فاجأ الرئيس التونسي قيس سعيد اوساط الاعمال والاستثمار داخليا وخارجيا بتقدمه بمقترح قديم جديد يتمثل في اجراء صلح مع رجال الاعمال التونسيين الذين تحصلوا على أموال او قروض من دون وجه حق وبطرق ملتوية لم يقع خلاصها.
ودعا الرئيس التونسي مئات رجال الأعمال إلى إرجاع الأموال المنهوبة والتي تقدر بنحو 13.500 (وهو نفس المبلغ تقريبا الذي ترغب تونس الحصول عليه من صندوق النقد الدولي في إطار برنامج تمويل جديد). واقترح سعيّد في هذا السياق أن يقع تخصيص الأموال التي سيقع استردادها واستثمارها لفائدة المناطق الفقيرة والمهمشة، في إطار صلح جزائي لم يقع بعد تفصيله.
وقال الرئيس التونسي الأربعاء 28 جويلية 2021 لدى استقباله لرئيس منظمة الأعراف سمير ماجول في تسجيل مصور نشرته الرئاسة إن 460 شخصا "سرقوا" حوالي 13.500 مليون دينار من المال العام، مؤكدا على ضرورة استردادها من "الفاسدين"، مشيرا إلى أن "أموال الشعب يجب أن تعود إلى الشعب".
وبحسب ما جاء في الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية على موقع فايس بوك، أشار سعيّد إلى "أنه بناء على أمر رئاسي سيصدر لاحقا ستخصص الأموال المنهوبة التي سيقع استرجاعها لفائدة الجهات المحرومة وفق ترتيب تنازلي لها مع كل من يجنح للصلح من رجال الأعمال المعنيين في إطار الصلح الجزائي الذي كان رئيس الجمهورية قد أعلن عنه".
وأوضح رئيس الجمهورية أن هذه المشاريع ليست استثمارات، بل يجب ان تكون في شكل مدارس ومستشفيات وبنى تحتية تحت إشراف لجنة جهوية، ودعا المتورطين في نهب المال العام إلى الجنوح للصلح عوض الملاحقة الجزائية والسجون، مشددا على أنه لن يتم منح الصلح النهائي لأي متورط إلا بعد مرور 10 سنوات من إنجاز المشروع، حتى يظل مسؤولا عن أي عيب أو تقصير فيه.
خوف وريبة
وخلف مقترح الرئيس ردود أفعال متباينة في تونس وفي الخارج ايضا عما إذا كان سيقع التشفي من أصحاب المؤسسات وابتزازهم في ظرف تعرف فيه البلاد ازمة اقتصادية حادة جعلت الموارد المالية شحيحة.
وسرعان ما تفاعل العديد من الفاعلين الاقتصاديين بشأن إقرار صلح مع رجال الاعمال بالتساؤل عما إذا سيزيد هذا المقترح من تعقيد مناخ الاعمال في تونس وهروب المستثمرين الى دول مجاورة أخرى علاوة على ادخال الريبة والتخوف من المستثمرين الأجانب الراغبين في الاستثمار في تونس.
كما تساءلت أوساط الاعمال عن طرق ابرام الصلح الجزائي مع رجال الاعمال وكيفية تطبيقه على ارض الواقع وعما اذا سيخلف هذا الصلح عمليات ابتزاز وتنكيل معنوي للمستثمرين فضلا عن الرسالة الموجهة الى المؤسسات المالية الدولية من هذا الاجراء.
يشار الى ان حجم تدفق الاستثمارات الخارجية المباشرة على تونس تراجع خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 31 في المئة وهو مرشح الى ان يظل سلبيا مع موفى السداسية الأولى من العام الحالي.
ويتذمر العديد من المستثمرين وأصحاب الشركات من تدهور مناخ الاعمال في البلاد بسبب القيود الادارية وطول الإجراءات علاوة على الاعتماد على التراخيص في العديد من المجالات الاقتصادية ما يحول دون حصول حركية استثمارية من شانها ان تجعل تونس فعلا بلدا جاذب للاستثمار خاصة الخارجي منه.
وبالرغم من مجهودات الحكومات المتعاقبة على تحسين مؤشر سهولة أداء الاعمال في تونس (دوينغ بزنس) الا انه على ارض الواقع الأمور تتغير من خلال البطء الكبير في تجاوب الإدارة مع المستثمرين الى جانب التعقيدات الإدارية وكثرة التراخيص المعرقلة لحركة الاستثمار في البلاد.
