version française ilboursa

الشروع في قطع الماء ليلا بعد دخول تونس مرحلة الشُحَ المائي

عبَر عديد المواطنين عن تذمرهم وامتعاضهم من تواتر عمليات القطع الماء الصالح للشرب في العديد من مناطق البلاد بداية من التاسعة ليلا على ان يعود الماء مع الساعة الخامسة صباحا. واشتكى المواطنون من عدم اعلام الشركة التونسية لتوزيع الماء "الصوناد" مسبقا المواطنين بعملية قطع الماء حتى يقوموا بتعبئة الماء في قوارير.

وطالبوا بوجوب توضيح الوضعية وخاصة مصارحة الشعب التونسي بحقيقة الأوضاع المائية في البلاد وحقيقة تواصل عملية قطع الماء ليلا سيما وان البلاد مقدمة على فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة. يشار الى ان الصوناد أرسلت في الأيام الاخيرة ارساليات قصيرة على الهواتف الجوالة لتحسيس التونسيين بوجوب المحافظة على الماء وترشيد استهلاكه.

وأظهرت آخر الدراسات والبحوث أن تونس دخلت فعلا مرحلة الشح المائي إثر تسجيل انحباس لافت لهطول الامطار في فترات تحتاج فيها البلاد الى الامطار لتغذية المائدة المائية من جهة وخاصة امتلاء السدود.

وتجنبا لمزيد تعكر الأوضاع، تنكب وزارة الفلاحة حاليا على ضبط حزمة من القرارات والإجراءات تم وصفها بالصارمة، الهدف منها الحفاظ على الموارد المائية وتثنين استعمال الماء في المجالات الفلاحية والصناعية.

وأمام الوضع المائي الحرج والصعب الذي تعرفه تونس فإن معطيات تحصل عليها "البورصة عربي" تفيد بأن وزارة الفلاحة أعدت حزمة من القرارات والإجراءات يتم تجهيزها وسيقع الإعلان عنها قريبا في علاقة بحسن ترشيد استعمال الماء. وتتعلق هذه الإجراءات التي تم وصفها بالصارمة في التفكير الجدي في اعتماد توقيت ليلي لفتح وقطع الماء على عدد من المناطق التي يتم فيها تسجيل لإهدار كبير للماء.

كما يتم التفكير في شن حملة واسعة على محطات غسل السيارات تجنبا لإهدار الماء استعمال الماء عند غسل السيارات لا سيما وان عدد هذه المحطات آخذ في التطور. ومن ضمن الإجراءات التي يتم الاشتغال عليها التقليص في مياه الري لعدد من الزراعات التي تستهلك كميات كبيرة من الماء ولكن مردوديتها غير كبيرة.

يشار الى ان مؤسسة التلفزة التونسية والمرصد الوطني للفلاحة التابع للوزارة شرعا منذ فترة في بث ومضات تحسيسية وتوعوية للاقتصاد في الماء تثمين استعمالاته اليومية

نقص في التساقطات  

تُظهر العديد من المؤشرات والمعطيات العلمية أن تونس دخلت فعلا مرحلة الشح المائي بسبب انحباس الامطار بفعل التغيرات المناخية لارتفاع درجات الحرارة في فترات تكون فيها البلاد بحاجة الى الامطار.

دليل ذلك أن درجات الحرارة المسجلة خلال شهر جانفي 2023 وصلت في بعض الفترات إلى 17 درجة أمر غير معتاد وفق المختصين في المناخ في البلاد اذ أظهر الملخص المناخي الذي يصدره معهد الرصد الجوي الحكومي أن معدل هطول الأمطار خلال شهر جانفي من هذه السنة عرف نقصا بنسبة 48 بالمائة.

ضرورة الاستثمار في الماء

خلصت دراسة حديثة للمعهد العربي لرؤساء المؤسّسات أعدها الاستاذان الجامعيان مختار الكوكي وروضة قفراج الى ضرورة الاستثمار في قطاع الماء في تونس في العقود القادمة والحرص على تثمين مصادر الماء لحماية غراسات الزيتون كقطاع استراتيجي وضمان مستوى انتاج فلاحي لتحقيق الأمن الغذائي.

وأبرزا الباحثان في دراستهما التي جاءت تحت عنوان "الشح المالي: الخيارات الاقتصادية والأمن الغذائي"، أهميّة مزيد الاستثمار في الماء من أجل حماية المنتجات الزراعية في تونس". واعتبر محمد الكوكي أن الاستثمار في تحلية مياه البحر واستغلال جزء من المياه المُحلاة في ري زراعات الزيتون وزراعة الحبوب سيمكن من ربح قيمة مضافة أعلى خمس مرّات من الكلفة المستثمرة.

وفيما يتعلّق بانعكاس الشح المائي على الأمن الغذائي أبرزت روضة قفراج الخبيرة في التصرّف في الموارد المائية، أهميّة التقليص من إهدار الماء على جميع المستويات ابتداء من الحقل وحتّى صحن المستهلك، في بلد يقوم بتوريد 50 بالمائة من حاجياته من القمح الصلب.

وبحسب قفراج "لا يمكن لتونس ضمان أمنها الغذائي خلال السنوات القادمة من خلال التعويل، فقط، على التساقطات لري الزراعات، موضحة بالقول "من الضروري التوجه نحو بدائل أخرى من ذلك استعمال المياه غير التقليدية للري وتحقيق القيمة المضافة للفلاحة السقوية، التّي لا تمثل اليوم سوى الثلث مقابل الثلثين للفلاحة المطرية".

وضعية دقيقة

ومن جانبه لاحظ مختار الكوكي أن تونس تعيش، حاليا، وضعية دقيقة فيما يتعلّق بتوفر الموارد من المياه المتجددة بسبب تكاثف فترات الجفاف إذ تُصنف البلاد، مع توفر معدل 355 متر مكعب من الماء لكل ساكن في السنة، تحت عتبة ندرة المياه أو الشح المائي والمقدرة ب 500 متر مكعب لكل ساكن في السنة.

وتطرق الى الصعوبة في سد حاجيات مختلف القطاعات من الماء في مواجهة تراجع الانتاج والتبعية المفرطة للخارج، خصوصا، فيما يتعلّق بالقمح اللين والشعير ممّا يهدد رأس مال الفلاحة المطرية.

مهدي الزغلامي 

تم النشر في 23/03/2023