version française ilboursa

الضغط يتزايد من أجل وقف إستيراد المنتجات الإستهلاكية من الصين و تركيا

بدأ التوريد المفرط للعديد من المنتوجات الاستهلاكية غير الضرورية يُثير قلق المهنيين والمسؤولين في تونس وانشغالهم بمصير النسيج التجاري والصناعي في البلاد وإمكانية اندثار الاف مواطن الشغل في القطاعين جراء اغراق السوق التونسية بالعديد من السلع وخاصة السلع التركية والصينية.

تزايد الضغط من المهنيين عبر منظماتهم من أجل وقف نزيف التوريد أساسا من تركيا والصين التين أغرقتا تونس بالعديد من السلع التي يشدد بشأنها المسؤولين والتجار انها غير ضرورية للبلاد وأن نظيرها يتم تصنيعه محلياً.

وقد وصل التهكم على هذه الوضعية في تونس ببلوغ مرحلة توريد غذاء القطط والكلاب وأنواع أخرى من المنتوجات التي تثير اندهاش المختصين لكونها غير ضرورية بالمرة وأنها تساهم في إهدار العملة الأجنبية المخصصة أساسا لتوريد النفط والأدوية والحبوب وسداد قروض البلاد المتراكمة.

تعمق عجز الميزان التجاري

واصل الميزان التجاري التونسي تعمَقه بتسجيله عجزا قياسيا جديدا استقر على 16.2 مليار دينار بنهاية العام الماضي او ما يعادل حوالي 5 في المئة من اجمالي الناتج الداخلي الخام.

وزاد العجز في ظرف سنة واحدة بين عامي 2020 و2021 بحوالي 4 مليار دينار ليفقد بالتالي نقطة في نسبة تغطية الواردات بالصادرات لتبلغ في نهاية العام المنقضي 74.2 في المئة

وتأتى العجز، بحسب مؤشرات معهد الوطني للإحصاء، من تدفق هام للواردات الصينية التي سجلت بمقتضاها تونس عجزا معها بقيمة 6325.5 مليون دينار وتركيا بعجز تجاري بلغ 2655.9 مليون دينار.

وجاءت الجزائر في المرتب الثالثة من حيث الدول التي تسجل معها تونس عجزا تجاريا بلغ 1554.4 مليون دينار فروسيا بعجز وصل الى 1440 مليون دينار. وقد بلغت الصادرات التونسية خلال كامل سنة 2021 قيمة 46654.2 مليون دينار فيما ارتفعت الواردات ب 22.2 في المئة مقابل 18.7 في المائة في 2020 لتبلغ 62869.2 مليون دينار.

وقف النزيف

ويثير تعمق الميزان التجاري التونسي لا سيما مع الصين وتركيا اللتين اصبحتا تنخران التجارة التونسية بجلب الموردين التونسيين لسلع غير أساسية لتونس وخاصة التهديد المستمر للنسيج الصناعي والتجاري التونسي.

وتعالت أصوات الرافضين لهذا التمشي من مهنيين وممثلي الأعراف والمختصين في الش ان الاستهلاكي الى ضرورة وقف هذا النزيف والعمل على صياغة استراتيجية تونسية موجهة أكثر نحو التصدير

عجز في التفكير الاستراتيجي

ويُعلَق ارام بلحاج أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية على هذه الوضعية بان الاستراتيجية التونسية في مجال التجارة والتصدير لم تكن ناجعة بالقدر المطلوب مستدلا في ذلك على ان في 2021، مثل العجز التجاري التونسي تجاه بلدين فقط، الصين وتركيا، قُرابة 9 مليار دينار، معتبرا ذلك امرا مفزعا ويبعث على الانشغال.

وتابع بالقول "الغريب في الأمر أن هاذين البلدين بالذات لهما إستراتيجيات استثمارية نشطة في أغلب البلدان الافريقية ولكن، للأسف، تونس تستقطب نسبة ضعيفة جدا من هاته الاستثمارات".

وتابع في ذات السياق ان حجم الاستثمارات التركية تمثل 1.8في المئة من مجمل الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تونس، بينما لا تمثل الاستثمارات الصينية الا 0.05في المئة لافتا الى انها أرقام مُخجلة.

والمخجل أكثر في الأمر من وجهة نظره ان بلدان مثل رواندا واثيوبيا والعديد من دول افريقيا جنوب الصحراء استطاعت جلب مليارات الدولارات في شكل استثمارات صينية وتركية عبر إنشاء مناطق اقتصادية خاصة مكنت هاته البلدان من دفع عجلة التنمية وخلق مواطن شغل وجلب العملة الصعبة.

وخلص الى أن العجز التجاري في تونس ما هو إلا "انعكاس للعجز في الفكر الاستراتيجي وللضعف في السياسات الاقتصادية ولتجذر الايديولوجيا والدغمائية في عقول صناع القرار في هذا البلد المنكوب".

الشروع في تطويق الظاهرة

شرعت تونس مع بداية سنة 2022 في فرض معاليم جمركية جديدة على نحو 1300 بند تعريفي جمركي ما يعادل حوالي 3 آلاف صنف من المنتوجات الصناعية والفلاحية والغذائية، التي يتم توريدها سنويا.

ويندرج هذا الإجراء الوارد بالفصل 57 من قانون المالية لهذا العام وفق درة البرجي المديرة العامة للتجارة الخارجية بوزارة التجارة وتنمية الصادرات ، للحد من إغراق السوق التونسية من هذه المنتوجات، التي لها مثيل مُصنَّع، والتقليص من العجز التجاري الذي أخل بالتوازنات المالية للبلاد، وإهدار العملة الصعبة في مواد تُعد من الكماليات ويجب التخلي عن توريدها وفسح المجال للصناعة والمنتوجات الوطنية للرفع من تنافسيتها وكذلك التشجيع على استهلاك المنتوج التونسي.