لا لظلم رجال الاعمال والمستثمرين
اوضح عز الدين سعيدان الخبراء الذي اشتغلوا على ملفات رجال الاعمال ضمن اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة سنة 2011 ان اللجنة احالت الى القضاء بعد سنة كاملة من اشغالها 463 ملف ولم يتعلق الامر ب 460 رجل اعمال كما يعتقد العديد من الناس.
واوضخ لموقع "البورصة عربي" ان الامر لا يتعلق بعدد رجال الاعمال بل بملفات تتضمن مسائل تتعلق بالفساد والرشوة وان المستحقات التي يجب ان تعود للدولة في حدود 13.500 مليون دينار.
وشدد المتحدث على ان ما تطرق اليه رئيس الجمهورية من صلح جزائي مع رجال الاعمال يعود الى حوالي عقد من الزمن ملاحظا انه في حال اعتماد نفس الملفات فانه ستحصل مظلمة كبيرة.
وتابع قائلا "لقد قام عدد كبير من رجال الاعمال الذين تحوم حولهم شكوك بالفساد وتلقي أموال من دون موجب حق بتسوية وضعيتهم إداريا وقضائيا وابرام صلح مع الدولة التونسية".
وبالمقابل أوصى بضرورة عدم التنكيل برجال الاعمال التونسيين وخاصة منهم الوطنيين والانجرار الى وضع كل المستثمرين ورجال الاعمال في سلة واحدة واتهامهم بالفساد معتبرا ان المؤسسة الاقتصادية هي عماد الاقتصاد التونسي ومصدرا لخلق الثروة.
وخلص بالتأكيد على ان اصلاح الاقتصاد التونسي يمر عبر توفير مناخ استثمار ملائم وهادئ وخاصة الإسراع بتوفير استقرار سياسي في البلاد.
لا لشيطنة رجال الاعمال التونسيين
ومن جانبه قال نافع النيفر وهو مستثمر تونسي في مجال النسيج انه بقدر ما رحب بهذا الاجراء فانه يشدد على وجوب عدم شيطنة المستثمرين التونسيين واعتبارهم لصوص وان استثماراتهم متأتية من الفساد والرشوة.
واعتبر انه من الضروري في هذا الظرف السياسي الحساس طمأنة المستثمرين التونسيين وعدم التشكيك في وطنيتهم وغيرتهم على البلاد، لافتا الى ان النجاح في تونس اضحى عيبا ويثير الشكوك حوله.
وأبرز المتحدث انه يتعين على السلط في تونس طمأنة شركاء البلاد وخاصة المانحين الماليين الدوليين موضحا ان هذه الطمانة يجب ان تكون فعلية وتطبق على ارض الواقع وليست مجرد اعلان نوايا.
ويعتقد هذا المستثمر ان اهم طمأنة في نظره للخارج هي الإسراع في تعيين رئيس حكومة وتكوين حكومة جديدة لها من الجدارة والكفاءة بالقيام بالإصلاحات الاقتصادية بطريقة سريعة ولكنها ناجعة لتدارك الوقت.وحث على تكريس مبدأ المحاسبة الواضحة، والابتعاد بذلك عن كل مظاهر الابتزاز والتشويه، التي يمكن أن يتعرض لها جميع رؤساء الشركات" والتوقف عن وضع الجميع في سلة واحدة واعتبار كل أصحاب الشركات في خانة الفاسدين".
وجدد الدعوة الى ضرورة تنقية مناخ الأعمال ودفع الاستثمار، وخاصة دعم الثقة بين مختلف الفاعلين، والذي لا يمكن تجسيمه إلا بتكريس مبدأ دولة القانون، وتجنب التعسف وضمان حق الدفاع.
لا داعي للخوف
وأكد الرئيس التونسي، خلال لقائه مع رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سمير مجول، أنه "ليس هناك نية للتنكيل بأي كان ولا المس برجال الأعمال".
وتابع قائلا "كنت دعوت إلى صلح جزائي، ولا نية على الإطلاق للتنكيل بأي كان والمس برجال الأعمال وخاصة أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة أو رجال الأعمال الذين يدفعون الضرائب".
مهدي الزغلامي
تم النشر في 02/08/2021