version française ilboursa

اقتصاد تونس لا يزال غارقا ومخطط الخروج من الازمة لا يزال بعيدا

مع مرور الثلاثي الأول من سنة 2022 كان الاعتقاد سائدا من طرف عموم التونسيين والخبراء بأن تتدارك البلاد أوضاعها الاقتصادية والمالية العليلة والخروج التدريجي من حالة الانكماش الاقتصادي التي تعرفه منذ ما يزيد عن ثلاث سنوات.

إلا أنه إثر مرور الأشهر الثلاثة الاولى من العام الحالي لم تتحسن أحوال الاقتصاد التونسي ومعه تحسن أحوال التونسيين، فمجل المؤشرات الاقتصادية والمالية أصبحت مُحمرَة وتنبؤ بتداعيات خطيرة عمقتها تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية مع مُخلَفات جائحة فيروس كز رونا (كوفيد 19).

ودخلت تونس منذ سنة 2019 في أزمة اقتصادية ومالية تعمقت بشكل واضح من خلال الارتفاع المخيف لديونها الداخلية وخاصة الخارجية في ظل تراجع مواردها ونقاط قوة الاقتصاد التونسي المتمثلة في السياحة والصناعات المعملية والفسفاط اذ ان هذه الرافعات المهمة لا تزال تعرف شللا هيكليا وظرفيا ولم تعد تشتغل وفق وتيرة تجعلها أحد مخارج الازمة في تونس.

ارتفاع غير مسبوق للأسعار

منذ شهر جانفي 2022 عرفت أثمان جل المنتوجات من مواد أساسية ومنتجات فلاحية طازجة (خضر وغلال) ارتفاعا جنونيا وأخذ في الصعود بشكل مخيف وبنسق غير مسبوق جعل التونسيين يدخلون في دوامة لم يعرفوا كيف يتعاملون، وأن خلاصهم الوحيد في هذه المسالة هو السقوط في فخ اللهفة والتهافت على اقتناء السلع الى درجة تسجيل ندرة هامة لجل المنتوجات في الأسواق والمحلات.

وعلى الرغم من صدور مرسوم رئاسي يتضمن جملة من القرارات والإجراءات في نهاية مارس 2022 بتجريم الاحتكار والمضاربة، فان الاوضاع لم تتحسن بل زادت تعكرا بتسجيل مستويات قياسية في الأسعار.

نسبة تضخم لا تبعث على الاطمئنان

وانعكست هذه الوضعية على نسبة التضخم التي ما انفكت تسجل زيادة لافتة ومخيفة منذ شهر جانفي الى مارس الماضي زادت في الطين بلة وعمقت ازمة ارتفاع الأسعار التي وبشهادة المختصين والمواطنين عجزت حكومة نجلاء بودن على التصدي اليها بإجراءات صارمة توقف المنحى التصاعدي للأسعار مقابل تراجع لافت للقدرة الشرائية والاستهلاكية للمواطنين.

وفي خضم الازمة الاقتصادية والمالية ظلَ الاستهلاك، في ظل تعطل رافعتي الاستثمار والتصدير، أحد اعم رافعات تحريك النمو في تونس لكنه ضُرب في الصميم بحركة الأسعار آخذة في الصعود.

وفي هذا الاطار سجلت نسبة التضخم في تونس أعلى مستوى لها منذ ثلاث سنوات لتصل إلى مستوى 7.2 في المئة خلال شهر مارس  2022، بعد أن كانت في حدود سبعة في المئة خلال الشهر السابق و6.7 في المئة خلال شهر جانفي 2022، وفق ما نشره المعهد الوطني للإحصاء (.

وبلغت نسبة التضخم في العام الماضي 5.7 في المئة، و5.6 في المئة في عام 2020، و6.7 في المئة في عام 2019. ويعتبر عدد من الخبراء أن نسبة التضخم المسجلة خلال الربع الأول من العام الحالي مرتفعة وتبعث على الانشغال والحيرة بشأن مستوى الأسعار المتزايد في تونس.

