version française ilboursa

التضخَم والترفيع في الأسعار ''خطران داهمان'' يُهدَدان القدرة الشرائية للتونسيين

يعيش التونسيون منذ مطلع العام الحالي أحلك فترة في تاريخهم المعاصر تجَسمت في تراجع جل المؤشرات الاقتصادية للبلاد التي تشهد اقوى ازمة اقتصادية ومالية في تاريخها وفق المختصين ما انعكس سلبيا على المقدرة الشرائية للمواطنين العاجزين عن الصمود امام التيار الجارف للمنحى التصاعدي للأسعار في ظل الأجور المتواضعة.

ومع طلوع كل يوم جديد يُفاجئ التونسيون بزيادات جديدة في العديد من المنتوجات الاستهلاكية والغذائية واقفين مكتوفي الايدي والاقتصار عن التذمر من الزيادات المتواصلة في الأسعار.

ويُحاصر التضخم البلاد بتسجيل ارقام قياسية جديدة مع توقع ترفيع في أسعار منتوجات اخرها مثلما أعلن عنه وزير الفلاحة محمود الياس حمزة من اعتزام الترفيع في أسعار البيض والحليب والدواجن، معللا ذلك بارتفاع أسعار الاعلاف الموردة جراء تبعات الرب الروسية الأوكرانية.

ارتفاع جديد لنسبة التضخم

في افريل 2022 ارتفعت نسبة التضخم في تونس لتصل الى مستوى 7.5 في المئة بعد ان كانت في حدود 7.2 في المئة خلال الشهر مارس و7 بالمائة خلال شهر فيفري و6.7 في المئة خلال شهر جانفي وفق المعهد الوطني للإحصاء.

وتعد هذه النسبة الأعلى منذ ديسمبر 2018 في خطوة تدل على ان التضخم آخذ في الصعود وسط عجز الحكومة عن اتخاذ إجراءات لتطويق نسب التضخم. وبحسب المختصين والمتابعين فان ارتفاع نسبة التضخم في تونس للشهر الماضي كانت منتظرة في ظل ما شهدته أسعار جل المنتوجات من زيادة لافتة رافقتها موجة من الاحتكار والمضاربات بالمواد الغذائية خاصة، متوقعين ان تواصل صعودها في الأشهر القادمة جراء حركة الأسعار الاخذة في الزيادة.

منظمة الدفاع عن المستهلك غاضبة

انتقد عمار ضية رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك بشدة اتجاه بعض قطاعات الإنتاج الفلاحي والحيواني إلى الترفيع في الأسعار بشكل أحادي ودون الرجوع إلى سلطة الإشراف، معتبرا أنّ هناك لا مبالاة بالمستهلك وبمقدرته الشرائية.

وصرح إنّ الزيادات في الأسعار كانت منتظرة بالنظر إلى وجود حراك كامل في هذا الاتجاه، لكنّه أشار في المقابل إلى أنّ الزيادات لا يُمكن أن تتم اعتباطيا عبر اجتماع مجموعة من الأشخاص تقرّ الترفيع في الأسعار دون الرجوع إلى هياكل الإشراف.

وشدّد رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك على أنّ الترفيع في أسعار الأعلاف لا يمكن أن يكون مبرّرا لهذا السلوك، وأنّ الزيادات تتم عبر مفاوضات لتحديد نسبتها ومدى انعكاسها على المستهلكين. وكشف أنّ شرائح كبيرة من التونسيين باتت عاجزة على مجابهة المصاريف الضرورية، مبديا خشيته من أن يضيق الخناق على شرائح أخرى لم تعد قادرة على توفير غذائها اليومي.

خوف من تهاوي المنظومة الفلاحية

وفي تصريح للبورصة عربي قال منور الصغيري مدير الإنتاج الحيواني بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (منظمة نقابية وطنية) ان المنظومة الفلاحية في تونس قد تهاوت واوشكت على الاندثار في عدد من مجالات الإنتاج. 

ولفت الى ان وزارتي الفلاحة والتجارة لم تتفاوضا مع المنظمة الفلاحية بشأن إقرار الزيادة في أسعار البيض والدجاج والحليب، معتبرا ان الزيادات التي سيتم الإعلان عنها يجب ان تكون مجزية للفلاحين والمربين.

