)، فإنَ نتائج الديوان اصبحت سلبية منذ سنة 2006 وتفاقمت، نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الموردة من قبل الديوان وتدهور سعر صرف الدينار أمام الدولار وتجميد أسعار بيع هذه المواد لفترة طويلة حرصا على المحافظة على القدرة الشرائية للمواطن مما جعل أنشطة الديوان أشبه بعملية الدعم المقنع.

ومن بين العوامل الأخرى، عدم تفعيل أو التأخير في تفعيل قرارات جلسات العمل الوزارية المتعلقـــة بتعديل أسعار بيع المواد الموردة من الديوان الى جانب عدم تكفّل الدّولة بصرف منحة التوازن المنصوص عليها بالفصل 14 من المرسوم عدد62 المحدث للديوان الذي يقضي بوجوب تمكين الديوان من منحة توازن في حالة تسجيله لعجز في موازناته واستنفاذا لموارده الذاتية.

اختلال التوازنات المالية

ويُستشف من محضر جلسة عمل وزارية خصصت للنظر في وضعية الديوان تحصل "البورصة عربي" على نسخة منها، انه كانت للعوامل السالفة الذكر تأثيرات سلبية على التوازنات المالية للديوان إذ استنفذ منذ سنة 2011 أمواله الذاتية لتصبح سلبية بـ 234 مليون دينار (م د )  سنة 2021 والالتجاء إلى التداين بداية من سنة 2011 لدى الجهاز البنكي بمبلغ قدره 370 م.د مما نتج عنه تحمل الديوان لأعباء مالية بعنوان الفوائض بلغت 146 م.د للفترة 2012-2021 وهو ما يعادل 22 م.د سنويا إضافة إلى عمولة ضمان الدولة بـ 3,3 م.د.

وقد سجل الديوان بعنوان توريد وتوزيع المواد الراجعة له بالنظر منذ سنة 2010 الى 2021 خسائر متراكمة وصلت الى 748 م د ويتوقع أن تبلغ الخسائر خلال السنة الجارية حوالي 500 م.د.

وقد أصبح الديوان في وضعية مالية حرجة حيث بلغت مجموع الخسائر المحولة إلى غاية 31 ديسمبر 2020 مستوى 450 م.د ويتوقع أن تكون النتيجة الصافية خلال سنة 2021 سلبية في مستوى 120 – م.د. كما يتوقع تفاقم العجز في السيولة خلال الثلاثي الثاني من سنة 2022 إلى 131-م.د في نهاية شهر أفريل و224-م.د في نهاية شهر ماي و283-م.د في نهاية شهر جوان 2022

وقد تفاقمت الأزمة المالية للديوان التونسي للتجارة مع الارتفاع الهام للأسعار العالمية منذ سنة 2021 للمواد الموكولة له وارتفاع كلفة النقل جراء الأزمة اللوجستية غير المسبوقة في العالم (تعطل البواخر وتراكم الحاويات في الموانئ والاكتظاظ الشديد الذي شهده ميناء رادس وامتناع الناقلين البحريين عن توصيل البضاعة إلى هذا الميناء)، مقابل محافظة أسعار البيع على نفس مستوياتها.

البنوك ترفض منح الاعتمادات

وكشفت جلسة العمل الوزارية من خلال العرض الذي قدمه الرئيس المدير العام للديوان التونسي للتجارة الياس بن عامر انه نتيجة لهذه الوضعية الحرجة، تواتر رفض البنوك فتح الاعتمادات البنكية للديوان واشتراط بعضهم توفير ضمان الدولة،

وقد أدت هذه الوضعية إلى تأخير كبير في توصل المزودين بهذه الاعتمادات وإخلال الديوان بالشروط التعاقدية معهم مع تواتر تشكّيات المزودين وتحفظاتهم بخصوص التأخير المتكرر سواء في فتح الاعتمادات أو في الخلاص بعد استلام البضاعة علاوة على رفض المزودين تسليم البضاعة قبل حصولهم على فتح الاعتماد SWIFT الذي انعكس على آجال الشحن وبالتالي تسجيل تأخير كبير في تسليم البضائع.

كم تم تسجيل عزوف عدد من المزودين عن المشاركة في طلبات عروض الديوان وبروز علامات فقدان المؤسسة لمصداقيتها وسمعتها التي اكتسبتها منذ تأسيسها وثقة المزودين فيها والتي تعتبر عاملا أساسيا في التجارة العالمية.

كل هذه العوامل باتت تهدد بصفة جدية انتظامية تزويد السوق المحلية بالمواد الأساسية وتعمق الأزمة المالية للديوان مما سيفضي بصفة حتمية إلى عدم قبول المزودين التعامل مع الديوان بسبب ارتفاع المخاطر في الخلاص أو في أحسن الحالات شراء البضاعة بأسعار باهظة.

وبذلك قد يترتب عن الوضعية المالية الصعبة للديوان، عدم إيفاءه بتعهداته التعاقدية بسبب العجز في السيولة وتراكم الخسائر وبالتالي ارتفاع مخاطر توقف الديوان عن نشاطه وفقدان المواد الأساسية التي يوردها في الأسواق الداخلية. يشار الى انه تم إحداث الديوان التونسي للتجارة بمقتضى المرسوم عدد 6 لسنة 1962 المؤرخ في 3 أفريل 1962 المصادق عليه بالقانون عدد 14 لسنة 1962.

وقد عهد إليه وباعتباره مؤسسة عمومية ذات صبغة تجارية وصناعية تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي، القيام بعدة مهام من ضمنها تزويد السوق الداخلية بالمواد الاستهلاكية الحساسة ذات الصبغة الاستراتيجية كالسكر والقهوة والشاي والأرز والتدخل الظرفي عند نقص الإنتاج المحلي من بعض المواد المعدة للاستهلاك (كالبطاطا والحليب) والمساهمة في تكوين وتمويل المخزونات التعديلية قصد مساندة القطاع الفلاحي (منتوجات الدواجن، زيت الزيتون...) وتوفير مخزون استراتيجي (2-3 أشهر من حاجيات البلاد) من هذه المواد الموردة والمسوقة من طرفه.

مهدي الزغلامي

تم النشر في 04/07/2022