وبينت انه تم بموجب قانون المالية الجديد الترفيع في المعاليم الجمركية للمنتوجات الفلاحية والغذائية من 36 إلى 50 في المئة، ومن 30 إلى 43 في المئة على المنتوجات المصنعة.

وسيشمل الإجراء قائمة كبيرة من منتوجات الأجبان والعسل والخضر والغلال والفواكه الجافة وحبوب عباد الشمس والبسكويت والحلويات والشوكولاطة والعصير والمشروبات الكحولية والخمور، إلى جانب منتوجات الرخام والأسمنت والدهن والعطورات ومواد التجميل والعناية بالشعر والصابون ومنتوجات بلاستيكية والأواني المنزلية.

إلى ذلك الترفيع في المعاليم الجمركية للإطارات المطاطية والمنتوجات الجلدية والسجاد والزرابي والورق، علاوة على الملابس الجاهزة ومنتجات من النسيج والأحذية والقبعات ومنتجات بلورية ومنتجات الألومنيوم وآلات وأجهزة ومعدات كهرومنزلية ووسائل نقل (حافلات ودراجات نارية)، بالإضافة إلى الأثاث ومعدات والألعاب والأقلام والمكانس وفرش الأسنان والحفاضات.

ويستهدف هذا الاجراء بحسب المسؤولة ترشيد واردات المواد المتأتية من الصين أساسا التي ليس لها أي اتفاق تجاري مع تونس من خلال توظيف تكلفة إضافية عند توريدها وهو ما من شأنه أن يساهم كذلك في الحد من تنافسية هذه المنتجات والتشجيع على استهلاك المنتجات المماثلة المصنعة محليا بالإضافة إلى تحقيق مداخيل إضافية للدولة من خلال العائدات المترتبة عن توظيف المعاليم الجمركية قد تصل الى 500 مليون دينار سنويا.

وأقرت درة البرجي بتفاقم العجز التجاري مع تركيا خاصة منذ سنة 2007 حيث تضاعف بأكثر من 5 مرات الى حدود سنة 2020 من 409.2 مليون دينار سنة 2007 إلى 2140 مليون دينار سنة 2020.

ونتج عن ذلك تراجع ملحوظ لنسبة تغطية الصادرات للواردات، حيث بلغت أدنى نسبة مسجلة حوالي 13.8 في المئة سنة 2019 نتيجة توسع للعجز بـ 2466.8 مليون دينار وهي أقصى قيمة مسجلة للعجز منذ دخول اتفاق الشراكة حيز التنفيذ (في سنة 2004).

كما اضافت ان قيمة الواردات من تركيا بلغت إلى غاية 10 أشهر الاولى من السنة الماضية 2765.4 مليون دينار مسجلة بذلك تضاعفا يتجاوز سبعة مرات القيمة المسجلة سنة 2005.

وبذلك، ارتفعت حصة الواردات التركية في اجمالي الواردات بشكل مطرد لتبلغ حوالي 5.4 في المئة في موفي أكتوبر من السنة الماضية (مقابل 3.2 في المئة فقط خلال سنة 2012).

عدم الاستفادة من اتفاق الشراكة مع تركيا

ويعكس هذا الاختلال في نسق تطور عنصري المبادلات بحسب درة البرجي عدم استفادة تونس من اتفاق الشراكة مع تركيا على النحو الأفضل حيث تسبب هذا الاتفاق في دخول السوق المحلي للبضائع التركية دون فتح آفاق واسعة أمام الصادرات الوطنية.

وأعلنت انه تم الشروع على الاشتغال على مراجعة اتفاق الشراكة بما يخدم مصلحة البلدين من خلال اعتماد تمشي يرمي الى ترشيد الواردات ذات المنشأ التركي وتثمين الصادرات الوطنية إلى جانب التركيز على ضرورة الاستفادة من كل فرص التعاون الاقتصادي والفني الذي من شأنه النهوض بالاقتصاد الوطني.

فعلى مستوى الصادرات اقترح الجانب التونسي الترفيع في حجم الصادرات من خلال تحسين وتسهيل النفاذ الى السوق التركية وتوسيع قاعدة المنتوجات المصدرة.

وعلى مستوى الواردات تم من خلال قانون المالية لسنة 2018 تفعيل الفصل 17 من اتفاقية الشراكة مع تركيا القاضي بالترفيع في المعاليم الديوانية الموظفة على المنتوجات المضمنة بالملحق عدد 2 للاتفاقية غير أن المنتجات الواردة بالملحق عدد 2 من الاتفاقية لا تتجاوز وارداتها 20 في المئة من مجموع واردات تونس من المواد المصنعة التركية.

ويقترح في هذا الإطار أن يتم التشاور مع الجانب التركي قصد مراجعة قائمات المنتجات المعنية وضرورة إثارة التجاوزات عند توريد بعض المنتجات من تركيا على غرار حصول بعض المنتجات الصينية على المنشأ التركي وتصديرها إلى تونس بالتعريفة التفاضلية في إطار الاتفاقية وتوريد المنتجات المقلدة على ماركات تونسية مصنعة في تركيا ويتم ترويجها في السوق الليبية على أساس أنها منتجات تونسية

مهدي الزغلامي

تم النشر في 17/01/2022