ولاحظوا أن نسبة التضخم استقرت في السنوات الماضية عند معدل خمسة في المئة، مقابل ما يجب أن تكون عليه أي ثلاثة في المئة وفق المعايير الأوروبية. واعتبروا ان التضخم أضحى متواتراً في المدة الأخيرة، وسيؤثر بشكل كبير في الدورة الاقتصادية للبلاد.

ورجحوا ان المنحى التصاعدي لنسبة التضخم سيزيد في الأشهر القادمة وربما الوصول الى مستوى 10 في المئة في حال لم يقع اتخاذ إجراءات صارمة لتطويق الزيادة اللافتة في الأسعار.

الثقة في مناخ الاعمال مهزوزة

مؤشر آخر مهم يظهر مدى بقاء الاقتصاد التونسي في نفق مظلم لم يعرف كيف يخرج منه، وهو الاستثمار واهتزاز الثقة في مناخ الاعمال في تونس بدليل تراجع نوايا الاستثمارات في القطاع الصناعي الذي يشكل أحد اهم نقلط قوة الاقتصاد التونسي في العقود السابقة. وقد تواصل المنحى التنازلي لنوايا الاستثمار في القطاع الصناعات المعملية في تونس خلال شهري جانفي وفيفري 2022 بتراجع بنسبة 36.9 في المئة.

واسفرت عن هذه الوضعية تراجع عدد المشاريع المزمع إنجازها بنسبة 7.4 في المئة بالمقارنة مع سنة 2021 علاوة على النقص الحاصل في عدد مواطن الشغل المنتظر احداثها بنسبة 4.9 في المئة بالمقابل مع نتائج ذات الفترة من السنة الفارطة.

وبالنسبة الى التوزيع القطاعي لنوايا الاستثمار في الصناعات المعملية فان اهم ما يمكن ملاحظته التراجع اللافت لكل مكونات قطاع الصناعات المعملية ولا سيما القطاعات المحورية التي يرتكز عليها قطاع الصناعات المعملية في تونس.

وفي هذا الصدد تدحرجت نوايا الاستثمار في مجال النسيج والملابس بنسبة 36.4 في المئة مقابل حوالي 32 في المئة في الفترة ذاتها من السنة المنصرمة. وعرفت الاستثمارات المصرح بها في قطاع الصناعات الكيميائية تراجعا ملفت للانتباه بنسبة حوالي 86 في المئة.  

وتعكس مجمل هذه المؤشرات ان مناخ الاعمال في تونس يعرف عدة صعوبات وهناك عزوف من المستثمرين التونسيين وكما الأجانب على الانتصاب لفي تونس بسبب الاوضاع السياسية المتذبذبة وعدم وضوح الرؤية الاقتصادية في البلاد وربما هناك انتظار لما ستؤول اليه الأوضاع بعد الانتخابات البرلمانية السبقة لأوانها في ديسمبر 2022

وفي تحليله لمجمل هذه المعطيات يقول سمير بشوال مستشار اقتصادي والمدير العام السابق لوكالة النهوض بالصناعة والتجديد، إن نوايا الاستثمار تمثل مرآة عاكسة للواقع الاقتصادي لأي بلد ومدى جاذبيته لمختلف أصناف الاستثمار. ويشدد أن المستثمرين الأجانب والتونسيين صاروا متخوفين من المستقبل في البلاد التي تعرف عدم استقرار سياسي مع تراجع للعديد من المؤشرات الاقتصادية التي أضحت تؤثر بشكل لافت على نسق الاستثمار.

ويعتبر بشوال أن التراجع المهم واللافت في الاستثمارات الصناعية المصرح بها في تونس خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2022، مرتبط بحالة عدم الاستقرار السياسي ما يجعل المستثمرين التونسيين والأجانب على حد السواء لا يعرفون مع أي سلطة يتعاملون علاوة على تغير المسؤولين على رأس الإدارات باستمرار.

تواصل تعمق العجز التجاري

تعمق العجز التجاري لتونس ليبلغ 1434.6 مليار دولار، خلال الثلاثي الاول من سنة 2022، مقابل عجز ب 1023.1 مليار دولار خلال الثلاثي الأول من سنة 2021، وفق معطيات المعهد الوطني للإحصاء.