وبالنسبة الى الحليب قال منور الصغيري ان تونس تعد الدولة الأولى في العالم التي يباع فيها اقل سعر لتر الحليب 1350 مليما سعر اللتر موضحا ان اللتر الواحد في دول الجوار مثل ليبيا ب 4 دنانير والمغرب 3.5 دنانير. وأضاف ان لتر الحليب في دول جنوب الصحراء يصل سعر لتر الحليب فيها الى معدل 6 دنانير.

الأجور مُجمَدة

أمام الصعود المتواصل لجل الأسعار في تونس وعجز المواطنين عن مجاراة هذا النسق، لا تزال الأجور مجمدة ولم يقع الإعلان رمسيا عن دخول في مفاوضات حول الزيادة في أجور الموظفين.

ولئن يُلحَ الاتحاد العام التونسي للشغل في وجوب الدخول في مفاوضات الزيادة في الأجور لتدهور المقدرة الشرائية، فأن حكومة نجلاء بودن صامتة ولم تتجاوب مع هذه المطالب الحارقة.

كما تطالب المركزية بوجوب اتخاذ الحكومة لإجراءات عاجلة من اجل المحافظة على المقدرة الاستهلاكية لعموم التونسيين والحد من "انجراف" القدرة الشرائية الى مستويات دنيا.

وتقف الحكومة أمام مطرقة صندوق النقد الدولي الضاغط على الحكومة بالتحكم في كتلة الأجور التي تعد من الارفع في العالم بالمقارنة مع الناتج الداخلي الخام اذ أن 40 في المئة من مجموع موازنة تونس موجة للأجور. كما تفف امام سندان التراجع اللافت للمقدرة الشرائية وهي عنوان رافعة الاستهلاك الذي تدنى بشكل لافت في الفترة الأخيرة.

ضغط جديد على البنك المركزي

في ظل التصاعد اللافت لنسبة التضخم ينتظر العديد من المختصين والمتابعين ردة فعل البنك المركزي التونسي إزاء هذا الوضع مترقبين انعقاد مجلس إدارة البنك وإمكانية اتخاذ قراره بتعديل نسبة الفائدة الرئيسية.

وطالب العديد من أساتذة الاقتصاد في تونس البنك المركزي بعدم الزيادة في تعديل نسبة الفائدة الرئيسية (6.26 في المئة حاليا) بزيادة بنصف نقطة رئيسية وتقريبها لنسبة التضخم المسجلة في شهر ابريل (نيسان الماضي) نظرا لما سيكون لذلك انعكاس على القروض البنكية التي سترتفع كلفتها خاصة للمستثمرين والراغبين في انجاز المشاريع، بما سيزيد في تعطيل نشق الاستثمار في البلاد.

ومن جانبه علق أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية ارام بلحاج على المسالة بأن مجمل البنوك المركزية، خاصة في الدول المتقدمة والصاعدة رفّعت (أو ستُرفّع حتما) من نسب الفائدة الرئيسية، وذلك في إطار مجابهة الضغوط التضخمية.

ورجح أن البنك المركزي التونسي ذاهب في نفس الاتجاه أيضا وسيرفع من هاته النسبة من 25 إلى 50 نقطة أساسية، خاصة وان الفارق بين نسبة الفائدة الرئيسية الحالية ونسبة التضخم اتسع ليبلغ 125 نقطة (سلبية).

واعتقد أن هذا الترفيع سيكون خطوة في الاتجاه الخطأ لعدة أسباب، أهمها ان التضخم أصبح مشكل عالمي ومرتبط أساسا بالعرض والطلب في السوق الدولية قبل السوق الداخلية، مضيفا ان جزء لا بأس به من التضخم ناتج عن تقلب أهم العملات الأجنبية، وآخرها ارتفاع سعر صرف الدولار. كما بين ان الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسية سيؤثر على العرض (الاستثمار) الذي يشكو اصلا صعوبات، وبالتالي سيعمق الأزمة في تونس.

وخلص إلى أن هذا الترفيع أيضا لن يحل مشاكل اللوجستيك والنقل والتخزين والتوزيع...التي تُعتبر من أهم المشاكل الهيكلية التي ساهمت في ارتفاع نسبة التضخم. داعيا الى وجوب العمل على معالجة المشكل من جذوره عوض الذهاب نحو الحلول السهلة.

مهدي الزغلامي

تم النشر في 19/05/2022