وفسر المعهد هذا العجز خاصة انه ناتج بالأساس عن العجز المسجل مع بعض البلدان كالصين (-669.8 ميون دولار) وتركيا (-452.2 مليون دولار) والجزائر وروسيا (-187.2 مليون دولار).

تراجع منسوب الثقة

وفي تحليله لمجمل المؤشرات الأساسية المسجلة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام قال رضا الشكندالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية ان هذه المؤشرات عرفت تراجعا لافتا بسبب ما تعيشه تونس من أزمة سياسية لا تزال متواصلة ولم يقع حلحلتها.

وأوضح في تحليله للوضع ان تونس تعيش مع الربع الأول من هذه السنة أزمة ثقة بدليل تراجع جل رافعات الاقتصاد الأساسية مستدلا برقم اعتبره مخيف ويبعث على الانشغال ويتمثل في تسجيل صفر تصريحات في الاستثمار المحلي في الفترة الأخيرة الامر الذي لم يحصل في تاريخ تونس وفق رأيه.

ولئن التمس عذرا لتهاوي العديد من المؤشرات الاقتصادية بسبب مخلفات الجائحة الصحية وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية فان هناك عوامل ساهمت في تدهور مجمل الأوضاع الاقتصادية في الأشهر الأولى من هذا العام أهمها عجز الحكومة عن التصدي للارتفاع المتواصل لنسق الأسعار وتسجيل نسب مرتفعة للتضخم.

وعاد على تدني الترقيم الائتماني لتونس مع بداية العام الحالي ما جعلها بلد مرتفع المخاطر ما سيضيق الخناق عليها للحصول على التمويلات المالية من السوق المالية في وقت تحتاج فيه تونس الى توريد الادوية والحبوب والنفط وبالعملة الأجنبية.

الأوضاع قد تزداد سوءا

ومن جانب اخر ابدى رضا الشكندالي انشغالا كبيرا بالوضعية المالية للبلاد، موضحا ان نصف موازنة 2022 لا يعرف من اين سيتم تمويلها في الأشهر القدمة لافتا الى ان حوالي 22 مليار دينار ، من ضمن موازنة جملية بقيمة 57 مليار دينار  يتعين ايجادها في الأشهر القادمة ولا فان الأمور سوف تزادا سوءا لا سيما على مستوى توفير الأجور.

وينقسم هذا المبلغ 22 مليار دينار على 12.6 مليار دينار بعنوان قروض خارجية الامر الذي لم يقع تعبئته الى الان ومبلغ 5 مليار دينار تم ترحيله الى موازنة العام الحالي إثر عدم غلق موازنة العام الفارط مع كلفة تقديرية لتداعيات الحرب في البحر الأسود بقيمة 5 مليار دينار ناجمة عن ارتفاع فاتورة الدعم وخاصة دعم المحروقات وفق تفسيره.

وحذر من إمكانية انفجار الأوضاع الاجتماعي مع بداية النصف الثاني من العام الجاري على مستوى الأجور والموجودات من الرصيد من العملة الأجنبية في صورة عدم إيجاد الحلول العملية المناسبة وعودة الإنتاج عموما.

الحل بيد رئيس الجمهورية

وعن الحلول التي يراها الشكندالي هامة وعاجلة للخروج من الأوضاع الاقتصادية والمالية المتأزمة تتمثل أساسا في يد رئيس الجمهورية قيس سعيد المطالب بحسب أستاذ الاقتصاد بتغيير خطابه من الجانب السياسي الصرف الى الجانب الاقتصادي بإعطاء أولوية قصوى للجانب الاقتصادي.

كما دعا الى تنظيم حوار اقتصادي اجتماعي بعيد عن الحوار الوطني السياسي عبر ثلة من المختصين في تونس والخروج ببرنامج انقاذ اقتصادي يتم عرضه على صندوق النقد الدولي.

وخلص بالتأكيد على ان الحل الظرفي يتثمل في بلوغ اتفاق مع صندوق النقد الدولي لحصول تونس على التمويلات الضرورية والضوء الأخضر للخروج على الاسواق المالية العالمية.

مهدي الزغلامي

تم النشر في 18/04/2022